هل طلبت حماس وساطة روسيا لإعادة العلاقة مع نظام الأسد؟

2020.03.20 | 23:01 دمشق

1584422240.jpg
+A
حجم الخط
-A

تواترت الأنباء في الأيام الماضية عن طلب حركة حماس وساطة روسيا لإعادة العلاقة مع نظام بشار الأسد

بدأت القصة مع تقرير لموقع المونيتور الأمريكي - الثلاثاء 17 آذار - اقتبس فيه عن مسؤول في السفارة الروسية برام الله تصريحات خاصة بزيارة وفد حركة حماس لموسكو أوائل آذار الجاري قبل أن يثير الاقتباس عاصفة تحليلات واجتهادات وتأويلات تجاوزت شكلاً ومضموناً ما ورد في تقرير الموقع الأمريكي الذي نقل عن الدبلوماسي الروسي نقطتين أساسيتين الأولى عرض حماس وساطتها فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في شمال سوريا، والثانية نفي طلب الحركة وساطة موسكو لإعادة العلاقة مع نظام الأسد.

المونيتور نقلت كذلك اجتهاداً أو استنتاجاً شخصياً للمسؤول الروسي مفاده أن لهجة حماس الودية الأخيرة تجاه النظام قد تمهد الأرضية أمام روسيا للوساطة بينهما في المستقبل.

لم يتم التركيز الإعلامي أبداً على النقطة الأولى رغم أنها بدت لافتة مثيرة للاهتمام ومفبركة وتنزغ بالتأكيد المصداقية عن كل ما قاله الدبلوماسي الروسي، الذي باتت دولته تتصرف بنفس النهج الشمولي الدعائي من زمن الاتحاد السوفيتي البائد.

لا يمكن أن تعرض حماس وساطة في تطورات الشمال السوري، وهي لم تعلن موقفا محددا منها أصلاً، ولا تبدو في وضع يسمح لها بالتدخل مع إمساك تركيا وروسيا بالملف وحواراتهما المباشرة الرفيعة المستوى المتنقلة من روسيا إلى تركيا، لم تتوقف تقريباً من أجل التوصل إلى تسوية قابلة للحياة، ولو مرحلياً علماً أن هذا الشهر شهد توصل الجانبين إلى اتفاق رئيسي في موسكو، وآخر فرعي في أنقرة حول التطورات الأخيرة في إدلب وشمال سوريا في مشهد لم يتم فيه تهميش إيران بكل تبجحها وغطرستها إنما نظام الأسد نفسه الذي تركته روسيا متعمدة مكشوفاً أمام الضربات والهجمات التركية.

أما في النقطة الثانية فقد نفى المسؤول الروسي أصلاً قصة الوساطة بين حماس والنظام قائلاً: إنها لم تطرح بتاتاً، بينما تناقلت معظم المواقع الصحف ووسائل الإعلام المختلفة كلامه بعناوين مثيرة، وبالغت في القراءات والتحليلات رغم أنه لم يقل أبداً أن حماس طلبت الوساطة الروسية وحصل الخلط بين مواقف حماس الأخيرة وتصريحات رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في موسكو، وما نقله الموقع الأمريكي شكلاً عن الوساطة حتى مع النفي الصريح للمسؤول الروسي.

حسب علمي فإن حماس لم تطلب وساطة روسيا مع النظام، هذا يعود لعدة أسباب منها التركيز في علاقتها مع موسكو على الملف الفلسطيني بأبعاده المختلفة المتعلقة بالمصالحة الداخلية مع فتح، والصراع مع إسرائيل بما في ذلك التهدئة في غزة، وأخيراً "صفقة القرن" الأمريكية، وكيفية مواجهتها وصولاً إلى إفشالها.

هنا يجب الانتباه إلى أن روسيا عاجزة عن توفير البضاعة لا في المصالحة الفلسطينيىة الميتة سريرياً -ووساطتها الحصرية بيد نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي - ولا التهدئة مع إسرائيل التي تبدو علاقة روسيا معها في أفضل أحوالها، ورغم ذلك عجزت عن الضغط أو إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو بالتجاوب مع مبادرتها للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في موسكو، كما أنها ليست بوارد التصدي أو مواجهة صفقة القرن الأمريكية. وكانت قد تركت السلطة الفلسطينية وحيدة أمام الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن، علماً أنها أي موسكو تستغل القضية الفلسطينية في سياق العلاقات العامة والدعاية التضليلية للتغطية على جرائمها في سوريا، وقطعاً فإن قيادة حماس في ورطة كبيرة إذا ظنت عكس ذلك. 

ومن الجهة الروسية فإن موسكو ليست في وارد القيام بالوساطة، كما قال الدبلوماسي الروسي، ولا تهتم بها وليست على أجندتها كونها تركز أكثر على السياق الداخلى لقضية الفلسطينية، ثم استدرك في سياق دعائي تضليلي أن لغة حماس الودية تجاه النظام قد تمهد الأرضية أمام بلاده للقيام بذلك فيما بعد. وأعتقد أن التطرق للأمر عوضاً عن الدعاية يتعلق بالرواية الروسية، وأن تدخلها في سوريا كان صحيحاً بدليل لغة وموقف حماس المستجد من النظام.

هذا ينقلنا إلى تصريحات إسماعيل هنية في موسكو التي جاءت متزلفة وساذجة كونه تحدث عن سوريا العظيمة ومواقفها التاريخية من القضية الفلسطينية، مع تجيير ذلك ضمنياً لصالح بشار الأسد وسوريته الطائفية المتجانسة.

أما فيما يتعلق بالوساطة بين الحركة والنظام فهي حصرياً بيد إيران وذراعها الإقليمي المركزي أي الحشد الشعبي اللبناني - حزب الله سابقاً - وحماس أو للدقة بعض قيادتها عندما تتحدث بلين وود عن النظام، وحتى عندما تدعو صراحة لاستعادة العلاقة معه تبحث عن المقابل من إيران وليس من روسيا، وتعتقد أنها ستنال المقابل عبر مزيد من الدعم المادي والعسكري الإيرانى للحركة. والمفارقة أن التهدئة مع الاحتلال هي السائدة في  فلسطين، ولا يبدو منطقياً وواقعياً تقديم تنازلات أخلاقية وسياسية لمجرمي الحرب قتلة الشعبين السوري والعراقي مقابل أسلحة قد لا يتم استخدامها أبداً، هذا على اعتبار أنها ستصل أساساً إلى غزة في ظل تضييق نظام عبد الفتاح السيسي وحصاره المتساوق والمنسق مع الحصار الإسرائيلي.

قبل ذلك وبعده فإن حماس كحركة لم تحسم حتى الآن قصة عودة العلاقة مع نظام الأسد، ثمة خلافات وتباينات وتيارات عديدة ومقابل تيار الجنرالات، الذي تماهى معه هنية آملاً، ربما في إعادة انتخابه أو ربما آملاً في الخروج من المأزق الحالي الذي ساهم فيه الجنرالات أصلا عندما رفضوا المصالحة الفلسطينية مع فتح والرئيس عباس-2012- في ظروف مثالية تقريباً للحركة زمن صعود الثورات، ثمة تيارات أخرى إخوانية في الضفة والخارج رافضة بشدة ولا ترى داعى لعلاقة مع نظام لا وزن ولا قيمة  له - كما قال القيادي  الضفاوي الشيخ نايف الرجوب، وهى تقبل على مضض ومضطرة. العلاقة مع إيران وذراعها الإقليمى دون قدرة كبيرة على تبريرها لجمهور الحركة الإخواني الإسلامي في الضفة والخارج، وحتى في غزة نفسها رغم تماهي تيار حمساوي كبير فيها مع الحشد الشعبي الإيراني وروايته السياسية والإعلامية.

في الأخير وباختصار لم تطلب حماس وساطة روسيا مع نظام الأسد والمسؤول الدبلوماسي الروسي استغل العنوان الجذاب للدعاية والتضليل، علماً أن الوساطة هي بيد إيران وذراعها اللبنانى حصراً ولا تمثل حتى الآن سياسة رسمية للحركة في ظل الخلافات والتباينات في صفوفها، وعموماً يبدو أن الأمر مؤجل إلى ما بعد الدورة الانتخابية للحركة التى ستنتهى خلال عام، علماً أن تمكن تيار الجنرالات - يحيى السنوار وصالح العاروري - وبقاء هنية رئيساً للمكتب السياسي مرة أخرى قد يعنى ذهاب الحركة باتجاه إعادة العلاقة مع نظام الأسد ما سيعني للأسف من جهة أخرى أن مأزق حماس سيتضاعف ويتعمق أكثر ليس أخلاقياً وسياسياً إنما تنظيمياً أيضاً.