هل تمتلك المعارضة التركية استراتيجية واضحة للحل في سوريا؟

2023.05.03 | 06:08 دمشق

هل تمتلك المعارضة التركية استراتيجية واضحة للحل في سوريا؟
+A
حجم الخط
-A

كان الموقف من سوريا أحد العناوين الأساسية في الخطاب الانتخابي لأحزاب المعارضة التركية خلال الأشهر الماضية، ومن المتوقع أن يزداد حضوره بشكل أكبر في الأيام القليلة المتبقية لانتخابات الرابع عشر من مايو/ أيار، مع أن خطاب المعارضة استند بشكل عام إلى انتقاد سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان في الملف السوري وعلى الوعود بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، إلآّ أنه لم يُقدم رؤية واضحة ومفصلة لكيفية إدارة المعارضة للموقف التركي في سوريا في حال وصلت إلى السلطة خصوصاً في المسائل الأكثر تعقيداً وحساسية كمستقبل الوجود العسكري التركي في شمال سوريا والتعاطي مع ملف وحدات حماية الشعب الكردية، وكيفية إدارة التفاهمات مع روسيا وتأمين إعادة طوعية وآمنة للاجئين. عند النظر إلى وثيقة السياسات المشتركة التي أصدرها التحالف السداسي المعارض، نجد تحديد مبادئ عامة للسياسة التي ستنتهجها المعارضة في سوريا كإجراء حوار مكثف مع جميع الأطراف ذات الصلة التي تُمثل مختلف شرائح الشعب السوري والنظام في دمشق باستثناء الجماعات الإرهابية من أجل إقامة سلام دائم في إطار قرارات الأمم المتحدة.

الصفقة غير المُعلنة التي أبرمها المرشح الرئاسي للتحالف كمال كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ستلعب دوراً رئيسياً في تحديد السياسة التي ستتبناها المعارضة في سوريا

مع ذلك، فإن هذه المبادئ خلت من أربعة تفصيلات ضرورية:

ـ أولاً، لم تُحدد المعارضة بشكل واضح التنظيمات الإرهابية التي ستستثنيها من الحوار خصوصاً الموقف من الوحدات الكردية. في حين أن الاستراتيجية الحالية التي ينتهجها أردوغان في سوريا ترتكز بشكل أساسي على مواجهة المشروع الانفصالي للوحدات الكردية وتعتبرها تنظيماً إرهابياً وذراعاً سوريا لحزب العمال الكردستاني المحظور، ونجد أن وثيقة السياسات المشتركة للمعارضة تجاهلت الموقف من الوحدات الكردية. علاوة على ذلك، فإن الصفقة غير المُعلنة التي أبرمها المرشح الرئاسي للتحالف كمال كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ستلعب دوراً رئيسياً في تحديد السياسة التي ستتبناها المعارضة في سوريا في حال فازت في الانتخابات. الافتراض السائد أن كليتشدار أوغلو، وبموجب هذه الصفقة، سيتخلى عن الاستراتيجية الحالية التي تعتبر الوحدات الكردية منظمة إرهابية وسيُدرجها في إطار المكونات التي ستتحاور معها تركيا. لكنّه من غير الواضح كيف سيوازن كليتشدار أوغلو بين النهج الجديد المحتمل مع الوحدات الكردية وبين مصالح الأمن القومي لتركيا في صراعها مع حزب العمال الكردستاني في الداخل والخارج.

ـ ثانياً، لم تُحدد المعارضة بشكل واضح كيف ستتعامل مع مستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا. وتبدو هذه النقطة الأكثر تعقيداً التي ستواجه سياسة المعارضة تجاه سوريا. وعدت المعارضة بإجراء حوار مع النظام في دمشق من أجل إعادة العلاقات وهو الأمر نفسه الذي شرع أردوغان فيه مؤخراً، لكنّها لم تُحدد رؤيتها للشكل الجديد في العلاقات التركية السورية. في حين أن أردوغان يربط إعادة العلاقات مع النظام بالتعاون معه في مواجهة وحدات حماية الشعب الكردية وفي مسألة تأمين العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين إلى سوريا، ويشترط الانسحاب التركي من سوريا بمعالجة الهواجس الأمنية التركية وتحقيق تحول سياسي في سوريا في إطار قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فإن تجاهل المعارضة لمثل هذه المُحددات، يجعل الاستراتيجية التي تُقدمها غامضة وتنطوي على كثير من المخاطر على المصالح الأساسية لتركيا في سوريا. تبرز معضلة أخرى في استراتيجية المعارضة تتمثل في غياب موقف واضح بشأن كيفية تعاملها مع دور تركيا كضامن رئيسي للمعارضة السورية. وهذا الغياب يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا في ظل حكم المعارضة ستتخلى عن دور الضامن للمعارضة لحساب إعادة علاقاتها مع النظام، وينطوي أيضاً على مخاطر بشأن تداعيات تخلي تركيا عن دور الضامن خصوصاً فيما يتعلق بمستقبل المناطق التي تُديرها تركيا في شمال سوريا بالإضافة إلى منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب. في حين أن النظام السوري يربط أي مصالحة مع أنقرة بسحب قواتها من سوريا، لذا فإنه لن يكون بمقدور تحالف المعارضة إحداث تغيير جذري على السياسة التركية في سوريا دون تقديم التزامات واضحة وصعبة بالانسحاب العسكري من سوريا.

ـ ثالثاً، مع أن المعارضة تعد بإعادة العلاقات مع النظام السوري، إلآّ أنها لم تُحدد موقفاً واضحاً بشأن نظرتها إلى التفاهمات التي دخلتها تركيا مع روسيا وإيران بشأن سوريا، وما إذا كانت ستتراجع عن هذه التفاهمات في ضوء أنها ستعمل على إعادة صياغة العلاقات مع روسيا من منظور التأكيد على هوية تركيا كجزء من المنظومة الغربية. سيجد كليتشدار أوغلو صعوبة في الموازنة بين النهج الجديد الذي سيتبناه بشأن سوريا وبين الحاجة إلى مواصلة التفاهمات مع روسيا في سوريا. بالقدر الذي ساهم فيه النهج الاستقلالي الذي اعتمده أردوغان في صياغة الموقف من سوريا عن سياسة الغرب لا سيما الولايات المتحدة بعد النصف الثاني من العقد الماضي، ما شجع موسكو على منح أنقرة هامشاً أكبر في التحرك في سوريا لمواجهة المشروع الانفصالي للوحدات الكردية، فإن وعود المعارضة بإعادة صياغة العلاقات مع روسيا من منظور هويتها الجيوسياسية كجزء من المنظومة الغربية، يطرح تساؤلاً حول الكيفية التي ستتعاطى بها روسيا مع تركيا في سوريا في ظل حكم المعارضة. الافتراض السائد هو أن رغبة المعارضة في إعادة التأكيد على دورها في السياسة الخارجية كجزء من السياسات الغربية، سيدفع موسكو إلى التعامل بشكل مختلف مع تركيا في سوريا إذا ما وصلت المعارضة التركية إلى السلطة.

الواضح أن النقطة الوحيدة التي تجمع رؤية المعارضة واستراتيجية أردوغان في سوريا هي الحاجة إلى تحقيق حل سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة

ـ رابعاً، وعدت المعارضة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، لكنّها لم تُقدم رؤية واضحة لكيفية تنفيذ هذه السياسية. لم يتحدث كليتشدار أوغلو عن الكيفية التي سيوازن بها إعادة اللاجئين السوريين وتحقيق عودة طوعية وآمنة لهم في الوقت الذي بدا أنه يعد فيه بإعادة العلاقات مع النظام بدون شروط. من الواضح أن النقطة الوحيدة التي تجمع رؤية المعارضة واستراتيجية أردوغان في سوريا هي الحاجة إلى تحقيق حل سياسي وفق قرارات الأمم المتحدة لأن ذلك سيكون السبيل الوحيد لإقناع اللاجئين السوريين بالعودة. أخيراً، ستجد المعارضة أرضية رئيسية تستند إليها في إدارة موقف تركيا في سوريا وهي الإرث الذي سيتركه أردوغان فيما يتعلق بالحوار مع النظام، لكنّه لن يكون كافياً لصياغة استراتيجية واضحة وعملية من دون تحديد كيف سيتعامل كليتشدار أوغلو ـ إذا ما أصبح رئيسياً بعد الرابع عشر من مايو أو بعد الثامن والعشرين من مايو ـ مع الجوانب التفصيلية والمعقدة للموقف التركي في سوريا.