هل تعدى المبعوث الأممي إلى سوريا على اختصاصاته؟

2021.09.21 | 06:12 دمشق

thumbs_b_c_4496442174f5438adef3ecb97788443f.jpg
+A
حجم الخط
-A

تبدو زيارة وفد المعارضة السورية المؤلف من رئيس الائتلاف الوطني السوري ونوابه ومسؤولين فيه ورئيس هيئة التفاوض السورية ورئيس مكتب العلاقات الخارجية وعضو يمثل المجلس الوطني الكردي والرئيس المشترك للجنة الدستورية إلى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية وفي جدولها لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة وبعض وزراء الخارجية، تبدو زيارة أساسية وفي وقتها مع التساؤل ما مهمة المبعوث الأممي إلى سوريا غير  بيدرسون؟ ولعلَّ هذا السؤال يزداد أهمية مع زيارته الأخيرة لدمشق وتصريحاته المثيرة للجدل التي أطلقها هناك وتحدث فيها عن الظروف المعيشية للشعب السوري، فيما رأى دبلوماسيون في هذه الكلمات تعديا على اختصاصه، ولكن بداية لماذا؟

يؤكد دبلوماسيون أن تصريحات بيدرسون جاءت بعد أن سمح له النظام السوري بالحضور إلى دمشق بضغط من موسكو بعد أن رفض النظام قدومه لفترة طويلة بسبب تقريره لمجلس الأمن الذي أوضح فيه لأول مرة ولو بشكل موارب مسؤولية وفد النظام في تعثر اللجنة الدستورية.

وبالتأكيد ليس من صلاحياته البحث في النقاط التي ذكرها فقد قال: "بحثنا في التحديات الاقتصادية والإنسانية المتعلقة بمعيشة السوريين، وكيف يمكن لنا تحسين الوضع العام". فما علاقته بالتحديات الاقتصادية والإنسانية ومعيشة السوريين وهو مكلف بتسيير المفاوضات بشأن وضع دستور جديد لسوريا؟ وما علاقة تلك الموضوعات بكتابة دستور للبلاد؟.

 لم يتمكن بيدرسون في جميع جولات التفاوض السابقة من الدخول في نقاش بند أو حتى حرف واحد من الدستور، بل ولا حتى وضع منهجية للمفاوضات ولا تحقيق نقاش مثمر حول أي موضوع يتعلق بالدستور في أي من جولات التفاوض المزعوم، إذ إن كل ما جرى كان محاولات من وفد النظام لتمييع المواقف وإضاعة الوقت استنادا إلى آراء معارضين حضروا العديد من الاجتماعات السابقة معه.

ويؤكد بسام العمادي سفير سوريا السابق في السويد في تصريحات خاصة لتلفزيون سوريا أن بيدرسون ربما يريد إرضاء دمشق بهذه التصريحات التي ذهب بها بعيداً في النقاط التي ناقشها والتي لا علاقة لها في الحقيقة بموضوع اللجنة الدستورية.

وليبين لدمشق أنه ليس منحازاً للمعارضة كما تتهمه دمشق زوراً وبهتاناً، بل يرضيها لتسمح له بالاستمرار في وظيفته، ولو لم يكن كذلك لما اضطر للحديث عن نقاط يعلم تماماً أنها ليست من ضمن مهامه ولكنه كان مطالبا بالتصريح بها أمام المجتمع الدولي.

في واقع الحال وبعد سنوات من القتل والتدمير  يعد بيدرسون السوريين باستمرار بالتقدم دون أن نلمس أي شيء على الأرض رغم اللقاءات المتكررة والجولات المكوكية، لذلك يشير العمادي إلى أن بيدرسون والوسيط السابق ستيفان ديمستورا ومعظم الوسطاء الذين تعينهم الأمم المتحدة يريدون الاستمرار في العمل وخاصة إذا كانوا من المتقاعدين، فهذا يعيد إليهم شيئاً افتقدوه وفقدوه، وكذلك يجب ألا ننسى الراتب الكبير والتعويضات التي يتقاضونها في هذا العمل، لذا نلمس أنهم يحاولون إعطاء أمل كاذب بتحقيق تقدم في عملهم حتى ولو كانوا يعلمون بأن مهمتهم مستحيلة. وهم يعللون استمرارهم في تصريحاتهم غير المعلنة بأن لديهم أملاً بتغيير الوضع بالرغم من وضوح فشلهم بعد المدد الطويلة التي يقضونها في مهامهم.

والملاحظ أن كوفي عنان استقال بعد فترة قصيرة لأنه أدرك أنه لا يمكن التوصل لأي تقدم مادامت روسيا تقف بقوة مع النظام السوري وتدعمه سياسياً وبشكل مختلف عما يريده المجتمع الدولي من عودة سوريا كدولة مقبولة في هذا المجتمع.

ولم يتجاوز بيدرسون صلاحياته بحسب بعض المعارضين السوريين الذين شعروا بالاستياء أخيرا وخاصة أن بيدرسون التقى الائتلاف الوطني المعارض بعد زيارته لدمشق ولم يكن في جعبته أي شيء فيما ينتظر رد النظام لتحقيق أية انفراجة في الحل السياسي واللجنة الدستورية  وخاصة أن الجولة السادسة للجنة من المفترض أن تعقد قبل انتهاء النصف الأول لشهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل ليبقى الخلاف قائما منذ الجولة الماضية حول المنهجية وكيفية طرح المبادئ الأساسية للدستور القادم، وكيف سيتم بحثها.

ولكن السؤال الآخر الذي يطرح نفسه أيضا ماذا  كان يقصد بيدرسون بالمرونة التي طالب بها رئيسا اللجنة الدستورية أخيرا، وخاصة أنها كلمة باتت متكررة رغم أن أبعادها خارج طموحات الشعب السوري، فيلفت العمادي هنا إلى أنَّ المرونة والعبارات الأخرى التي يستعملها طالباً من وفد المعارضة التحلي بها فهي للأسف دعوات للتنازل تستر عورة تلك المفاوضات العقيمة، وبالطبع المعارضة هي الطرف الأضعف في هذه المعادلة، إذ ليس لها عناصر قوة ذاتية نابعة من حركة مسلحة ترهق الطرف الآخر لتجبره على التفاوض بجدية، ولا تتمتع بدعم دولي فاعل يجبر النظام على العودة عن غروره وعنجهيته والتعامل بجدية للتوصل لحل يرفع المعاناة عن الشعب السوري.