واشنطن تتحفظ على "إيست ميد"… تركيا الرابح الأكبر

2022.01.20 | 05:38 دمشق

f9c8c124-19e0-4c35-90c1-e81c5689c532.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تحولات كبرى تنتظرها منطقة الشرق الأوسط في العام 2022. هي لا تنحصر في الوصول إلى الاتفاق النووي الإيراني، إنما ثمة تحولات ستشهدها المنطقة برمّتها. سنة 2023 ستكون تركية بامتياز، ففيها تتحرر أنقرة من كل بنود اتفاقية فيينا التي أُبرمت في العام 1923. على وقع المفاوضات النووية مع إيران، والتقدم الذي تسعى طهران لتحقيقه على صعيد رفع العقوبات، وهو حتماً سيكون مرتبطاً بالتفاوض على الوضع الإقليمي ونفوذ إيران في المنطقة. نفوذ تحتاج واشنطن وتل أبيب وموسكو إلى ضبطه وتقليم اتساعاته.

تشهد المنطقة حالياً جملة تطورات هامة. أولها حصول تقدم في مسار مفاوضات فيينا. ثانيها إحراز التحالف العربي تقدماً عسكرياً على الأرض في اليمن. وهذه كلها تنعكس على وضع الساحات العربية ككل. الإيجابية التي أحرزت في مفاوضات فيينا، انعكست سريعاً على الوضع في لبنان، تمثل بتراجع حزب الله عن مقاطعته للحكومة، وهذه لها أهداف خارجية وداخلية، الهدف الخارجي، يرتبط بتراجع أوحت به إيران لصالح تجديد مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، مع تمرير الغاز المصري إلى لبنان. وهنا تكون إيران قد حققت تقدماً في الخارج، بينما قدمت تراجعاً في الداخل اللبناني، وهو تراجع معطوف على تراجع في اليمن أيضاً.

في موازاة مفاوضات فيينا، ثمة استعداد لإعادة إحياء التفاوض السعودي الإيراني في بغداد، على وقع المساعي للوصول إلى تفاهم عراقي على تشكيل الحكومة الجديدة. سوريا ليست بعيدة عن كل هذه التطورات، فهي تعيش وقائع مستجدة ترتبط بالوجود الإيراني في ظل الإصرار الإسرائيلي على تحجيم نفوذ إيران، وحصول انسحابات إيرانية ولميليشيات تابعة لها من سوريا، وقد حصلت عمليات إعادة تموضع مؤخراً، وجرى نقاش حول الوصول إلى المزيد منها خلال اتصال هاتفي أجري بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي.

وما ينعكس على الساحة السورية هي التطورات المرتبطة بإيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية، إلى لبنان عبر الأراضي السورية، مع تحصيل إعفاءات من عقوبات قانون قيصر، بشكل يراهن عليه النظام السوري للاستفادة مالياً وطاقوياً وسياسياً. لكن ذلك دونه عقبات أميركية كثيرة، أولها رفض الكونغرس لأي استثناءات من عقوبات قيصر، خاصة أن دمشق تبرم اتفاقية مع الصين ضمن مبادرة حزام وطريق وهذا أمر سيستفز الأميركيين إلى أقصى الحدود، وبالتالي فإن مشروع الإعفاءات من العقوبات لن يمر في الكونغرس.

التحفظات التي أبدتها الإدارة الأميركية على مشروع إيست ميد، لأسباب عديدة مالية وسياسية من شأنها إثارة التوترات أكثر في البحر الأبيض المتوسط. وهذا بحد ذاته سينعكس إيجاباً على وضع تركيا

كل ذلك لا ينفصل عن ملفات الطاقة والنفط والغاز في المنطقة، ما سيؤدي إلى توسيع هامش الصراع على النفوذ بين الدول والقوى الإقليمية. هنا سيبرز دور تركي متوسع أكثر فأكثر مع اقتراب سنة 2023. حققت تركياً تقدماً واسعاً في ساحات متعددة، من أفغانستان إلى إعادة إحياء منظومة الدول التركية، إلى أذربيجان وكازاخستان، ربطاً أيضاً بالاتفاق الذي وقعته أنقرة مع طرابلس الغرب، حول النفط في البحر الأبيض المتوسط. وهذا فرض تركيا لاعباً أساسياً في المنطقة وفي إعادة رسم خطوط النفط والغاز والمشاركة في عمليات التنقيب والاستجرار.

وآخر التطورات في هذه الملفات هو ما كشفته الصحف اليونانية الأسبوع الفائت، حول التحفظات التي أبدتها الإدارة الأميركية على مشروع إيست ميد، لأسباب عديدة مالية وسياسية من شأنها إثارة التوترات أكثر في البحر الأبيض المتوسط. وهذا بحد ذاته سينعكس إيجاباً على وضع تركيا في المنطقة ككل، وذلك لا ينفصل عن المسار السياسي الجديد الذي تنتهجه أنقرة مع دول الخليج، ومصر ومع إسرائيل أيضاً، خاصة أن تركيا تمثل الاتجاه الأفضل بالنسبة لإسرائيل في مسار عمليات نقل الغاز إلى أوروبا لأن أنابيبها جاهزة، فيما أي مشروع لإنشاء أنابيب جديدة سيكون مكلفاً للغاية وسيحتاج إلى وقت طويل. وفي السابق كانت إسرائيل تؤكد أن الغاز الإسرائيلي لا يمكن بيعه إلى أوروبا إلا عبر تركيا. وهو اتفاق كان قابلاً للتطبيق في العام 2016 لكنه أجهض لأسباب سياسية واستراتيجية، هذا المشروع يرتبط بمسار واضح للربط الطاقوي بين شرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، لكنه أمر سيؤدي إلى استفزاز موسكو التي ستجد نفسها متضررة من هذه المشاريع.