هل سترعى سلطنة عمان مشروع التطبيع مع الأسد؟

2023.02.27 | 06:16 دمشق

هل سترعى سلطنة عمان مشروع التطبيع مع الأسد؟
+A
حجم الخط
-A

ربما خرجت زيارة رأس النظام في دمشق عن سياق التوقعات السابقة التي كانت تشير بمجملها إلى توجه بشار الأسد إلى الإمارات أولاً بعد حدوث الزلزال المدمر في صبيحة السادس من شباط الجاري، إلّا أن زيارة سلطنة عمان من جانب الأسد أوضحت أن الحراك الإعلامي والسياسي الذي بدأ به النظام، موازاة مع الكارثة التي حلّت بالسوريين لم يكن مبنياً على فراغ.

ولعلها لم تكن تخفى رغبة بعض الدول العربية في إعادة العلاقات مع نظام دمشق منذ أواخر العام 2019، وبخاصة مصر والجزائر والأردن، إلّا أن الرادع الأميركي حال دون تحقق هذه الرغبة آنذاك، بينما بادرت الإمارات إلى ذلك غير عابئة باللوم الأميركي، ثم جاء ما يعزز هذا التوجه نحو دمشق منذ شهر آب الماضي حين أفصحت الحكومة التركية عن استدارتها السياسية الرامية إلى إقامة حوار مباشر مع حكومة الأسد.

إلّا أن التداعيات التي أعقبت حدوث الزلزال ربما أتاحت مزيداً من الفرص لدى جميع الأطراف لتسريع الخطوات، إذ أراد الكلّ استثمار التداعيات الكارثية للزلزال المدمر لتكون غطاء للخطوات السياسية، وهكذا أصبح المدخل الإنساني بوابة لعبور المشاريع السياسية.

العامل الأبرز الذي يدفع إلى سياسة (المُهادنة) التي تحاول بعض الدول الخليجية اتباعها هو الموقف الأميركي (المُهادن) ذاته

ربما كان صحيحاً أن الموقف الأميركي ومن خلفه الأوروبي بات في مواجهة أكثر وضوحاً مع روسيا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن هذه المواجهة في الوقت نفسه لا توجب الانسياق السريع لدول المنطقة، وخاصة الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، إلى الاصطفاف المعادي لروسيا، خاصة أن موسكو ما تزال تحظى بوجود حلفاء أقوياء في الشرق الأوسط وفي طليعتهم الصين وإيران. فالتريث واجب إذاً، بل ربما كان الموقف الأكثر اتزاناً – وفقاً – لبعض الدول الخليجية على سبيل المثال – هو إعادة النظر في مواقفها السابقة وبناء سياسات جديدة تجنّبها الاصطفاف الذي ينتهي إلى العداء لمحور محدد.

لعل العامل الأبرز الذي يدفع إلى سياسة (المُهادنة) التي تحاول بعض الدول الخليجية اتباعها هو الموقف الأميركي (المُهادن) ذاته، وخاصة على ضوء الاستراتيجية التي تحاول إدارة الرئيس بايدن التمسّك بها حيال قضايا المنطقة، وتحديداً موضوع إيران الذي ما يزال يخضع لمقاربة أميركية تعتمد على منهج الاحتواء وليس المصادمة المباشرة.

ثم يأتي الموقف الأميركي من الملف السوري، والذي هو في الأصل ملحق بالملف الإيراني بالنسبة إلى واشنطن ولا يجسّد قضية قائمة بحد ذاتها، ولعل هذا الإلحاق لقضية السوريين بملف إيران هو ما يجعل واشنطن أكثر تمسّكاً بالشعار العائم الذي المتمثل بـ(تغيير سلوك النظام وليس تغييره)، ما يعني بالنسبة إلى الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص، أن لا رغبة أميركية حتى الآن في زوال نظام الأسد.

وهكذا تصبح الأبواب نحو دمشق مشرعة – بذريعة الكارثة الإنسانية – لصياغة سياسات أكثر جدوى، وفقاً لبعض القادة الخليجيين، وتتجسّد تلك السياسات بمسألتين إقليميتين، تكمن الأولى بمجاراة الموقف التركي الروسي الزاحف نحو دمشق، بناء على ذريعة قديمة جديدة، وهي الحرص على ألّا تنفرد تركيا – كقوة إقليمية – في التحكم بالمصير السوري، وكذلك الحرص على دور عربي فاعل في القضية السورية، وهي ذريعة وإن لم تكن مقنعة لضحايا الأسد، مثلها كبقية الذرائع الملازمة لتوجهات التطبيع مع دمشق، ولكنها شعار قابل للاستثمار أو كعنصر تبرير لبعض الدول.

وتتمثل المسألة الثانية بفكرة شعاراتية أخرى تحمل في طياتها نقيضها، وأعني تبرير التطبيع مع الأسد بذريعة احتوائه أو انتشاله من الحضن الإيراني، وتلك فريّة لا يقرّ بها عقل سليم، بل ويهزأ منها بشار الأسد ذاته.

يمكن الذهاب – إذاً – إلى أن زيارة الأسد إلى مسقط ليست لجس النبض أو التمهيد لعلاقات جديدة بين عمان والنظام السوري، إذ إن هذه العلاقة لم تنقطع أصلاً، وقد قامت عمان بتعيين سفير لها في دمشق عام 2020، بل إن سلطنة عمان هي الوحيدة من بين الدول الخليجية التي لم تقطع علاقاتها مع نظام الأسد عام 2011.

غالباً الزيارة تتناول الإجراءات العملية لترجمة تفاهمات جديدة ربما كانت تجري في الخفاء، ولكن بالتأكيد كانت شديدة الوضوح بالنسبة إلى سلطنة عمان التي شهدت العقود الأخيرة أنها باتت تتقن أكثر من غيرها دور (الوسيط)، بل لعلها هي الحديقة الخلفية لإنضاج الحلول وتسوية الأزمات المستعصية بين دول المنطقة والإقليم، ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى هذه الزيارة التي تعتبر الأولى له بعد انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 من خلال أربعة أبعاد تتمثل بـ:

ربما يأتي هذا اللقاء كمحاولة لاستشعار وفحص نيّات الأسد ومدى استعداده لإعادة النظر بعلاقته مع طهران في حال حصوله على جائزة ترضية من دول الخليج

أولاً- نقل رسائل خليجية وخاصة من السعودية حول تطورات الموقف السعودي من القضية السورية، لا سيما بعد تصريح وزير خارجيتها بشأن ضرورة إيجاد تسوية في سوريا واستعداد الرياض لفتح قنوات اتصال وحوار مع دمشق غير معروفة الشروط التي وضعتها الرياض لعودة تلك العلاقات وهو ما تكفلت به مسقط.

البعد الثاني-  يرتبط بعلاقة النظام السوري مع إيران في ضوء المخاوف الخليجية من الارتباط العضوي للنظام مع النظام الإيراني، وربما يأتي هذا اللقاء كمحاولة لاستشعار وفحص نيات الأسد ومدى استعداده لإعادة النظر بعلاقته مع طهران في حال حصوله على جائزة ترضية من دول الخليج.

البعد الثالث- من المرجح أن تكون هذه الزيارة ضمن مسار المبادرة الأردنية – خطوة مقابل خطوة- التي تعثرت ولم يكتب لها النجاح وإعادة إحيائها من خلال الحوار المباشر مع الطرف المعنيّ وهو النظام، خاصة أن الزيارة جاءت بعد زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق في الخامس عشر من الشهر الجاري، والتي من المحتمل أن يكون الأسد قد قدم إشارات باستعداده لمناقشة هذه المبادرة بشكل جدي.

البعد الرابع- من غير المحتمل أن تكون سلطنة عمان قد قامت بهذا الدور واستقبلت الأسد كرئيس دولة للمرة الأولى منذ العام 2011، إلا بضوء أخضر أميركي للعب دور ما في إعادة قنوات التواصل والحوار معه، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية لديها رسائل وشروط لإعادة تطبيع العلاقات العربية والدولية مع النظام.

فهل حقاً سيكون السلطان هيثم بن طارق هو الراعي الخفي لمجمل الحراك العربي والإقليمي الزاحف إلى الأسد؟