هل سيُتَّهم السوريون بعرقلة تقدم تركيا الحديثة؟

2021.09.02 | 06:53 دمشق

0b3d288f6a10e589940a8a266246ebecde9f8f34.jpeg
+A
حجم الخط
-A

بين الفينة والأخرى يطل علينا سياسيون أتراك باحثون عن شعبية لهم، ولا يجدون ما يرفع من رصيدهم الشعبي سوى الوجود السوري في تركيا، فما أن تهدأ عاصفة تصريحات من هنا، حتى تندلع أخرى من هناك، وكل حدث يخص السوريين يجد فيه هؤلاء المعارضون مادة دسمة لدعم برامجهم الانتخابية.. بل إن حزباً جديداً اسمه "حزب النصر" برنامجه كله قائم على إعادة اللاجئين إلى بلادهم، لأنه حسب ما قال قبل أيام مؤسسه القومي المتطرف أوميت أوزداغ: إن حل كل مشكلات تركيا بعد عودة السوريين إلى بلادهم سيكون سهلاً.

على أن عودة اللاجئين تحكمها تسويات دولية بين اللاعبين الكبار على الأرض السورية، ولكن هكذا تصريحات من شأنها زيادة التوتر وتعبئة الأتراك على السوريين والعكس صحيح، وهي ليست في صالح الطرفين.

بقيت العلاقة بين العرب والأتراك ذات طابع غير ودي، حتى وصل إلى الحكم بداية الألفية الجديدة حزب العدالة والتنمية ذو الخلفية الإسلامية الذي بدأ بتحسين العلاقات مع دول الجوار العربي

كان الأتراك في السابق يلقون باللائمة على العرب، والسوريون منهم بطبيعة الحال، بأنهم السبب في انهيار الإمبراطورية العثمانية، بعد هزيمة دول المركز أمام الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وعقب الاتفاقات السرية التي وقعها الشريف حسين مع الإنكليز للثورة على العثمانيين، مقابل تعيينه ملكاً على العرب.. وعود ما لبث الإنكليز أن تنصلوا منها باتفاقيات متزامنة وقعوها مع الفرنسيين واليهود.

بقيت العلاقة بين العرب والأتراك ذات طابع غير ودي، حتى وصل إلى الحكم بداية الألفية الجديدة حزب العدالة والتنمية ذو الخلفية الإسلامية الذي بدأ بتحسين العلاقات مع دول الجوار العربي، خصوصاً بعد يأس تركيا من إمكانية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مع حالة من التفهم أو محاولة فهم الوضع العربي والتركي قبيل الحرب العالمية الأولى، فالسلطان العثماني القوي عبد الحميد، الذي أحبه العرب عموماً نتيجة إصلاحات تخص بلادهم قام بها، قد تم عزله وجيء بأخيه محمد رشاد كسلطان شكلي، ومع هذا ضاعت جهود عبد الحميد في الإصلاح، كون الفساد كان منتشراً في كل مفاصل الدولة، التي سيطر عليها، بما فيهم، القوميون الأتراك من حزب الاتحاد والترقي، وبدؤوا بتطبيق سياسة التتريك، التي لم تُثِر فقط العرب ضدهم، بل كل الشعوب الأخرى، كما في البلقان وغيرها.

منذ اعتناقهم الإسلام في بداية القرن الثاني الهجري، كانت علاقة العرب بالأتراك علاقة ودية، بل إن العرب كان يسبقونهم حضارياً، فلم تكن لهم دولة عريقة، ساهم العرب في انهيارها، كما حصل مع الفرس، حسبما يقول حسين عودات في كتابه "صورة العرب لدى الآخر في ضوء العلاقات التاريخية".

عودات يرى أن التُرك هم عدة شعوب ذات أساس قبلي كانوا يسكنون وسط آسيا ووراء الأناضول، ويتكلمون نحو ثلاثين لغة ولهجة تشترك فيما بينها بسمات ثقافية وأحداث تاريخية محددة، ويشمل هذا التعريف الكازاخ والقيرغيز والأوزبك والأذريين والتركمان وسكان تركيا الحالية.

ولم يكن لهذه الشعوب صعود إلا مع الإسلام الذي أحبوه ونهضوا به ومن خلاله، فأول دخول لهم إلى الأضواء كان مع الخليفة المعتصم الذي كانت أمه تركية، فقلدهم قيادة الجيش وأعطاهم أدواراً سياسية مهمة، ولكن بعد أن تكررت انتهاكات الجيش وقادته في العاصمة بغداد بنى لهم المعتصم مدينة سامراء، ثم قويت شوكة هؤلاء القادة حتى أصبحوا يعينون خليفة ويعزلون آخر.

وظهر منهم سلالات وسلاطين كان لهم عظيم الأثر في التاريخ الإسلامي، كالدولة السلجوقية التي حاربت الصليبيين وانتصرت عليهم في عدة وقائع أهمها ملاذكرد، ومهدت لظهور صلاح الدين الأيوبي، وبعد ذلك بقرنين ظهرت الدولة العثمانية التي أخذت بالتوسع غرب الأناضول حتى وصلت إلى وسط أوروبا، وجنوبه حتى امتد سلطانها إلى معظم البلدان العربية.

نتيجة الطابع الإسلامي لهذه الدولة لم تظهر حساسيات قومية بين الترك والعرب إلا في مراحل متأخرة من عمر الدولة العثمانية، خصوصاً بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني صاحب فكرة "الجامعة الإسلامية"، إذ بدأ الاتحاديون بتطبيق سياسة التتريك، بالمقابل رأى هؤلاء بمطالبة النخبة العربية بـ اللامركزية على أنها محاولة موجهة ضد الشعب التركي وليس لإصلاح النظام.. سياسة سهلت على الإنكليز التحشيد للشريف حسين، ثم جرى ما جرى.

تواتر التصريحات العنصرية التركية حالياً، وعدم تحسن أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا وزيادة معاناتهم، سيكون مادة دسمة لكل نافخ في كير العلاقات بين الشعبين

مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بدأت تركيا تسير بخطا سريعة نحو التقدم، وتغيرت استراتيجية الحزب من "صفر مشاكل" إلى التدخل في مناطق تخص الأمن القومي لتركيا، كما حصل في سوريا، فلولا فتح الحدود لما دخل ملايين الهاربين من جحيم القصف والبراميل المتفجرة.. وهؤلاء المساكين هم من يلقى عليهم اليوم باللائمة في تراجع الوضع الاقتصادي التركي، حتى بات الحزب الحاكم في حيرة من أمره، وما إجراءات ترحيل السوريين المخالفين التي تمت قبل عامين إلا خطوة إلى الأمام من العدالة والتنمية، الذي خسر في الانتخابات البلدية 2020 رئاسة أكبر ثلاث بلديات وهي إسطنبول، أنقرة، إزمير، بعد نجاح المعارضة التركية، في استغلال الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا وملف اللاجئين.

تواتر التصريحات العنصرية التركية حالياً، وعدم تحسن أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا وزيادة معاناتهم، سيكون مادة دسمة لكل نافخ في كير العلاقات بين الشعبين، ولن تصلح معه محاولات العدالة والتنمية للرتق، إن لم تقم بخطوات عملية مدروسة بشكل سريع.

بعد الحرب العالمية الأولى اتهم العرب أنهم السبب في هزيمة تركيا، رغم أن كل دول المركز كانت تمنى بالهزائم، والآن بعد التقدم التركي مع العدالة والتنمية، هل سيتم اتهام السوريين الذين لا حول لهم ولا قوة بعرقلة التقدم التركي؟ ولماذا تصر المعارضة التركية على زج السوريين في معاركها الانتخابية، على أنهم جزء من المشكلة أو الحل، رغم أن السوريين مجرد ضحايا مغلوبين على أمرهم، وهم بالأساس خارج هذه المعادلة الداخلية التركية بامتياز.