هيكلية الإدارة الذاتية بين التجديد الجذري أوالشكلي

2020.07.11 | 00:19 دمشق

aladart-aldhatyt.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتجسد واقعية أيَّ منظومة إدارية عبر إخضاعها لسير محتم للمنطق القائم على الرضا الشعبي؛ كمحدد شرعي ورسمي لشرعنة أيَّ هيئة - إدارة - دولة، لا أن تتحول لجهة تقييم عملها وتتقمص دور الأبطال، ولا يمكن لعلم الإدارة أن ينقطع تطبيقياً أو يتوقف، حسب الضواغط التي تشهدها جغرافية ما. ففن الإدارة الحقيقي يتجسد بعمق أيام المحن والحروب والكوارث والخراب، حين تطفوا على السطح نوعية البشر وعقلياتهم ما بين الإجرام والفساد والهدم، أو الوطنية والعمل والبناء. وفق المعادلة هذه، وبعد 6 سنوات يحق لنا السؤال حول وجود أفكار للإدارة الذاتية القابلة للنمو والتحول، من عدمها.

من جهة تالية، وكنتيجة طبيعية للتغيرات المصاحبة لعقدٍ من الحرب في سوريا، ما عاد الجيل الجديد في عموم مناطق سيطرة الإدارة الذاتية – كحال كُل سوريا - الذي كبر على وقع أصوات المدافع ورحىَّ الحرب ومظاهر الدمار والدماء، لن يصدق الأوهام  لتي تُباع لهم في أسواق الخداع والزيف الحزبي أو الإداري والسياسي، بل إن جلّ ذلك الخطاب الدعائي إنما يتحول إلى محفزات عكسية لردات فعل قوية تسعى لتعرية مصدر الوعود الكاذبة والخطابات السخيفة حول التضحية والبطولة. فموروثات الجيل الجديد غيرها بالمطلق عما سبقتها من أجيال، خاصة وأن الشباب اليوم يحملون قوة تفوق قوة الوقائع، فالظلم والحرمان وفقدان الحياة هي ما تقود التاريخ والمستقبل معاً. فهذا الجيل وإن كان متسرعاً وراغباً بالوصول بسرعة، لكنه يحمل فضيلة "العدوى الذهنية" الناجمة عن الإجرائية الدعائية الحديثة، يقابله عجز الإدارة الذاتية ولأكثر من نصف عقدٍ عن فهم مجرى تطور المجتمع الذي حكمه بالحديد والنار، ثم بالترغيب والترهيب، وحالياً بالتجويع والتركيع. ففي منطقة تحتوي على مئات الآلاف من الهكتارات المزروعة بأهم محصول استراتيجي كالقمح، يحتار الناسُ في كيفية تأمين بضع أرغفةٍ من الخُبز، ومع مئات آبار النفط، يُحتكر بيع المازوت والبنزين بأسعار خيالية تفوق سعرها في محافظات تسعى للحصول على الوقود من مناطق الإدارة الذاتية، كدمشق على سبيل المثال، مع حيرة الأهالي في تأمين جرة غازٍ مع الإنتاجية الغزيرة لمعمل الغاز اليومي والشهري، ولنا في فترة الحظر بسبب كورونا وإغلاق جميع المطاعم والمقاهي والأماكن العامة، واستمرار أزمة الغاز، خير دليل على ضرورة معرفة أين يختفي الغاز؟

أخطر ما ينتظر الكُرد، هي قضية المناهج المدرسية، فالآلاف من مُكتسبي مناهج الإدارة الذاتية ووصلوا إلى الصف الثالث الثانوي لا يجيدون التحدث باللغة العربية

تتهم الإدارة الذاتية فصائل المعارضة السورية المسيطرة على رأس العين بمنع محطة علوك هناك من العمل، وهي المحطة الوحيدة المسؤولة عن تغذية الحسكة وريفها الغربي، إضافة إلى تل تمر وقراها بنحو 175 ألف متر مكعب من مياه الشرب يوميا. وأن تركيا تتسبب بانخفاض منسوب المياه في سدي تشرين والطبقة. وهذا من حيث المبدأ والسبب صحيح، لكن من حيث العقل الإداري والتحليلي هو ليس فقط بقول كارثي، إنما يعبر عن حجم الغباء والبلادة العقلية في استطرادها بالشعب.
فبعد أكثر من 6 سنوات لسيطرة الإدارة الذاتية على مقدرات المنطقة، وإنشاء مئات المؤسسات الفاعلة منها والوهمية والشكلية، لم تتنازل لإنشاء هيئة فعالة للتخطيط الاستراتيجي. فعلاقة الاتحاد الديمقراطي بالعمال الكُردستاني ليست لا سراً ولا شيئاً جديداً، الأخير في حالة صراع وحرب منذ قرابة 40 عاماً، والاتحاد الديمقراطي صرح منذ بدايات سيطرته على الشارع الكُردي إبان المظاهرات، وحتى اليوم، أن تُركيا تمثل العدو الأول لهم. وفق ذلك، ماذا تفعل كمية مراكز الأبحاث والدراسات التي شكلتها الإدارة الذاتية، وما وظيفة قيادات الحزب والإدارة الذاتية، ألم يخطر لهم أن الماء أخطر وأسهل ورقة ضغط تُركية على المنطقة، ووفق حالة العداء التاريخية التي تتحدث عنها أدبيات الأطراف المذكورة، هل اعتقدوا أن تركيا ستمدهم بماءٍ من ذهب. العشرات إن لم يكن المئات، من القارئين الجيدين للمشهد السياسي، والعلاقات الناشئة بين مراكز القوة الفاعلة في الحدث السوري مع العمق الشعبي، بذلوا المستحيل لإقناع الإدارة الذاتية، بأن الماء هو السلاح الأقوى لتركيا والمعارضة السورية ضد الإدارة الذاتية وما يستجلب من ضرر مباشر على المجتمع المحلي، لكن الغرور تارةً، وجملة من إشارات الاستفهام تارةً أخرى تُطرح دون إيجاد جواب شاف لها.  فأين تذهب ملايين الدولارات الأسبوعية التي تحصدها الإدارة الذاتية، طالما أنها لم تشترِ عنفة كهرباء، ولم ترمم العنفات المهترئة، ولم يدر في بالها حفر الآبار لسد المشكلة، خاصة وأن تداعيات نقص المياه عن السدود سيؤدي إلى كارثة أخرى تتجسد بالانعكاس السلبي على اقتصاد المنطقة وشح مياه الشرب وتضرر المحاصيل الزراعية، حينها يكون أعمق سؤال يواجه الإدارة الذاتية: ماذا خططت للأمن الغذائي طيلة الأعوام الماضية؟

هذا التصلب هو عمق السبب الرئيسي لسقوط جميع الحكومات المشابهة، وإن كان المهم ليس إسقاط الإدارة الذاتية؛ خشية إمكانية فرض روسيا على سبيل المثال جهات تُناصب تطلعات السوريين العداء والشر. إنما المطلوب مشاركة حقيقية للمكونات الرئيسية في المنطقة، والمؤمنة بالديمقراطية والتعددية وسوريا جديدة من /سريان، آشوريين، كُرد، عرب/ والاهتمام بمئات الملفات العالقة سواء العلاقات الخارجية مع دول الجوار، والمعارضة والعمق العربي في سوريا، وعلى رأس الأولويات إسقاط رموز الفساد والسرقة والنهب، التي أبدعت بتجويع القاطنين في هذه الرقعة الجغرافية، وإسناد الإدارة إلى هويّات سورية بحتّة.

 يتوجه كُرد سوريا صوب البدء بالمرحلة الثانية من الحوار الكُردي  الداخلي، مرحلةٌ تستوجب إلحاقها بمرحلة الانفتاح على باقي المكونات ومشاركتها، خاصة وأننا لازلنا ضمن دائرة المجتمعات المتحولة وغير المستقرة، وبشكل أدق مجتمعات ما بعد الصراع والحرب، فإن من مؤشرات ديمقراطية أي جسد سياسي إنما يتجسد عبر نوعية المناصب المسندة إلى الأطراف الفاعلة، وليس بخافٍ على أحد أن جميع المناصب الرئيسية والفاعلة وصاحبة القرار إنما بيد الاتحاد الديمقراطي فحسب، أو في أعلى صوره متجسدة بالرئاسة المشتركة، كما أن فشل الإدارة الذاتية في الجانب الاقتصادي ألقى بظلاله على حياة الناس العامة، فلا حالة اقتصادية خارج توظيف الآلاف برواتب زهيدة حتى بعد الزيادة، وهي رواتب تتعرض لابتزاز نتائج عقوبات قانون قيصر. وفي فترة ما من عمر الإدارة الذاتية شهدت صعوداً على مؤشرات العمل الميداني، لكنه امتاز بالصعود الشديد البطء، وفقد التأثير المجتمعي المطلوب، وسرعان ما شهد انحدارا صاروخياً في مختلف بناها على الصعد الميدانية والسياسية والعسكرية والخدمية وهذه الأخيرة تُصنف ضمن الزخرفة الدعائية لتضخيم هالة العمل لديهم.

وأخطر ما ينتظر الكُرد، هي قضية المناهج المدرسية، فالآلاف من مُكتسبي مناهج الإدارة الذاتية ووصلوا إلى الصف الثالث الثانوي لا يجيدون التحدث باللغة العربية، ويقابله عشرات الآلاف من الطلبة الكُرد ضمن مدارس النظام يلقون صعوبة في التأقلم مع مناهج الإدارة لأسباب مركبة منها تباين إتقان اللغة بين الفريقين، وفقدان أسس التعليم بسبب الاكتظاظ الشديد ضمن الصفوف، عدا عن اختلاف المنهاجين جملة وتفصيلاً. ولعلها ستكون أخطر وأشد حساسية من الملف العسكري نفسه، الذي يسعى الكُرد إلى حله كجزء من سلة الحل الواحدة.

أول خطوة في علم الإدارة الحديثة، هو الكف عن ممارسة الأساليب القديمة والتي تجزأت أو تضررت شرائح مجتمعية بموجبها

أول خطوة في علم الإدارة الحديثة، هو الكف عن ممارسة الأساليب القديمة والتي تجزأت أو تضررت شرائح مجتمعية بموجبها، وإعادة الهيكلية الكاملة يُمكن أن تُسمى /الثورة التي لا بد منها/ خاصة وأن كُل شيء تغير وطرأ عليه تغيرات، ولن يكفيها خطوات ترميمية أو تضمينات جديدة. بل بحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية في أسلوب العمل، ووجود مؤسسة خاصة مهمتها الاستمرار في التفكير لإجراء التغيرات اللازمة بشكل مستمر للحصول على التنمية المستدامة. بل حتى بعد الانتهاء من الإجراءات المطلوبة واللازمة لإعادة الهيكلية والتي يتجسد جوهر التغيير في القطيعة التامة مع الهيكلية القديمة، ونمطية التعامل مع المكونات، خاصة المعارضة لسياسات الإدارة الذاتية، والتخلي عن نمطية الأنشطة السياسية والثقافية، وعلى رأسها التظاهرات لمواضيع عابرة للحدود الجغرافية.

 لابد دوماً من تفضيل العلاج الجذري على أساليب معالجة أخرى أقل ألماً لجهات حزبية، ترغب بإحداث إصلاحات أقل جذرية وتتجه صوب الشكلية، وهو ما تفضله التنظيمات والأحزاب التي ستتضرر من أي جديد. فالتحول المطلوب شعبياً، هو إعادة الهيكلة من الأسفل للأعلى، وللإدارة برمتها، حيث لا مبادئ أو أسس أو تشكيلات إدارية، تستثنى من التغيير والهيكلة الجديدة؛ فلسنا أمام إجراءات طارئة أو حلول مؤقتة لتحسين جوانب معتمة أو محددة ضمن الإدارة.

وفي عودة إلى قضية الحوار الكُردي، تقتضي البروتوكولات أن تكون خطوات حسن النية هي القيمة الأخلاقية للمضي في الحوارات، فيما نجد أن الإدارة الذاتية ماضية في فرض مناهجها- مع تأكيدي على عمق أهمية اللغة الكُردية- وسحب الشباب للتجنيد الإلزامي. وزيادة حالات خطف الأطفال لإلحاقهم بالجانب العسكري، وهو ما يسبب ضواغط ومشكلات للحوار نفسه.

 

كلمات مفتاحية