هل ينبغي للدستور أن يُكتَب بدماء السوريين؟

2021.10.22 | 06:19 دمشق

2021-10-20t150113z_209617688_rc2jdq9i62h5_rtrmadp_3_syria-security-idlib-ugc.jpg
+A
حجم الخط
-A

يوم الأربعاء الفائت ( 20 – 10 – 2021 ) استهدفت قوات نظام الأسد بالقصف المدفعي سوقاً شعبية في مدينة أريحا، وقد قضى ضحية هذا العدوان الآثم ثلاثة عشر مواطناً، أكثرهم من الأطفال، وأكثر من سبعين جريحاً. بالتأكيد لم يكن هذا العدوان هو الأول من نوعه، بل يندرج ضمن حرب مستمرة يشنها نظام دمشق ضدّ السوريين، وقد سبقت هذه المجزرة بحق سكان أريحا، بثلاثة أيام فقط، مجزرة أخرى قام النظام بتنفيذها في مدينة سرمدا المتاخمة للحدود التركية. ولعل اللافت للانتباه هو تزامن هذه المجازر مع انعقاد الجلسة السادسة من لقاءات اللجنة الدستورية في جنيف التي بدأت أعمالها يوم الإثنين 18 – 10 – 2021 .

ولئن بات معلوما لدى الجميع أن استراتيجية النظام في تعاطيه مع معارضيه وخصومه كانت تقتضي دوماً التلازم بين التصعيد العسكري، موازاة مع أي استحقاق سياسي، لتكون القوة العسكرية على الأرض هي بمثابة عاملٍ ضاغط على الخصم أثناء التفاوض، إلّا أن التصعيد الذي حصل في أريحا ربما بات يذهب إلى أكثر من ذلك، لأن الجهة المُستَهدفة ليست جهة عسكرية، كما أن الحيّز الجغرافي الذي وقعت فيه المجزرة بعيد كل البعد عن أي تموضع عسكري لأي فصيل معارض، هي سوق شعبية مكتظة بالمواطنين المدنيين من رجال ونساء وأطفال، فضلاً عن أن قوات الأسد قد نفذت جريمتها في وقت يمكن تسميته بوقت الذروة، من جهة تجمّع السكان، أي موعد ذهاب التلاميذ إلى مدارسهم، مما جعلهم أصحاب النصيب الأكبر من الإصابات. ولعلها ليست مصادفة على الإطلاق أن يتزامن وقوع المجزرة مع تهيؤ وفد نظام الأسد للجنة الدستورية في جنيف لطرح ورقة تتضمن أحد المبادئ الدستورية المراد مناقشتها، وعنوان هذا المبدأ أو الورقة هو (الإرهاب)، ربما كانت مفارقة بالفعل، إلّا أنها مفارقة معكوسة، أراد لها نظام الأسد أن تكون رسالة بالغة الدلالة والوضوح، ولعل أبلغ تلك الدلالات التي يريد النظام تأكيدها لمفاوضيه هي أن ما تسمّونه دستوراً وتعتقدون بأنه سيكون إحدى الوسائل الرادعة لسطوة الإجرام والتوحّش، ما هو إلّا وهمٌ تغرقون فيه، أو تستثمرونه أمام حاضنتكم لاستمراركم بهذا العبث، فها نحن اليوم نجلس معكم على طاولة واحدة، ونطرح عليكم موضوع (الإرهاب) كعامل يهدد أمن الدولة والمجتمع، ولكن في موازاة هذه اللحظات ذاتها نقوم بقتل أطفالكم، لتشاهدوهم، كما ليشاهدهم العالم أجمع على شاشات التلفزة كيف تتناثر أشلاؤهم وتتقطع أطرافهم، ولتشاهدوا كذلك مشاهد الهلع الموجعة المرتسمة على وجوه آباء وأمهات من فقدوا أبناءهم، كما يفصح مضمون الرسالة عن اعتقاد راسخ لدى النظام من خلال وفده المفاوض في اللجنة الدستورية بأن مناقشة مضمون المبدأ الدستوري المتعلق بالإرهاب، لا تتناقض البتة مع ما نقوم به من عمليات قتل واستئصال ودمار بحق سكان أريحا وسواها من المدن والبلدات السورية المستهدفة، لأن هؤلاء السكان – وأنتم جزء منهم – كلهم إرهابيون، بل ربما كانت عملية استهدافهم في هذا التوقيت بالذات، هي بمنزلة تأكيد لمصداقيتنا وجدّيتنا في طرح ومناقشة موضوع الإرهاب.

ليس ضرباً من التخمين أو الاستنتاج أن يكون السوريون المناهضون للأسد جميعهم إرهابيين، ذلك ما أكّده رأس النظام مراراً، حين أشار إلى أن الإرهابيين (ويعني من قاتل قوات النظام) لهم عائلات وأهلون وأقارب وأصحاب،

ليس ضرباً من التخمين أو الاستنتاج أن يكون السوريون المناهضون للأسد جميعهم إرهابيين، ذلك ما أكّده رأس النظام مراراً، حين أشار إلى أن الإرهابيين (ويعني من قاتل قوات النظام) لهم عائلات وأهلون وأقارب وأصحاب، وهؤلاء كلهم – بالتالي – يشكلون حاضنة للإرهاب في سوريا، وربما أفضت عملية استئصال هذه الحاضنة – وفقاً لتصورات الأسد – للوصول إلى (المجتمع المتجانس) الذي سيكون قوامَ الدولة الأسدية.

ثمة مشهدان يختزلان العلاقة بين السوريين كما هم يمارسون حياتهم اليومية من جهة، وبين الجماعات أو الكيانات التي تدّعي تمثيلهم والدفاع عن قضيتهم من جهة ثانية، يتجسد المشهد الأول بوجود عدد من وفد المعارضة في اللجنة الدستورية، يخوض نقاشاً في جنيف مع وفد نظام الأسد حول مبدأ بادر الأسديون بطرحه (مبدأ سيادة الدولة)، ويحتدم النقاش ساعات وساعات، حول تسمية الدولة: هل هي الجمهورية السورية أم الجمهورية العربية السورية؟ لينتقل النقاش بعد ذلك إلى الوجود الأجنبي في سوريا... إلى آخر ما هنالك من استطرادات. ويتجسّد المشهد الثاني في بقعة جغرافية صغيرة (مدينة أريحا) المكتظة بسكانها الذين ازداد عددهم بسبب حركة النزوح إليها من المدن والقرى المجاورة، إذ يتدفق المواطنون صباحاً باتجاه أعمالهم لكسب قوتهم، مصطحبين أطفالهم إلى المدارس، آملين أن يعودوا إلى منازلهم ولديهم ما يقيت عائلاتهم، ومنتظرين عودة أطفالهم من مدارسهم، إلّا أن مدفعية الأسد تباغتهم، فتقتل من تقتل، وتهدم البيوت، وتدمّر الممتلكات، ويتحول السوق المزدحم بعربات الخضراوات والمحال التجارية والمواطنين إلى بحيرة من الدماء، ولعل السؤال الذي يمتزج بغصّات وحسرات كثير من أهالي أريحا في تلك اللحظة: ألسنا نحن من السوريين؟ أليس من المفترض أن يكون الدستور الذي يسعى هؤلاء إلى كتابته هو من أجل حماية السوريين؟ لماذا لا يحمينا إذاً من الموت الذي يتربص بنا؟ أم أن الدستور لا يمكن كتابته إلّا بدمائنا؟ وربما استدعى هذا السؤال، سؤالاً آخر لا يقل إيلاماً عن سابقه: يتداعى أعضاء وفد المعارضة في اللجنة الدستورية من عدة دول يقيمون فيها (الغالبية العظمى من وفد المعارضة يقيمون خارج سوريا، في أوروبا وتركيا) للذهاب إلى جنيف، حيث اجتماعات اللجنة الدستورية، وربما وجد البعض في ذلك فرصة للسياحة والترفيه، يا ترى لو كان هؤلاء يعيشون في الداخل السوري، كما سكان أريحا وسواها، ويرون أطفالهم وذويهم في حال كحال أطفال أريحا وأهلها، هل سيتدافعون إلى جنيف بالحماس ذاته كما هم عليه، وهل سيكونون مقتنعين بالدور الذي يقومون به؟ وهل سيبقى لديهم الاعتقاد ذاته بأن الدستور الذي يعابثهم به بشار الأسد وحلفاؤه الروس سيحفظ أرواحهم وأرواح عائلاتهم، أم سيكون لهم كلام آخر؟