هل لدى العميل ما يقدّمه!؟

2023.03.26 | 06:30 دمشق

هل لدى العميل ما يقدّمه!
+A
حجم الخط
-A

يعرف الجميع أنّ الدول ليست جمعيات خيرية، كما يقال، أي إنها لا تُوزع أموالها ومواردها من دون مقابل، ولكن في الوقت نفسه ينبغي أن تكون مصالح الدول -وخاصة الدول المستقرة التي تقوم على حكم المؤسسات- محسوبةً على أساس متوازن وعقلاني، أي تأخذ بالحسبان مصالح مواطنيها، بما يحقق لها نفوذاً واستقراراً داخل وخارج حدودها، أما ما يجري من سعي لإعادة أعتى نظام قمعي، ارتكب أشد الفظائع إجراماً بحق أناس تجرؤوا على الحلم، على الحلم بحياة حرّة وكريمة، يمكنهم من خلالها أن يشاركوا في تقرير مصيرهم، فيمكن تسميته بأنه مشاركة بشكلٍ ما في إدامة مأساة السوريين المتمثلة بالاعتقال والتجويع والإفقار والتهجير، أو هي ضرب من العبث.

لا شك أنّ ما جرى في سوريا أثرّ بشكلٍ ما في عموم الدول في المنطقة، سواء من خلال مشاركتها مباشرة أو عن بعد، أو من خلال السيول المتدفقة من الناس الفارّين من جحيم النظام الأسدي، وهو ما رتّب عليها أعباء مختلفة، ومن الطبيعي أن تبحث "على الأقل" عن حلّ ما للمشكلات التي لحقت بها، حتى من دون الاكتراث لمشكلة السوريين، التي خلقها حكم القتلة الأسديين. وكونها ليست جمعيات خيرية، لا بد من التفكير قليلاً في ما يمكن أن يقدّمه نظام الأسد لتلك الدول، مقابل إعادته واحتضانه وتعويمه، وهو الذي يفتقر إلى أي مقومات من الاستمرارية، لولا الدعم والحماية الخارجيين.

مع انطلاقة الثورة ضد نظام بشار، عدّت إيران أن الثورة ليست فقط ضد نظام الأسد، بل ضدّها مباشرة، فتدخلت مباشرة وعبر عملائها في لبنان

تعرف الدول التي تسعى لإعادة نظام الأسد تماماً مدى النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، على اختلافهما في الأغراض والغايات غير المعلنة، فالنظام شرّع لوجود القواعد الروسية العسكرية بوجودها الرسمي أو الميليشياوي (فاغنر) لفترة طويلة، فضلاً عن استحواذ روسيا على عدد من أصول البلاد الاقتصادية، سواء الموانئ أو الثروات الباطنية. أما إيران، فيعود دورها إلى أيام الدكتاتور الأب ودعمه لنظام الملالي ضد العراق، الأمر الذي فتح البلاد أمام نشاطات اقتصادية متنوعة، عدا نشاطات التهريب. ومع انطلاقة الثورة ضد نظام بشار، عدّت إيران أن الثورة ليست فقط ضد نظام الأسد، بل ضدّها مباشرة، فتدخلت مباشرة وعبر عملائها في لبنان، بل إنها عدّت سوريا محافظة إيرانية بحسب بعض التصريحات، ثم استنفرت وجندت ميليشيات طائفية من مختلف البلدان، دفاعاً عن وجودها ومخططاتها أولاً، وعن نظام بشار العميل ثانياً.

باختصار، يمكن القول إنّ من يتحكّم في سوريا الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد ليس النظام نفسه، وإنما روسيا أولاً، وإيران ثانياً، فالأولى تتقاسم المجال الجوي السوري مع الولايات المتحدة، والثانية تتمتع بسيطرة تفوق في بعض المناطق سيطرة قوات نظام الأسد وفروع مخابراته، فضلاً عن اختراق روسيا وإيران لكثير من قوات النظام ومخابراته، وتأسيسهما لكيانات عسكرية مستقلة عن نظام الأسد. وبذلك فإن صاحب القرار الفعلي في سوريا ليس النظام الدمية، وإنما روسيا وإيران، وللمفارقة أنهما من يحتجّان على انتهاك "السيادة السورية" من قبل إسرائيل وغيرها، قبل أن يحتجّ النظام نفسه، بل هما من يملي المواقف على الأسد ويحددان له مساره، ففي أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، كان أول من زار حلب هو قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري، ثم تبعه بشار الأسد!

وكي نكون منصفين، فالقطاع الذي أبدع فيه نظام الأسد غير القتل، هو إنتاج الكبتاغون والمخدرات الأخرى، التي أغرق فيها الدول القريبة والبعيدة، كقطاع يدرّ عليه مليارات الدولارات من جهة، ومن جهة أخرى يدمّر فيه شباب المنطقة، ولم تُفلح جميع محاولات الدول تلك في الحد من تهريب الكبتاغون، وليس بعيداً عن نظام الأسد أن يكون قد أعاد طائرات المساعدات بعد الزلزال بشحنات من المخدرات. فهل قرار تلك الدول بإعادة العلاقة مع نظام بشار الأسد يدرك كل هذه المشكلات، وأنه لا بد من التنسيق معه لمكافحتها، أم أنّ موجة تعميق النظم الاستبدادية، برعاية روسيا "مصنع الاستبداد" والصين "راعية الفساد"، هي التي ستحكم المنطقة، وربما لفترة طويلة.

لسنا في موقع أن نشير إلى مصالح تلك الدول، بالتأكيد لديها الخبراء الذين يقدّرون مصالحها جيداً، سواء المصالح الآنية منها أو الاستراتيجية، ولكن لا بد من اليقين من أنه من دون الخلاص من نفوذ نظام الملالي المتمثل بتفتيت المجتمعات العربية وخلق نفوذ فعال في محيطه يقيه التهديدات الخارجية، سيكون سعي تلك الدول لإعادة الأسد مثل السعي للقبض على السراب، فالوجود الإيراني سواء في الاقتصاد أو العسكر، عدا التغلغل في المجتمع السوري مستغلين حالة الإفقار الشديد لتشكيل الميليشيات ونشر أفكار التشيّع القائم على التبعية لولي الفقيه، هو وجود عميق، ومن دون كسره لا يمكن أن يحقق التقارب مع نظام الأسد أي مصلحة أو حتى استقرار للدول تلك.

محاولات التطبيع مع الأسد واحتضانه ليست إلا مسعى عديم الجدوى، ودوس على كل آلام السوريين الذين قدموا ما لم يقدمه أي شعب في التاريخ

يزعم من يسعى للتطبيع مع نظام الأسد أن الاستقرار يكمن ظاهريًا في استمرار حكم بشار الأسد، الذي يملك العالم ضدّه أدلة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أكثر مما تم تقديمه ضد هتلر في نورمبرغ، بينما في واقع الأمر هو السبب الرئيسي في منع إيجاد أي حل، بدءاً من قضية المعتقلين حتى مشكلة المهجرين واللاجئين، الذين لا يفضل عودتهم بالأساس، ولم يتوانَ الأسد عن قصفهم حتى عقب كارثة الزلزال. أما المنطقة التي يديرها بالوكالة، فهي تعاني من أشد أنواع البؤس والفاقة والحرمان، حيث أصبح معظم الناس دون خط الفقر، وكلها نتيجة لسياسته التدميرية، كل هذا يشير إلى أن محاولات التطبيع مع الأسد واحتضانه ليست إلا مسعى عديم الجدوى، ودوس على كل آلام السوريين الذين قدموا ما لم يقدمه أي شعب في التاريخ.

دخلت الثورة السورية عامها الثالث عشر، وهي مثقلة بالفوضى وغياب التنسيق بين تياراتها وفصائلها وعدم قدرتها على تحقيق نموذج بديل لنظام الأسد، مع غياب أي مسعى جدي من الأطراف الخارجية المتدخلة بشكل جدي إلى فرض حل على نظام الأسد، بل تسعى عدد من الدول إلى شرعنة نظام القتل مع علمهم أن أسباب الثورة -المتمثلة في استمرار الحكم الأسدي القائم على التمييز والقهر- ما زالت متأصلة بعمق وشدة، أكثر من أي وقت مضى. ويبقى من حقنا كسوريين أن نذكّر تلك الدول بأن من مصلحتها ومصلحة السوريين أن يشكلوا قوة ضغط حقيقي لإجبار نظام الأسد وداعميه على الرضوخ لمطالب السوريين، والبدء بعملية انتقال سياسي تمهّد لحل مشكلات المعتقلين والمهجرين وتفتح المجال لعلاقات مستقرة مع دول المنطقة، خاصة أن روسيا وإيران تمرّان بمرحلة من العزلة والضعف توجب ممارسة الضغط عليهما، لا توفير منفذ نجاة لهما من خلال سوريا وعلى حساب مصالح السوريين وحياتهم.