هل يعود ترامب إلى البيت الأبيض؟

2022.11.22 | 07:21 دمشق

ترامب
+A
حجم الخط
-A

لم يختلف الأميركيون على رئيس كما اختلفوا على "دونالد ترمب"، ولم تشعر أميركا باهتزاز في بنيانها الاجتماعي والنفسي والسياسي سلباً وإيجاباً كما شعرت في عهده. أعاد الرجل لأميركا البعد الدلالي لعبارة: "I am American" قوةً، وهيبة، ونرجسيةً، وفضائحية، في آن معاً؛ ولم يُعِد إليها "نظامها العالمي الجديد"، بعد دحرها الإمبراطورية السوفييتية.

كان ترامب الوجه الحقيقي لأميركا بمعظم تفصيلاته. كان الوجه الذي تريد "الدولة العميقة" عرضَه عالمياً، وتخشى انكشافه وافتضاحه في الوقت ذاته. تريده أداة لشدِّ حالة الترهل السياسي الداخلي الأميركي؛ ولكن تخشى أن يتحوّل إلى تهديد لديمقراطية عاشت بظلها أكثر من قرنين. تريده الحضور القيادي العالمي، وتخشى من أنانيته ونرجسيته وسذاجته السياسية، التي قد تجعل ظواهر كـ"بوتين" أكبر من حجمها.

استشرى المرض "الترامبي" في الساحة الأميركية خلال أربع سنوات؛ فكان لا بد من إزاحته، حتى لو استلزم ذلك جلب "ظل رئيس" تابعٍ لعهدٍ سبقه اسمه "عهد أوباما"، ما دفع "ترمب" إلى اتهام منافسيه بسرقة الانتخابات، وما دفع أنصاره لمهاجمة مبنى الكونغرس الأميركي، وما وضع الديموقراطية الأميركية في أخطر حالة شهدتها تاريخياً.

لإبقائه على المحك، كان على مؤسسات التحكُّم الأميركية، وتحديداً الإعلام أن يبقي الرجل مستنفراً طوال فترة رئاسته؛  ففي التاريخ الأميركي، لم يستحكم العداء بين رئيس ووسائل الإعلام الأميركية، كما استشاط وتفاقم تجاه شخص الرئيس ترمب. حتى مؤسسة إعلامية مفتوحة كـ"توتر" حجبته بالمطلق، ليكون تهديد الديمقراطية ليس فقط من جانبه، بل من جانب السلطة الرابعة ذاتها.

لم يغب ترامب عن الساحة خلال عامي "بايدن" إلا لماما. وكان ترامب قد صرح بأنه سيطلق إعلاناً كبيراً في يوم الانتخابات النصفية.

والآن، ومع إعلان ترامب ترشيح نفسه لانتخابات 2024، ومع اعتبار البعض أن نزوله للانتخابات سيُبقي الديمقراطيين في البيت الأبيض إلا إذا حَدَثت معجزة من نوع ما؛ فسنراه يعود

"مايك بنس" نائبه، وفي اليوم ذاته، وخلال مقابلة على ABC  حول كتابه: So Help Me God// اليوم الذي ينوي ترامب فيه إطلاق إعلانه؛ وجواباً على سؤال تقريري: "هل يمكن أن يكون ترامب في أي حال من الأحوال رئيسا لأميركا مرة أخرى؟" قال "بنس": "أعتقد أن الأمر يعود للشعب الأميركي؛ ولكني أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك خيارات أفضل في المستقبل". ذلك الجواب عرّض "مايك بنس" إلى هجوم من بعض زملائه الجمهوريين، قائلين إن جوابه يجب أن يكون "لا" واضحة؛ وذريعتهم أن ترامب "قسّم بلدهم". وفي الوقت ذاته، لم يكن جواب بنس مريحاً لترامب، وكان عليه أن "يغرّد"- بعد استرجاعه لحسابه على "توتر"، قائلاً لرفيق دربه "بنس": "حتى أنت يا بروتس!".

مع استغلال الأداء الركيك للجمهوريين في الانتخابات النصفية - ربما بسبب ظاهرة ترامب، التي رأى فيها البعض عبئاً على الجمهوريين - تمكّنت الدولة العميقة من استغلال سحر اللعبة الديمقراطية، والتقطت تلك الفرصة كي تُحكِمَ  قبضتها على القضايا المصيرية في البلاد لإنجاز أهدافها النهائية في تربّع القوة الأميركية على سيادة العالم.

تبقى إسرائيل أحد العناصر الأساس في مَن سيكون رئيسَ أميركا، لأسباب يضيق حصرها هاهنا. الدولة العميقة ضالعة في ذلك، والمرشحون أيضاً. ترامب، من جانبه، ورغم وجهه الحقيقي الفاضح المفضوح، يبقي لذاته اللعب على هذه الخاصية. ومن هنا قدّم لإسرائيل خلال رئاسته ما يوازي الذي قدّمه ترومان تجاه "قيام إسرائيل"؛ فهو وراء المشروع الإبراهيمي، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالجولان السوري المحتل جزءاً من إسرائيل، ودفْع دول عربية للتطبيع معها.

والآن، ومع إعلان ترامب ترشيح نفسه لانتخابات 2024، ومع اعتبار البعض أن نزوله للانتخابات سيُبقي الديمقراطيين في البيت الأبيض إلا إذا حَدَثت معجزة من نوع ما؛ فسنراه يعود. وإذا جازت المقارنة بينه وبين "الأوبايدينية" بالنسبة للقضية السورية، فإنه على عكس إدارتي "أوباما" و ظلّه "بايدن"، اللتين هادنتا ملالي طهران، وخاصة في ملفها النووي، وتواطأتا معها بكثير من المسائل التي تخص العرب عموماً والسوريين خصوصاً؛ لم يشعر الملالي بضيق حقيقي كما شعروا وعانوا في فترة ترامب كرئيس. لقد جعل لهم مشروعهم النووي بلا قيمة، قتل سليماني، والبغدادي صنيعتهم. وبخصوص سوريا، أصدر "قانون قيصر"، الذي كان قد نام في أدراج مكتب "أوباما" ونائبه "بايدن" أكثر من عام؛ كما أنه ردع انفلات التطبيع مع منظومة استبدادية قتلت شعبها.

ندرك كسوريين أن الملف السوري لم يحتل أولوية بالنسبة للسياسة الأميركية "ديمقراطية" كانت أم "جمهورية"، ونعرف مبدأ "السياقة من الخلف" الذي انتهجه أوباما تجاه القضية السورية، حيث انصبت الجهود على إدارة القضية لا على حلّها. كما نعرف أن القضايا الداخلية الأميركية هي التي تحدد السياسات الأميركية عامة، وأن الخارجية منها تجاه الشرق الأوسط تحكمها أولويات على رأسها إسرائيل والنفط والسوق والممرات والتنافسات مع قادمين جُدد إلى ساحة المنطقة. وبناء على كل ذلك، يبقى مَن هو واضح وفاضح لوجه أميركا كرئيس أفضل ممن يعطينا من طرف اللسان حلاوةً….. وفي النهاية، أتى ترامب أم غيره، لن يحكّ جلدنا مثل ظفرنا، وإعْمال عقولنا، وتعزيز ثقتنا بأنفسنا، وعملنا الذي يعيد بلدنا إلى سكة الحياة.