وسوريا أيضاً..لا أحد

2021.05.22 | 05:41 دمشق

1036771482_0_81_1280_774_1000x541_80_0_0_fe52c42cc562dae39061801d50bf3859.jpg
+A
حجم الخط
-A

اليوم تحاول غزة أن تستبدل بالدم والخراب بعض الأمل والزغاريد، كما لو أنها عثرت على روحها بين أكوام الأنقاض التي ما زالت تُنتشل منها أجساد الشهداء، وأما المقدسيون فلهم حصة من هذه القيامة الجديدة، فتوجهوا إلى مسجدهم الأقصى في تعبير بسيط يقول: إننا هنا أيضاً، نمارس هذا الخروج إلى ساحات صلاتنا وبقائنا.

من حق كل فلسطيني أن يخرج اليوم من بيته الصغير إلى بيته الأكبر، حيث يمكنه الصلاة هنا، والصراخ هناك، والبكاء فرحاً، واستذكار الضحايا ممن أكلت أرواحهم الصواريخ والقذائف، وإيصال صورة المكان الحي لكل العالم، الذي ما زال يداعب رأس إسرائيل المدلل، ومن بينهم أعراب قالوا في خطابات تضامنهم مع الضحية إنهم يشفقون على سكان المستوطنات، ويرون في التعايش والتطبيع مع الصهاينة مستقبلاً لتلك الأرض المقدسة.

أقسى من هذا الموت هو مشاهد المتدافعين في بيروت وبعض العواصم لانتخابات تمدد أعوام الصراع

في السياق نفسه، حيث تحكم الصراعات مصائر سكان هذا الشرق الممسوس بالدم، يجد السوريون أنفسهم في مأزق أعقد، وبلا أمل في إعلان خروجهم الكبير من بيت طاعة البعث إلى فضاء الحرية التي حلموا بها، ويهمسون أن من حقهم أيضاً أن ينالوا اليسير مقابل شلال الدم الذي أراقوه في الشوارع باحثين عن مكان يعودون إليه، ولو للصلاة على من فقدوا.. لكنها صيحة (لا أحد) التي قالها محمود درويش ذات يوم عندما تركت صبرا وشاتيلا للموت الكبير.

أقسى من هذا الموت هو مشاهد المتدافعين في بيروت وبعض العواصم لانتخابات تمدد أعوام الصراع، وتنكأ جراح الحالمين بالتغيير، وتجدد لسلطة اللاأمل ممن يعيشون بلا أمل، وهنا يخرج سؤال المنكوبين، لماذا هذا الإصرار على الذل وامتهان الكرامة؟ وماذا تريدون من التمسح بحذاء القاتل إلى آخرنا؟ لماذا تطيلون ليل هذه البلاد الباكية؟.

ولأن هذه اللحظات تسمح للأسئلة الساذجة بالعودة إلى المشهد.. لماذا يسرع العالم بأسره إلى التهدئة في فلسطين؟ بينما ترك السوريون منذ عشر سنوات تحت سطوة النار، ولماذا لم يبذل العرب ربع ما بذلوه من وقتهم لوقف المجازر في الشام أسوة بما فعلوه؟ إلا أنها إسرائيل التي يرى فيها العالم حاضرة الشرق الجديد، أم لأن السوريين.. لا أحد؟.

يجيب متشائم سوري بأن السؤال الأهم في هذه اللحظات بالضبط.. لماذا نحمّل العالم والعرب مسؤولية ما حصل لنا؟ ألسنا نحن من نشد الحبل على أعناقنا؟ أليست مشاهد العرس الوطني في دمشق وسفارات النظام دليل كبير على أننا نحن من نطيل هذا الغياب الطوعي لذاتنا وهويتنا ومصيرنا؟ ألا يعطي شركاؤنا في الوطن الذريعة للقاتل بأن يعيد استلال سكينه مرة أخرى لإكمال جريمته وكأنها حق مشروع؟

مفجع هذا المصير السوري الذي يكتبه الشركاء قبل الأعداء، السفلة والانتهازيون والمارقون وغاوو العبودية

تدعو امرأة مفجوعة في سرها وعلنها من يخرجون اليوم لتجديد البيعة ورخصة القتل إلى مقارنة بسيطة بين صورة الإسرائيلي الذي يبلغ الفلسطيني بموعد موته بالقصف وبين تلك البراميل العمياء التي يلقيها ضباط جيش الأسد على البيوت والأفران وأسواق الخضراوات في ذروة التسوق.. وتسأل: هل هذا العماء سوري المنشأ.. أليست لكم عيون وعقول.. ألسنا منكم؟.

مفجع هذا المصير السوري الذي يكتبه الشركاء قبل الأعداء، السفلة والانتهازيون والمارقون وغاوو العبودية، وأولئك المنتفعون في شتات العالم، وحاملوا رايات المعارضة برؤوسهم التي تنحني لأموال الممولين، ومعهم أولئك الذين اطمأنوا لأمان الغربة المؤقت، ويعتقدون أنها ملاذ آمن نهائي.. أما الهوية فثمة من لا يشتريها بكلمة حق.

في هذه الفسحة بعد كل كبوة ودمار تعود الأسئلة المكررة في معنى أن تكون الأوطان، حيث يأمن الإنسان على رأسه لكنها لا تقف هنا بل في معنى أن يكون الرأس موجوداً بعيونه المحدقة المتحدية، وعلى السوريين في الداخل والخارج أن يفهموا أن لا وطن لهم برأس مطرق من ذل السلطة أو وهم النجاة.