هل ستتغير السياسة الخارجية 180 درجة لو فازت المعارضة التركية؟

2023.02.02 | 07:17 دمشق

هل ستتغير السياسة الخارجية 180 درجة لو فازت المعارضة التركية؟
+A
حجم الخط
-A

قبل أقل من عامين أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليجدار أوغلو، أنهم سيغيرون السياسة الخارجية "180 درجة" عندما يفوزون في السلطة، والآن تبدو تركيا أمام شهور قليلة فحسب لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية سُتنهي عهد أول قرن منذ تأسيس الجمهورية، وترسم ملامح مستقبل القرن القادم.

رغم أنها تصريحات فضفاضة ومفتوحة على مختلف التفسيرات، إلا أن "نص اتفاق السياسات المشتركة" الذي صدر عن "الطاولة السداسية" يوم الإثنين 30 من كانون الثاني 2023، جاء بتفاصيل أكبر أعطت دلائل عن طبيعة التعامل المحتمل للمعارضة فيما لو فازت بالسلطة مع العديد من الملفات الشائكة والحساسة، ويمكن القول إنها أعادت تأكيد ما هو واضح إلى حد كبير.

ما بين الغرب وروسيا

لقد أكد البيان نفسه حرص المعارضة على علاقتها وموقعها في حلف الناتو، وتحالفها مع واشنطن، وإعادة تفعيل مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، والالتزام بأحكام المحكمة الأوروبية.

وبالنظر إلى هوية حزب الشعب الجمهوري وحتى حزب الجيد "القومي الحديث" وهما أكبر حزبين يمثلان تلك الطاولة، نجد أنهما أقرب للغرب من روسيا، وهو ما ينسجم مع مواد النص المتعلقة بالسياسة الخارجية، وهو ما كان واضحاً في التأكيد على مبدأ التحالف مع واشنطن "بناء على الثقة المتبادلة"، إضافة إلى فقرة مهمة أوضحت عزم المعارضة على الرجوع لبرنامج طائرات إف-35 الأميركية.

بيد أن الولايات المتحدة تشترط على تركيا التخلي عن صواريخ إس-400 التي اشترتها من روسيا مقابل العودة لبرنامج الطائرات المذكورة، فهل تستعد المعارضة لتنفيذ ذلك فعلاً، أم ستبحث عن طرق أخرى للمساومة بطريقة تكسبها الطائرات الأميركية دون التخلي عن الصواريخ الروسية؟ وهو ما عجز عنه أردوغان بالفعل.

قرب المعارضة من الغرب لا يعني أنها لن تكون محتاجة لروسيا، حتى البيان المشترك للطاولة السداسية أشار إلى أنهم "سيواصلون تعزيز العلاقات كأنداد عبر التفاهم والحوار المتوازن والبنًاء على مستوى مؤسسي"، وستكون مضطرة للحوار مع موسكو من أجل الملف السوري، والدور التركي في قره باغ، وليبيا.

وفي الوقت نفسه، ربما تعيد المعارضة ترتيب أولويات الدور التركي في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث حافظت أنقرة منذ بداية الصراع قبل نحو عام على تبني دور متوازن يميل للعب وساطة بين الطرفين، دون أن تكون محسوبة بطريقة ما على طرف دون آخر، ولقد نجحت إلى حد كبير في ذلك على الرغم من الضغوط الأميركية، لكن ليس من المؤكد فيما لو كانت المعارضة مستعدة لأداء الدور نفسه.

وفي الحقيقة لم تشهد العلاقات بين تركيا وروسيا تطوراً لافتاً كما الآن منذ تأسيس الجمهورية، حيث إنّ الحكومات القديمة تموضعت في المعسكر الغربي ضد الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، ودخلت تركيا الناتو عام 1952، وسارت الحكومات المتعاقبة على الوتيرة ذاتها، فكانت أول من يعترف بالجمهوريات المنفرطة من عقد السوفييت في تسعينيات القرن الماضي.

حتى حزب العدالة والتنمية لم تستطع حكوماته الأولى كسر القاعدة، ولم يطرأ هذا التطور اللافت في العلاقات بين أنقرة وموسكو إلا عقب إسقاط الطائرة الروسية عند الحدود التركية مع سوريا، ثم التفات أنقرة بعيداً عن الغرب بعد محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف 2016.

تأكيد المعارضة على أن تكون العلاقات والحوار مع روسيا وفق "المستوى المؤسسي" يشير بطريقة أو بأخرى إلى العلاقة القوية بين أردوغان وبوتين، كزعيمين استطاعا حل العديد من الشائكات في مختلف الملفات بينهما عقب اتصال هاتفي أو زيارة رسمية مفاجئة، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.

تريد المعارضة إذن استعادة تحالفها القوي مع الغرب، وعلاقات مستقرة مع روسيا، وفق مبدأ أتاتورك "سلام في الوطن، سلام في العالم"، لكن الظروف الحالية قد تصعب المسألة عليها، حيث إن فاتورة التحالف المطلق مع الغرب ستكون على حساب تقويض العلاقات مع موسكو، وإذا اضطرت ألمانيا لإلغاء مشروع خط الغاز "نورد ستريم" فلماذا لا تقوم تركيا إذن بإنهاء صفقة صواريخ إس-400 بطريقة ما؟ ليس مستعبداً.

ماذا عن الوجود العسكري؟

إذا فازت المعارضة التركية بالسلطة فلن تجد متسعاً أو رفاهية وقت إضافي لحسم أمرها في الوجود العسكري القائم بدول مثل سوريا والعراق وليبيا وقطر والصومال وأذربيجان، ولا شك أنه سيكون أصعب قرار، لكن عليها أن تنظر في الأولويات والمواقع التي يتعين عليها الانسحاب منها أو البقاء فيها.

سبق أن عارض حزب الشعب الجمهوري وجود قوات عسكرية في الخارج، وقد صوت بـ"لا" ضد مذكرتي تمديد مهمة القوات التركية، إحداهما في سوريا والعراق، والأخرى في ليبيا.

أما البيان المشترك الصادر عن الحزب نفسه وحلفائه الخمسة، كان واضحاً في أن المعارضة لن تتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط، وستلتزم الحياد والنأي عن النفس.

بالطبع لا يمكن أن يتم ذلك بين ليلة وضحاها، لكن المعارضة ستكون أقرب إلى سحب قواتها من بعض المناطق، وستبرر ذلك بأنها ستلجأ إلى الحوار من أجل تحقيق مصالحها، دون الحاجة لتدخل عسكري، وهذا يعني أن معادلات سياسية بأكملها ستتغير.

ففي سوريا ستكون الكفة الراجحة للنظام السوري بينما ستكون المعارضة محاصرة بينه وبين معارضة تركيا التي يُتوقع أن تغلق الحدود المشتركة مع فصائل المعارضة السورية، بينما لن يكون من المستبعد فتح حوار مع قوات سوريا الديمقراطية برعاية أميركية.

وفي العراق ستنتهي العمليات الجوية التي تشنها القوات التركية من فترة لأخرى ضد معاقل تنظيم حزب العمال الكردستاني، وفي ليبيا ستجد الحكومة التي وجدت في تركيا حليفاً أنها متضعضعة على الرغم من أنها بدأت أخيراً في تنويع مصادر علاقاتها وتكثيف رحلاتها.

من جانب آخر، ستكون قضية شرق المتوسط محوراً مهماً ضمن الملامح المتغيرة لسياسة خارجية تريدها المعارضة التركية على نقيض ما انتهجه حزب العدالة والتنمية طوال عقدين من الزمن.

تقول المعارضة إنها ستركز على الحوار ومبدأ حسن الجوار مع اليونان التي تفتح جزرها القريبة من تركيا لنشر القوات الأميركية وفتح قواعد جديدة من وقت لآخر.

أما عن مسائل اللجوء والهجرة، فقد كان بيان المعارضة واضحاً، وأكد على ضرورة ترحيل السوريين المقيمين تحت الحماية المؤقتة "في أقرب وقت" ضمن القانون المحلي والدولي، وقد كان البيان دقيقاً فلم يصفهم بلاجئين أو مهاجرين.

وفي الوقت ذاته، قد تلجأ المعارضة إلى عقد اتفاقيات إعادة اللاجئين مع دول المصدر، مثل سوريا والعراق وأفغانستان وإيران وغيرها.

كذلك كانت المعارضة واضحة في مسألة منح الجنسية التركية للأجانب عن طريق شراء العقارات أو ودائع الاستثمار بالعملة الأجنبية، لكن يبدو أن المعارضة ستتعامل بمنطق مختلف مع مسألة الجنسية الاستثنائية الخاصة بالسوريين، حيث قالت إنها "ستضيّق" من مجالات منح الجنسية الاستثنائية، وتعيد فحص بيانات وأوراق الذين حصلوا عليها بالفعل، للتأكد من صحة الأوراق المقدمة.