وفد "المعارضة" في اللجنة الدستورية.. ضرورة للسوريين أم لـ "النظام"؟

2021.10.26 | 06:22 دمشق

tempt-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

يُكرر جهابذة المفاوضين الذين عُينوا كممثلين عن المعارضة، بطريقة لاتزال مثار جدل داخل أوساط السوريين، كلّما ارتفعت الأصوات الرافضة لمسرحية التفاوض، أن الهدف الأساسي من مشاركتهم هذه، هو أن يثبتوا للعالم أن النظام كاذب، وأنه لا يريد التفاوض.

يذكرني قولهم هذا بالمهزلة التي كان يرددها حافظ الأسد وإعلامه، حول تفاوضهم مع إسرائيل، بأنهم يشاركون في العملية التفاوضية مع إسرائيل، فقط ليثبتوا للعالم أن إسرائيل لا تريد السلام.

كان حافظ الأسد أعرف العارفين بمدى التلفيق الذي تتضمنه تصريحاته، وتصريحات إعلامه، وحقيقة ما يستطيع، أو ما يريد، فعله، وعندما أعلنت إسرائيل سنة 1981م، عن ضم الجولان رسمياً، متجاهلة كل القرارات الدولية المتعلقة به، لم تكن تريد من حافظ الأسد إلا أن يواصل جولات صموده الكلامية، وأن يواصل إنهاك سوريا وتدميرها، وتدمير كل إمكاناتها، كي يتحول ضم الجولان إلى حقيقة لا يمكن القفز عنها لاحقاً.

اليوم يعيد "أبطال" اللجنة الدستورية السيناريو ذاته، في تفاوضهم مع نظام الأسد، فتارة يتحججون بخذلان أطراف دولية لهم، وتارة يتحججون بأنهم لن يمنحوا النظام مبرراً لانسحابه من اللجنة الدستورية، وتارة يتحججون بالممكن وغير الممكن، وتغيرات الواقع، و..و..إلخ.

الطرف الذي أرسله النظام كممثل له لا يعترف به النظام نفسه، وهو أعلن مراراً أنه غير ملزم بأي قرارات يتوصل لها، ويمكنه في أي لحظة أن ينسف العملية كلها

بعيداً عن حقيقة فشل جولات التفاوض الست، وبعيداً عن كل الجدل حول شرعية من يمثلون وفد المعارضة، وكيفية اختيارهم، وتهميش بعض أعضاء الوفد لمعظم أعضاء الوفد، واستئثارهم بالرأي والإدارة، وبعيدا عن كواليس غامضة تتسرب بين الفينة والأخرى عن لقاءات غامضة، أو تقديم وعود كاذبة، بعيداً عن كل هذا، لا بدّ من مواجهة السؤال الأهم وهو:

  • ماذا يمكن أن تقدم هذه اللجنة من خدمة للسوريين ولسوريا، وكيف يمكنها أن تصل لنتائج حقيقية (على افتراض أنها وصلت) يمكن تنفيذها على الأرض، وهل هي فعلاً تخدم قضية السوريين، أم تخدم استحكام نظام الأسد ومن خلفه روسيا وإيران على كامل الملف السوري، وبالتالي إنهاء التفاوض كله، والإبقاء على الوضع الراهن؟

ربما يعجز أي باحث في التاريخ عن إيجاد عملية تفاوض تشبه أو تقارب في وقائعها مجريات التفاوض الحالية في اللجنة الدستورية، فالطرف الذي أرسله النظام كممثل له لا يعترف به النظام نفسه، وهو أعلن مراراً أنه غير ملزم بأي قرارات يتوصل لها، ويمكنه في أي لحظة أن ينسف العملية كلها، وأن يعيدها إلى بداياتها، فلماذا إذا تستمر عملية كهذه، ولماذا يستمر بها طرفاها؟

ثمة ماهو أمرُّ من هذا، وهو أن النظام حدد مسبقاً وبما يتنافى مع عملية التفاوض برمتها، أن مجمل هذه العملية إنّما تتم أصلاً على أرضية الدستور الذي وضعه النظام سنة 2012م، وأن ما هو مطروح للنقاش هي بضع نقاط لا تلامس أبداً حقيقة ما تحتاجه سوريا، وما طالب به السوريون منذ أن أطلقوا ثورتهم في آذار 2011م، وأن وقت بحث هذه النقاط ليس الآن، ومن يقررها هو الشعب السوري لاحقاً.

إذا – مرة أخرى - لماذا تستمر هذه المهزلة، ومن هو المستفيد منها، ولماذا تطول مسرحيتها فصلاً بعد آخر؟.

بوضوح شديد، ليس لهذه المسرحية العبثية المسماة "اللجنة الدستورية" أي هدف يخدم الشعب السوري، بغض النظر عن الموقف السياسي لأفراد هذا الشعب، وأقصد بهذا كل السوريين بما فيهم أولئك المصنفون اعتباطاً أنهم موالون للنظام، لأنهم فقط في مناطق سيطرته، فما يجري هو تمديد الوقت حتى يتمكن النظام ومن يقف وراءه من تعزيز سيطرتهم على الأرض، ليعلنوا عندها عن انتهاء عمل هذه اللجنة.

إن إيقاف عمل اللجنة الدستورية، واستعادة الوجه الحقيقي للصراع الدائر في سوريا، والذي هو بكل وضوح، صراع بين شعب يريد ككل شعوب الأرض أن يمتلك قراره وثرواته ومشروع تطوره، وأن يحقق عيشا حراً لأبنائه، وبين طغمة فاسدة مجرمة تسلبه كل حقوقه، وتنهبه، وتدمر إمكانات بقائه، هو ما يجب أن يتركز جهد السوريين كلهم عليه، وسيدفع السوريون جميعا ثمن استعادة النظام لقدرته على الاستمرار بحكم سوريا، وسيكون الرابح الوحيد هي الأطراف الدولية التي ستتقاسم مناطق النفوذ، وتتقاسم سوريا.

ليس هناك أي عذر، أو مبرر لأي سوري يعمل فعلاً من أجل سوريا، أن يشارك في هذه اللجنة، أو أن يدعم استمرارها، وهنا لا بدّ من تحميل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة مسؤوليته الكاملة في استمرار مسرحية العبث هذه، والتي دفع ويدفع الشعب السوري ثمنها باهظاً، فهو من يفترض به أن يكون مرجعية وفد المعارضة، والسلطة العليا عليه.

إن العمل الحقيقي الذي يجب أن تنصب جهود السوريين عليه في هذه المرحلة، هو قلب الطاولة في وجه من يخططون لرسم مستقبل سوريا وفق مصالحهم، مستغلين هوس حلقة النظام بالسلطة، وضاربين بعرض الحائط مصالح السوريين، وحقوقهم ومستقبلهم، ومستقبل أجيالهم ووطنهم، وإن الذريعة التي يتحجج بها بعض السوريين سواء في الائتلاف أو في وفد المعارضة للجنة الدستورية، من أن العجز هو الذي يفرض عليهم هامشاً ضيقاً من الحركة، وأنه ليس بإمكانهم فعل أي شيء، هو ذريعة باطلة، فمن يتغاضى عن السعي الحثيث لإضعاف المعارضة، ونزع أوراق قوتها، وإلحاقها كتابع ضعيف لهذا الطرف أو ذاك، ومن لم يحاول أبداً تعزيز قدراته وبناء مؤسساته الوطنية، سواء في المناطق التي هي خارج سيطرة النظام، أو في شتات العالم، هو يسهم بوضوح في إعادة تمكين النظام، وإعادته مرة أخرى للإمساك بالشأن السوري.

لم يعد لأحد في سوريا مصلحة في وجود وفد باسم المعارضة السورية، داخل اللجنة الدستورية إلا النظام، فهو من يمنحه الوقت والذريعة والمبرر

ما أخشاه هو أن يمضي السيناريو المهزلة إلى نهايته، وكما فعل نظام الأسد "الرافض" لإسرائيل عندما انفجرت الثورة السورية، فأسرع للاستغاثة بها لكي تحميه، أن يقوم أعضاء اللجنة الدستورية "الرافضين" لحكم الأسد، للاستغاثة به لحمايتهم من السوريين الرافضين لهم.

لم يعد لأحد في سوريا مصلحة في وجود وفد باسم المعارضة السورية، داخل اللجنة الدستورية إلا النظام، فهو من يمنحه الوقت والذريعة والمبرر، وهو من يوهم السوريين والعالم أن ثمة حوارا، وأن هناك أفقا لهذه المهزلة المسماة "عملية تفاوضية".

ما يجري ليس تفاوضاً، ولا هو فرصة لاستعادة السوريين لتنظيم أنفسهم كي يقرروا فيما يخص وطنهم ومستقبلهم، إنه باختصار إحكام الخناق على الشعب السوري، كي يرغم على الاستسلام، وكي يعود مرغما لبيت الطاعة، الذي تحكمه عصابة الإجرام الأسدية.