هل يجب أخذ انتخابات الأسد على محمل الجدّ؟

2021.06.01 | 06:49 دمشق

_118715478_de6cdc93-9454-4e84-8a2e-8ae59259f655.jpg
+A
حجم الخط
-A

واصلت المعارضة السورية تنديدها بالانتخابات الرئاسية التي يجريها نظام الأسد ووصفتها بغير شرعية. وفي حين يتعامل الناشطون مع الانتخابات كنكتة سمجة، من الصعب أخذها على محمل الجدّ، يواصل النظام تسجيل النقاط والتقدم نحو هدفه الحقيقي من الانتخابات خطوة تلو الأخرى.

نعرف جميعاً أن الأنظمة العربية تستأجر شركات أوروبية لإدارة السياسات الإعلامية والعلاقات العامة الخاصة بها، ونظام الأسد ليس استثناء. فالإعلامية السابقة في قناة الجزيرة لونا الشبل مديرة المكتب الإعلامي والسياسي في القصر الجمهوري والمستشارة الإعلامية الخاصة في رئاسة الجمهورية هي من يشرف على تلك العمليات. التعامل مع مثل تلك الشركات يكلف ملايين الدولارات مثل شركة بيل بوتينغر البريطانية، بينما دفعت أسماء الأسد خمسة آلاف دولار شهرياً لشركة براون لويد جيمس الأميركية لمدة خمس سنوات مقابل بضع مقالات! إذا كان الأسد مستعداً لدفع كل تلك المبالغ، فلماذا تخرج دعاياته الانتخابية بتلك الرداءة؟

سوريا (بما هي دولة وشعب، تنمية ومستقبل) ليست على أجندة رئيسها الأسد!

في كتاب باترك سيل عن الأسد، بيّن المؤلّفُ مدى ما كان يتحلّى به الرئيس من الكفاءة والقدرة والحزم. ورغم أن سوريا كوطن وشعب واقتصاد انهار بشكل كبير، وأصبحت في عهده شبه دولة، إلا أن هذا الوضع لم يكن يثير انتباه باترك سيل؛ فعلى مدار 800 صفحة لم يحتل الوضع السوري الداخلي سوى إشارات عابرة عن الفساد وصدام مع فئة (صغيرة ومتعصبة) تدعى الإخوان المسلمين، صدام هامشي كانت نتيجته عدد من المجازر التي تجاوز ضحاياها 200000 سوري بين قتيل ومفقود، واعتقال عشرات آلاف آخرين في فروع أمن مرعبة ويمثلها رمز اسمه سجن تدمر الشهير ... لا ندري ماذا يعني هنا قائد فذّ إذا لم ينهض ببلده! من الواضح أن هذا السؤال لم يكن يشغل الباحث الغربي، ولكن يبدو أنه لم يكن يشغل الأسد أيضاً.

في كتاب آخر هو الدولة "الدولة المتوحشة" لميشيل سورا، اتخذ فيه المؤلّف مساراً معاكساً وهو تسليط الضوء على سوريا الداخل، ليصل إلى نفس النتيجة: سوريا (بما هي دولة وشعب، تنمية ومستقبل) ليست على أجندة رئيسها الأسد!

بعد وفاة الأسد الأب أطلق الأسد الابن شعاره الشهير "مكافحة الفساد" و "مسيرة التطوير والتحديث". وفيما تسابقت الصحافة الغربية على كيل المديح على الشاب الذي درس في بريطانيا وخطواته في ترسيخ عهد جديد من الديمقراطية الإصلاح، كان للصحافي البريطاني آلان جورج في كتابه "سوريا لا خبز ولا حرية" رأيٌ آخر: هذه الشعارات للاستهلاك المحلي فقط، فالقائد الجديد لم يكن جاداً في إصلاح الفساد الذي أفرزه حكم الوالد، ليخلص إلى نفس النتيجة: سوريا ليست على أجندة الأسد الابن أيضاً. ورغم أن الكتاب لم يأخذ حظّه من الانتشار، لكنه برهن أنه كان مُحقّاً في كل تفاصيله: إذا كان الأسد الأب حافظ على التقاليد المتبعة في منع إظهار الفساد والسرقة والتفاخر بها، فإن الأسد الابن لم يكن مضطراً لإخفائها، وهذا هو جوهر الإصلاح الاقتصادي الذي حصل في سوريا في الألفية الجديدة. وإذا كان المواطن السوري قد قَبِل مضطّراً وتحت تهديد السلاح بمعادلة: الخبز مقابل الحرية (حيث لم يتم استشارته، بل إرهابه وإرغامه)، فإن الأسد الابن اعتبر تلك القاعدة منتهية الصلاحية. وكانت خلاصة مسيرة التطوير والتحديث أن زاد النظام من توحشه وغدا السوري بلا حرية ولا خبز حسب الكاتب!.

بعد اغتيال الحريري ورغم العزلة الدولية الشديدة، إلا أنه استطاع اختراقها عن طريق فرنسا وتركيا، وبشكل غير مباشر المملكة العربية السعودية. بالنسبة للأسد كان هذا كافياً لإعادة تنشيط دورته المالية الخاصة بالعائلة ومصالحها، والتواصل الأمني والاقتصادي غير المعلن مع باقي الدول. ورغم تضرر الاقتصاد السوري من هذا الوضع المشوه، إلا أنه يبقى مجرد تفصيل لا يهم ولا يؤثر في نظام الأسد.

الاستفاضة في الشرح السابق تهدف إلى تدوير زاوية الرؤية في فهم النظام، وتبيان مدى وضوح خطته وواقعيتها، وبالتالي يمكننا تقييم أهدافه ومدى تحقّقها. فنظام الأسد بما هو "مافيا" لا يعنيه سوى تحقيق "الشرعية الشكلية" أمام المجتمع الدولي والدول ذات الشأن مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ شرعية تعيد العلاقات الأمنية معهم، إضافة لغض البصر عن العلاقات المالية غير المباشرة التي تتيح له التنفس والاستمرار.

تنزاح القضية الأساسية وهي إجرام الأسد وشرعية وجوده من الأصل إلى المرتبة الثانية، وهو ما يكفي الأسد في الوقت الراهن

وضوح الخطة والرؤية في برنامج الأسد يتجلى في إطلاق شعار "الأمل بالعمل". حيث تجاهلت الحملةُ الانتخابية العملَ المسلح وركزت على البدء بإعادة إعمار سوريا وإرساء الأمن والأمان. وهو ما يريد الغرب سماعه؛ لا ليقتنع به، بل ليتاح له المشاركة في تلك اللعبة والتحلل من تبعاتها الأخلاقية أمام جمهوره. هي رسالة موجهة في المقام الأول لليمين الأوروبي، لمساندته في الدعاية أن سوريا عادت بلداً طبيعياً أو شبه طبيعي لا فرق، ويمكن حل باقي الإشكالات، وبذلك تنزاح القضية الأساسية وهي إجرام الأسد وشرعية وجوده من الأصل إلى المرتبة الثانية، وهو ما يكفي الأسد في الوقت الراهن.

لقد حقّق الأسد عدداً من أهداف حملته الانتخابية: الكثير من الحديث عن سوريا الآمنة، حتى أنه تجري فيها انتخابات وبمشاركة معارضة الداخل. مشاركة فاعلة لنظام الأسد بالعملية السياسية، وقد أطلق عدداً من المعتقلين، وضمن مشاركة حقيقية للمرأة بترشيحها للانتخابات. هي انتخابات غير نزيهة، لكنها قابلة للتطوير: إنه أكثر من كافٍ لبلد من العالم الثالث، ومازال قادراً على حمايتنا من التطرف الإسلامي. أما التصريحات الإعلامية النارية التي تطلقها الولايات المتحدة والدول الأوروبية فلن تكون أقوى وأشد على الأسد من الخطوط الحمر التي رسموها من قبل!