هل ثمة من يثق بالأسد كي يفاوضه الأتراك؟

2023.01.05 | 05:59 دمشق

هل ثمة من يثق بالأسد كي يفاوضه الأتراك؟
+A
حجم الخط
-A

على تعقيدات المواضيع التي يتم البحث فيها بين الحكومة التركية ووفود النظام في الجلسات التي عقدت أو يخطط لعقدها، يجب ألا يفوت السوريين الذي يتابعون "التكويع" كما يحب البعض أن يسمي هذه الخطوة، أن النوابض العامة لهذا التوجه واضحة، ولا تحتمل الغش أو المراوغة، فهي تنطلق لدى أنقرة من حسابات سياسية داخلية، أولها الانتخابات القادمة هذا العام، وما يحتاجه حزب العدالة والتنمية من إنجازات، لإقناع الناخبين بالتجديد له في البرلمان، وفي منصب الرئاسة، وتحديداً في ملفين أساسيين أولهما إعادة فائض اللاجئين، بعد احتساب ما تحتاجه الماكينة الصناعية والزراعية المحلية من اليد العاملة السورية الرخيصة الوافدة، وثانيهما إنهاء كيان قسد على الحدود الجنوبية، المرتبط بالصراع الدموي الدائر منذ عشرات السنين، مع تنظيم وعناصر حزب العمال الكردستاني.

أي حديث عن رغبة في المصالحة الفعلية مع النظام السوري، لا يمكن التعامل معه بجدية في الوقت الراهن، لأن هذا الأخير وقبل أي شيء لا يملك ما يقدمه مقابل أي خطوة تجاهه

تبدو الأسباب الأخرى التي تدفع الأتراك للمضي في هذه الخطوة كاستجابتهم للضغط الروسي في هذا المسار أقل أهمية، فهم يعلمون أن بوتين الذي طالت حربه في أوكرانيا لا يملك القوة السياسية في الوقت الحالي، لدفع أردوغان نحو أي مسار على حساب المصالح التركية، وبالتالي فإن أي حديث عن رغبة في المصالحة الفعلية مع النظام السوري، لا يمكن التعامل معه بجدية في الوقت الراهن، لأن هذا الأخير وقبل أي شيء لا يملك ما يقدمه مقابل أي خطوة تجاهه، مع الانتباه إلى أن الحديث الرسمي في أنقرة عما يجري يحيل التفاصيل إلى القرار 2254 الذي يؤكد على انتقال سياسي في سوريا.

وفي المقابل، لا مصلحة للنظام في المصالحة مع عدوه الشمالي، لأن مثل هذا التحول سيفرض عليه تقديم المقابل، بعد أن حملت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركية الأمور إلى نهاياتها، لجهة نفي المطامع في سوريا، والاتفاق على الانسحاب من الأراضي السورية، حال تقدم الأوضاع إيجابياً على الأرض، ما يُبطل فعلياً دعاوى النظام التي يكررها أمام مؤيديه عن سقف مطالبه العالي، أو اشتراطاته للقبول بالجلوس مع الأتراك على طاولة واحدة.

الفوائد الاقتصادية للمافيا التي تدير أعمال ومصالح العائلة، ولا سيما طموحات أسماء الأسد، التي تبدو في الوقت الحالي، أشبه بحوت ابتلع كل من سبقه، ويبحث عن المزيد، وحدها قد تدفع رأس النظام للمضي في خطوات التفاوض بجدية. ولكن هذا سيصطدم عاجلاً أم آجلاً بدرجة صلابة مواقف المسؤولين الأتراك الذين كلما التفتوا صوب المعارضين السوريين في مؤسسة الائتلاف أو غيرها، منحوهم تطمينات ووعود، بعدم التضحية بالثورة، والثائرين، ومع التركيز على ضرورة العودة الكريمة والآمنة للاجئين، كان آخرها تصريح وزير الخارجية جاويش أوغلو، "إن بلاده لن تطبع العلاقات مع النظام السوري رغماً عن المعارضة السورية".

ولكن، ألا يبدو وبالنظر إلى تكرار الحديث عن المعطيات السياسية التركية في دائرة المناورة بين الطرفين، أن التسوية ستصل في مرحلة ما إلى حائط مسدود، خاصة وأننا نعرف كسوريين بنية النظام وطريقة تعاطيه مع مواطنيه ومع الآخرين على حد سواء، أنه في النهاية سيحلب الوقت ليضمن استمراره في حكم البلاد.

بينما، أقل المطالب في سياق ما يتم الحديث حوله في المفاوضات هو التغيير الملموس، كإطلاق المعتقلين، وغير ذلك!

هل بقيت جهة سياسية في العالم تثق بنظام الأسد؟ كي يقوم الأتراك بفعل هذا الشيء؟

لنلاحظ أن جميع من يطالعون وقائع وحيثيات الملف ينطلقون وبشكل سبقي من أرضية عدم الثقة بنظام الأسد، ويفترضون أنه يراوغ داعميه الرئيسيين روسيا وإيران، وأنهما باتوا يتعاطون معه عبر سياسة العصا والجزرة، حتى وصل به الحال إلى ما يشبه فقدان القدرة على الحركة في هذه الأيام، بناء على تسويفاتهما بتقديم الدعم العاجل له.

كل ما سبق، ودون الاستغراق في التحليلات التي فاضت على المشهد السوري القاتم، يدفعنا لطرح السؤال الصريح والواضح: هل بقيت جهة سياسية في العالم تثق بنظام الأسد؟ كي يقوم الأتراك بفعل هذا الشيء؟ أم أن هؤلاء يريدون أن يمرروا الوقت أيضاً حتى يصلوا إلى اللحظة التي تمكنهم من الانسحاب من هذه الخطوة كلها؟