هل ينجو الأردنُ من براثن نظام إيران؟

2023.01.19 | 06:18 دمشق

هل ينجو الأردنُ من براثن نظام إيران؟
+A
حجم الخط
-A

كان الملكُ الأردنيُّ عبد الله الثاني من أوائل المتنبّهين لخطر التمدد الإيراني في المنطقة العربية، فقد حذّر مبكراً جداً بعد احتلال العراق من هلالٍ شيعي بات وشيك التكوّن آنذاك. والآن، وبعد اثني عشر عاماً على بداية انتفاضات الربيع العربي، يجدُ الأردنّ نفسه في عين العاصفة، فقد باتت قوّات الحرس الثوري الإيراني وقوّات حزب الله اللبناني على مرمى حجرٍ من حدوه الشمالية. لقد كان خطأً تاريخياً ذلك القرار الذي اتخذته القيادة السياسية الأردنية عندما وافقت على تنفيذ مُخرجات الاتفاق الأميركي الروسي بشأن الجنوب السوري، فرغم التعهّدات المُثبتة باجتماع رؤساء مكاتب الأمن القومي الثلاثة (الأميركي، الروسي والإسرائيلي) في تل أبيب، لم تستطع روسيا، أو بالأحرى لم تشأ أن تنفّذ ما تعهّدت به من إبعاد الإيرانيين وميليشياتهم عن حدود الأردن وإسرائيل.

ألا يعرفُ قادة الأجهزة الأمنية أنّ كلمة حاجّ هي بالعرف الإيراني رتبةٌ عسكرية تُمنح للقادة الميدانيين من ضبّاط الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني؟

لا يقتصر النشاطُ التخريبي الإيراني العابر من الجنوب السوري نحو الأردن على تهريب المخدرات، وواهمٌ من يظنُّ أنّ إيران لا تنوي غزو هذا البلد مستقبلاً. لقد أحصى ثوارٌ سوريّون من بقايا القوى المحليّة العسكرية والأمنيّة أيام ما كان يُطلق عليه تسميةُ (الجبهة الجنوبية)، ممن مازالوا ثابتين في مناطقهم، أحصوا مئات المستودعات المليئة بالأسلحة المُعدّة للتهريب إلى داخل أراضي المملكة، وهم يعرفونها بطبيعة الحال باعتبار المنطقة كلّها كانت خاضعة لسيطرتهم قبل تسليمها لقوات النظام صيف العام 2018 إنفاذاً للاتفاق المذكور أعلاه. ما يُعدُّ للأشقاء في الأردن كبيرٌ جداً وأخطرٌ من أن يغيب عن البال والخاطر، وقد تحسّست بعضَ جوانبه قوى مجتمعيّةٌ ومدنيّةٌ أردنية، فرأينا نوّاباً وزعماء عشائر ومثقفين ينددون بالتسهيلات التي تُقدّم لما يُسمّى (الحجّاج الإيرانيون) إلى مواقع دينيّة أثريّة معروفة. فهل يغيبُ عن بال الأجهزة الأمنيّة الأردنيّة ذلك، ألا يعرفُ قادة الأجهزة الأمنية أنّ كلمة حاجّ هي بالعرف الإيراني رتبةٌ عسكرية تُمنح للقادة الميدانيين من ضبّاط الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني؟ لا شكّ أنهم يعلمون ذلك، لكن ماذا فعلوا لتجنّب الموت القادم من هناك؟

إخراج الإيرانيين من سوريا عامّة ومن الجنوب خاصّة ليست مصلحة سورية فحسب، بل هي مصلحة أردنيّة وعربية أيضاً. والقادرون على القيام بذلك هم أبناء سوريا، وخاصّة أبناءُ الجنوب الذين ما خسروا معركةً خاضوها مع الحرس الثوري وحزب الله اللبناني الإرهابي أبداً خلال سنوات المواجهة السابقة، قبل السماح للروس بأخذ المنطقة. هؤلاء الشبّان الشجعان ما زالوا موجودين في مدنهم وفي قراهم، وإن بدا أنّ جزءاً منهم أخذ يفكّر بالهجرة أو بدأ بها فعلاً تحت وطأة الظروف القاسية التي يعيشونها، إلا أنّ الأرض ولاّدةٌ، والحقدُ الذي تختزنهُ صدورُ الأطفال على من أجرم بحقّهم لا يُمكن أن يزول، بل هو نارٌ مضطرمةٌ تنتظر لحظة الزمن المناسبة لتحرق الدنيا تحت أقدام الغزاة المارقين. فهل يستفيدُ الأشقّاءُ العرب من هذه القوى والطاقات الكامنة، أم يتفوقون على أنفسهم، كما العادة، بإضاعة الفُرص وخسارة الممكنات؟

المسيّرات التي يصدّرها الإيرانيون للروس من أجل مساعدتهم في حربهم ضدّ أوكرانيا باتت تملأ مستودعات الحرس الثوري الإيراني في حوران والسويداء، وهذه بعضها قادرٌ ليس فقط على تدمير البُنى التحتيّة كما تفعلُ في أوكرانيا، بل وعلى نقل أسلحة خفيفة عبر الحدود أيضاً. أمّا عن المرتزقة وتجّار المخدرات الذين لا ذمّة لديهم ولا ضمير، والذين تتعامل معهم قوات الحرس الثوري وقوات حزب الله على جانبيّ الحدود، فحدّث ولا حرج، فمتى يستفيق الأشقاءُ العرب؟ أم لا يكفي أن "طمى الخطبُ حتى غاصت الرُكبْ"؟ وهل بعد الخراب والدمار الذي شهدناه في العراق واليمن ولبنان وسوريا، والذي عشناه وعاشه أهل هذه البلدان من خراب؟ لا يُلدغُ المؤمن من جُحرٍ مرتين، لكننا لُدغنا ألف مرّة، فهل نحنُ كَفرةٌ، أم هو مجرّدُ عمى بصرٍ وبصيرة، وهل ثمّة فرقٌ بين التوصيفين؟

لن يقف الإيرانيون مكتوفي الأيدي، وهم الذين استثمروا أيّما استثمار في دعم هذا النظام، وها هم يبنون الآن شبكةً للدفاع الجوي خاصّة بهم، وهذا لا يقوم به إلا من يعتبر أنّ البلد صارت ملكاً له

ربّما يقولُ قائلٌ إنّ التقارب العربي التركي خطوةٌ أولى نحو تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وربما يصدقُ هذا القول. وربّما تكون الخطوات المتسارعة للمصالحة بين القيادة التركية ونظام الأسد جزءاً من حلّ شاملٍ للصراع في سوريا. لكن ما هي الضمانة بأن يسير بها نظام الأسد حتى نهايتها، أوليس من طبيعته قبول جميع المبادرات ومن ثمّ إفشالها! ألم يقم الأسد على الدوام بالمراوغة واللعب على تناقضات المصالح بين داعميه قبل خصومه للبقاء والاستمرار، ولماذا لا يكون قبوله لهذه المبادرة التركية لتوجيه رسائل للإيرانيين بأنّ لديه بدائل أيضاً! أليس من المحتومِ أن يقوم الإيرانيون بكلّ ما في وسعهم لإفشال ذلك التقارب، وقد عبّروا فعلاً عن امتعاضهم من خلق مسار جديد ومباشر غير مسار أستانا يستبعدهم من المشاركة فيه! بالتأكيد لن يقف الإيرانيون مكتوفي الأيدي، وهم الذين استثمروا أيّما استثمار في دعم هذا النظام، وها هم يبنون الآن شبكةً للدفاع الجوي خاصّة بهم، وهذا لا يقوم به إلا من يعتبر أنّ البلد صارت ملكاً له يتصرّف بها كما يشاء.

لكن لمَ علينا أن نقبل أساساً بهذا النفوذ؟ وهل باتَ العجزُ سمةً عربيّة، أم هل نحنُ غير جديرين بالحياة كما بأرضنا وثرواتنا وسمائنا؟ لا هذا ولا ذاك، وستُثبتُ الأيامُ أنّ الذين قهروا الروم في وادي اليرموك، لهم أحفادٌ قادرين على قهر الغُزاة الروس والإيرانيين وكلّ شراذم الأرض المُستجلبة من أفغانستان وما بعد أفغانستان. يبقى فقط هذا السؤال برسم قادة الدول العربيّة، فعليهم أن يدققوا جيداً بتقارير أجهزة استخبارات دولهم، التي تقدّم لهم المعلومات هذه بلا أدنى شك، وعليهم أن يفكروا مليّاً قبل أن يندموا ساعة لا ينفعُ الندم، وقبل أن "يبكوا كالنساء مُلكاً لم يحافظوا عليه كالرجال".