هل شوهت أصالة نصري التراث الموسيقي الكردي؟

2022.07.30 | 06:27 دمشق

هل شوهت أصالة نصري التراث الموسيقي الكردي؟
+A
حجم الخط
-A

أثارت المطربة أصالة نصري جدلاً واسعاً لدى الشعب الكردي بعد أدائها للأغنية التي حملت عنوان: كيفوكم، والتي تصدرت ألبومها الجديد وقامت أصالة بغناء بعض مقاطعها باللغة الكردية.

تحول ذلك الجدل إلى موجة استنكار وغضب وحملة انتقادات واسعة قام بها مجموعة من الفنانين والإعلاميين الأكراد واستطاعوا تأليب الشارع الكردي ضد أصالة حيث تم اتهامها بالمساهمة بسرقة التراث وتشويهه من خلال موافقتها على العمل مع الفنان الكردي آري جان الذي ادعى أن الأغنية من كلماته وألحانه، في حين إن اللحن ينتمي إلى التراث الكردي وأن الأغنية سبق أن غناها الفنان محمد عارف الجزراوي مما ينفي أن الكلمات تعود لآري جان، وكذلك اللحن.

وفي هذا السياق تستوقفنا نقطتان جوهريتان بعيداً عما تم تداوله وتكراره، أولهما غيرة الأكراد على تراثهم الموسيقي وحرصهم الشديد عليه وعدم السماح بالمساس به أو سرقته وتشويهه، وهو أمر يحسب لهم ويدل على يقظتهم ووعيهم بأهمية التراث الفني كعنصر أساسي من عناصر استمرار أية أمة.

والثانية، حيادية الأكراد وموضوعيتهم، فعلى الرغم من حالة الاستياء والغضب إلا أنهم لم يحمّلوا أصالة المسؤولية كاملة عما اعتبروه سرقة للتراث وتشويهاً له، بل كانوا حريصين جداً على تحميل الجزء الأكبر من المسؤولية للفنان الكردي آري جان الذي قام بالسرقة الأدبية وغرر بالمطربة التي لم تتعمق بالثقافة الكردية.

وفي مقابل ذلك، تستوقفنا أيضاً مجموعة نقاط لا بد من الإضاءة عليها، من أهمها الدافع الإيجابي الذي جذب أصالة لخوض تلك التجربة التي أقدمت عليها والتي يمكن تفسيرها في حرص المطربة على المساهمة في تمتين روابط الأخوة بين الشعبين العربي والكردي، ولا سيما في هذه المرحلة التاريخية العصيبة التي يحاول فيها الطغاة إيجاد شرعية لبقائهم واستمرارهم معتمدين على مستوى غير مسبوق من القمع، ومستوى أعلى من محاولات التفرقة والفتن وزراعة الكراهية بين كل المكونات العرقية والدينية للشعب الواحد لضمان إشغال الشعوب بمعارك بينية، ونسيان القضية الأولى التي يجب على تلك الشعوب بكل مكوناتها التركيز عليها واعتبارها أولوية، وهو الأمر الذي لم يلتفت إليه معظم منتقدي التجربة الذين غلب عليهم الحماس والغيرة على التراث ففقدوا جانباً من المشهد.

وفي فورة الغضب تلك ذهب البعض إلى وصف أغنية أصالة بأنها تعدٍ مقصود على التراث الكردي عن سبق إصرار وترصد ، ووصف آخرون الحالة بأنها من الأخطاء الكارثية في مجال حقوق الملكية، وما إلى ذلك من ردود الأفعال الصادقة والحريصة على التراث، ولكنها كانت أيضاً انفعالية وقد تؤدي دوراً يضر بالقضية السورية بشكل غير مقصود..

المطربة الشهيرة ليست صاحبة مشروع فكري ولا تدعي ذلك، وإنما هي مغنية انحازت للضحية ودانت الجلاد كأي مواطن مؤمن بحق الناس في الحياة، وحقهم بالحرية والكرامة

ربما كان من المبالغة تحميل المطربة أصالة ثقل الطرح المتضمن فكرة تآخي القوميتين من خلال عمل فني غنائي والمساهمة في قطع الطريق على محاولات التفرقة، فقد تكون أصالة واعية بكل ذلك، وقد يكون إحساسها الفطري بضرورة الابتعاد عن فخ التفرقة بين مكونات الشعب السوري هو ما قادها وشكل المحرك الأساسي لرغبتها في غناء اللون الكردي، ولربما كان التنويع في الإنتاج الفني وأشكال الأداء هو الدافع للمساهمة في هذا النمط من الأغاني، فالمطربة الشهيرة ليست صاحبة مشروع فكري ولا تدعي ذلك، وإنما هي مغنية انحازت للضحية ودانت الجلاد كأي مواطن مؤمن بحق الناس في الحياة، وحقهم بالحرية والكرامة، ولكن في كل الأحوال فقد خدمت النتيجة فكرة التآخي تلك، وشكلت منعطفاً هاماً في دمج تراثين شقيقين وتسليط الضوء على إمكانية تقديمهما على أنهما لون متقارب وموحد وبالتالي فهي وسيلة فنية لتعميق وحدة الشعب السوري.

ليست أصالة أيضاً باحثة في العلوم الموسيقية ولا تدعي ذلك، ولهذا لا يمكن تحميلها وزر السرقة الأدبية ولا جزءاً من المسؤولية عن ذلك، ولا سيما أن الفنان الذي سطا على الأغنية هو فنان كردي ومن المفترض أن يكون أدرى بذلك التراث وأكثر حرصاً على صونه وعدم العبث به، ومن هنا يمكن تحميل وزر السرقة لذلك الفنان وحده، وتبرئة أصالة بل والاعتراف بفضلها في محاولة المساهمة بنزع فتيل الفتنة بين العرب والكرد وتأكيدها على أنهما شعب واحد من خلال الأغنية التي أدتها بخليط من اللغتين.

وعلى الرغم من وعي الأكراد وتركيزهم على المرتكب الفعلي لتلك السرقة الأدبية/الفنية، وتأكيدهم على مسؤولية آري جان الأكبر عنها، إلا أن جام غضبهم انصب أيضاً على أصالة، وكان أقل حدة، ذلك واضح بالطبع، ولكن النتيجة التي ترسخت في أذهان المتابعين كانت تضعها في خندق واحد مع السارق، وبالتالي ترسخت أصالة في عيون الأكراد كداعم لتشويه تراثهم، بدلاً من استثمار الأكراد لها ولموقفها وجذبها لأداء أغان أخرى باللغة الكردية يمكن أن تشكل إضافة حقيقية للرصيد الفني الكردي ونقل الأغنية الكردية إلى مستوى أكثر انتشاراً من خلال استثمار شهرة أصالة ورغبتها في أداء اللون الكردي المميز والذي لم يأخذ حقه حتى الآن لدى الجمهور العربي على الرغم مما فيه من جمالية وعمق.

إن النظر إلى النصف الملآن من كأس هذه القضية يمكن أن يحول المعادلة إلى فرصة حقيقية لتمكين حالة التآخي بين القوميتين والشعبين، وقطع الطريق على كل محاولات التفرقة من خلال إشهار سلاح الفن ضد الاستبداد، وسلاح الوعي ضد الفتنة، وسلاح الموسيقا ضد كل أنواع القمع والاضطهاد التي لا تميز بين عربي وكردي.

ترتيب الأولويات هو ما ينقص الشعب السوري عرباً وكرداً، مسيحيين ومسلمين، في معركته اليوم ضد الظلم والاستبداد وضد تمزيق سوريا الذي بات أمراً واقعاً بدعم ومؤازرة ومباركة من السلطة الحاكمة

إنها بالمحصلة فرصة حقيقية لتحقيق انتصار للسوريين بكل مكوّناتهم وأطيافهم على الأسد وأتباعه وآلته الإعلامية ومحاولاته التي لا تهدأ في تأجيج نار الفتنة، مهما كان ذلك الانتصار صغيراً..

وأخيراً، فإن ما حدث ولا يزال يحدث في سوريا، يجعل من السرقات الأدبية، على أهميتها، أمراً ثانوياً لا يجدر أن نهمله، ولكن لا يجب أن نعامله كقضية كبرى في فترة المتغيرات الكبرى، فترتيب الأولويات هو ما ينقص الشعب السوري عرباً وكرداً، مسيحيين ومسلمين، في معركته اليوم ضد الظلم والاستبداد وضد تمزيق سوريا الذي بات أمراً واقعاً بدعم ومؤازرة ومباركة من السلطة الحاكمة التي باتت حريصة على الانتقام من السوريين الذين ثاروا ضدها، وربما تستطيع أغنية أن تضيع الفرصة على العصابة إذا ما توقفنا مع وجهها الإيجابي واستخلصنا من خلالها عناصر الوحدة الوطنية، بدلاً من جعلها أداة لزيادة التفرقة والشرذمة.