وباء الكورونا: بين الحل الإسعافي وفهم الأسباب

2020.04.08 | 00:00 دمشق

photo_2020-04-07_22-42-16.jpg
+A
حجم الخط
-A

على هامش انتشار الأحاديث والتحليلات والاستنتاجات غير العلمية والقريبة من الخزعبلات والإشاعات والتكهنات الطريفة في وسائل التواصل الاجتماعي كما في العديد من وسائل الإعلام العربية خصوصاً، وعلى هامش الكذب والخداع اللذين تمارسهما أجهزة صحية حكومية في كثير من الدول العربية لتنفي الحقائق وتشوه المعطيات وتزوّر في الأرقام، ظنا منها ومن مخططيها بأن نفي الانتشار المحلي لوباء يودي بحيوات الآلاف حول العالم سيعود بالحمد والشكر على قائدها المستبد أو / والفاسد أو / وغير الكفء، يعكف العلماء في عدد من الدول المتقدمة على العمل ليلاً نهاراً في سعي لإيجاد الترياق المناسب لوباء اكتسح العالم.

امتداد العمران واقتلاع الغابات واستغلال باطن الأرض بطريقة مركّزة، تؤدي باجتماعها حتماً إلى التفاعل غير الإيجابي بين الجنس البشري والعالم الحيواني.

البحث العلمي المكثّف في هذا الاتجاه الحيوي والإسعافي للغاية، لم يمنع علماء آخرين، وكل في اختصاصه، من التوقف مليّاً أمام العوامل التي ساعدت على انبعاث هذا الفيروس وانتشاره. وفي هذا العمل، لا يسعى الباحثون إلى إدانة الماضي وممارساته فقط، بل إلى استخلاص الدروس المناسبة لتفادي الوقوع بشكل متكرر في نفس الفخ الصحي المميت. وقد تبين أن هناك إجماعا عالميا غير مؤدلج يُركّز على عاملين اثنين في تحفيز انتشار الوباء وهما التلوث البيئي وما ينجم عنه من احتباس حراري إضافة الى عمليات التصحير واقتلاع الغابات لغايات زراعية أو صناعية أو سياحية، وبالتالي إصابة التوازن الطبيعي باختلالات ومزج العالم البشري بعوالم غير مكتشفة بعد في جوانبها المرضية.

إن انتشار فيروس الكورونا، وهو القادم من عالم الحيوان، بين البشر صار أمراً ممكناً بسبب طرق الحياة الحديثة، فامتداد العمران واقتلاع الغابات واستغلال باطن الأرض بطريقة مركّزة، تؤدي باجتماعها حتماً إلى التفاعل غير الإيجابي بين الجنس البشري والعالم الحيواني حيث يستثمر الإنسان أراضين استوطنها الحيوان منذ القدم وأسس فيها لسلسة من الأمراض والفيروسات الغريبة عن الجنس البشري. وقد توصل برنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة 2016 بأن انتشار فيروسات الإيبولا، الزيكت والنيباه، مرتبط بشكل مباشر بعملية اقتلاع الغابات. ومع الاحتباس الحراري، لم يعد مرض الإنفلونزا موسمياً في بعض المناطق الجغرافية من العالم. والانتظام البيئي، المرتبط مباشرة بانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري والناجمة عن النشاط الإنساني، هو سبب يُضاعف من التهديدات.

لقد صار من شبه المؤكد علمياً بأنه، مناخياً، سيكون هناك ما قبل الكورونا وما بعدها في مختلف أنحاء العالم. فمن خلال ملاحظة تراجع النشاط الصناعي بسبب الحجر الصحي، يبدو للعلماء بأن وباء الكورونا يُخفّض أيضاً من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري كما للتلوث المناخي. ويمكن بالتالي اعتبار هذا الانخفاض كإحدى النتائج الإيجابية النادرة لانتشار هذا الوباء كونياً. وتبدو هذه الظاهرة واضحة جدا في الصين، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية لوكالة الناسا الأميركية الملتقطة للسماء الصينية انخفاضا ملموساً للتلوّث الذي اشتهرت به المدن الصينية الكبرى. وقد ربط الباحثون هذه الظاهرة بالانخفاض الكبير في النشاط الاقتصادي الذي أدى اليه الحجر الصحي والعزل الاجتماعي الناجم عن الوباء. وقد دفع هذا التراجع الواضح لنسبة التلوث وانتشار الجسيمات الدقيقة في الهواء ببعض العلماء البيئيين للقول بأنه قد أنقذ من الناس عدداً أكبر مقارنة مع الضحايا التي سببها الفيروس نفسه.

 إن التلوث عموماً، وخصوصاً بالجسيمات الدقيقة، يساعد على انتقال الفيروسات ودخولها للجسم البشري كما ولو أنها حصان طروادة.

ومن جهة أخرى، تعتبر الوكالة الأوروبية للبيئة أن المصانع كما الآليات تبعث في الجو ديوكسيد الآزوت الذي يتسبب بوفاة 68 ألف مواطن أوروبي سنوياً في دول الاتحاد. فالتلوث في سماء المناطق الصناعية في الصين، يُقابله تلوث أقل كثافة ولكن يحمل نفس الخطورة في مناطق صناعية أوروبية كمنطقة ميلانو مثلاً حيث انتشر الكورونا بشكل قوي للغاية. وبالتالي، فمن المتوقع أن انخفاض النشاط الصناعي كما النقل الجوي سيؤديان في أشهر الكساد الاقتصادي المقبلة بعد تجاوز مرحلة انتشار الوباء إلى انخفاض ملحوظ في نسبة التلوث البيئي وبالتالي في عدد الضحايا الذي ينجم عنه. وعلى العكس، وكما حصل بعد الأزمة المالية سنة 2008، يمكن أن تؤدي كثافة النشاط الاقتصادي التي ستسعى للتعويض عن مرحلة التوقف، إلى ارتكاب انتهاكات عديدة وغير محسوبة للبيئة وانعدام الحذر المبرمج وذلك من خلال تعزيز اللجوء الى الفحم لتشغيل مصانع الصين كما إلى الوقود الأحفوري في صناعات الدول الغربية، وكلاهما من أهم مسببات التلوث البيئي المميت. يُضاف إلى هذا الخطر المحتمل، تراجع الدول المتقدمة، في مرحلة إعادة تفعيل عجلة الاقتصاد العالمي، عن الاستثمار في مسارات السعي إلى استخدام مصادر الطاقة البديلة النظيفة.

 إن التلوث عموماً، وخصوصاً بالجسيمات الدقيقة، يساعد على انتقال الفيروسات ودخولها للجسم البشري كما ولو أنها حصان طروادة. ويتسبب هذا النوع من التلوث في وفاة 48 ألف إنسان في فرنسا وحدها سنوياً. وتجدر الإشارة مجدداً الى أن الصين، حيث هناك كذب وغموض فيما يتعلق بأعداد الضحايا والمصابين، كما شمال إيطاليا، حيث الأعداد هائلة وصادمة للأسف الشديد، هما منطقتان معروفتان بتسجيل نسب تلوث مرتفعة مرتبطة بالنشاط الاقتصادي. وللخروج من عنق الزجاجة، من المناسب التفكير في حلول بديلة ومستدامة.  

يوما ما قال أحدهم أنه يجب تحويل الأزمة إلى فرصة، ولقد حانت.

 

كلمات مفتاحية