هل تدعم إيران حفتر في ليبيا؟

2020.05.19 | 00:00 دمشق

lybya.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تبدو ليبيا للوهلة الأولى بعيدة جغرافياً عن خريطة نفوذ واهتمامات النظام الإيراني، إلا أنّ نظرة فاحصة لطبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين النظام الليبي السابق والنظام الإيراني تقول عكس ذلك تماماً. إبّان الحرب العراقية - الإيرانية، لعب نظام معمّر القذافي دوراً مهمّاً في دعم نظام الخميني في إيران ضد العراق. في حقيقة الأمر، كان نظام القذافي واحداً من بين ثلاثة أنظمة في العالم قررت دعم الخميني آنذاك إلى جانب نظام الأسد في سوريا والنظام الكوري الشمالي ولاحقاً إسرائيل.

ويعدّ القذافي أوّل من منح صواريخ بالستيّة من طراز "سكود بي" إلى إيران ليتم استخدامها ضد العراق، والمفارقة أنّ القذافي أرسلها بشكل مجاني دون المطالبة بثمنها، بينما تكفّل نظام حافظ الأسد بتدريب عناصر إيرانية على استخدام الصواريخ البالستية وأمدّت كوريا الشمالية لاحقا إيران بالتكنولوجيا.

عندما اندلعت الثورة الليبية في العام ٢٠١١، أرسل بشّار الأسد حليف إيران الأوّل في المنطقة دعماً عسكرياً للقذافي ضد الشعب الليبي. ومع سقوط نظام الأخير، وُجِدَت مئات القذائف المجهّزة بمكونات كيميائية، وقد قيل حينها إنّ نظام القذافي قد حصل عليها على الأرجح من إيران بعد أن تلقت الأخيرة مساعدة من إسرائيل وبريطانيا لتطوير غاز الأعصاب والخردل في التسعينيات من القرن الماضي.

مع بداية العام ٢٠٢٠، زادت روسيا من دعمها المقدّم لخليفة حفتر الذي يقوم بانقلاب عسكري ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها أُمميّاً في طرابلس. وعلاوةً على الدعم المقدّم إليه من الإمارات ومصر وفرنسا، أرسلت موسكو عدداً كبيراً من مرتزقة شركة فاغنر عبر نظام الأسد إلى ليبيا.

في مارس الماضي، عادت العلاقة بين نظام الأسد وحفتر إلى الواجهة مجدداً، وذلك بعد تقارير تحدثت عن زيارة سريّة قام بها حفتر إلى دمشق ممّا مهّد الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما

في مارس الماضي، عادت العلاقة بين نظام الأسد وحفتر إلى الواجهة مجدداً، وذلك بعد تقارير تحدثت عن زيارة سريّة قام بها حفتر إلى دمشق ممّا مهّد الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. وسرعان ما تبع ذلك تقارير عن قيام شركة أجنحة الشام بنقل مرتزقة تابعين لنظام الأسد إلى بنغازي لدعم جهود حفتر العسكرية ضد الحكومة الشرعية والعاصمة طرابلس.

حكومة الوفاق الوطني ذكرت آنذاك أنّ من بين المرتزقة الذين تنقلهم الشركة عناصر من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، لكن في مقابلة له في مارس الماضي مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية أنكر أحمد المسماري، المتحدث باسم ميليشيات حفتر، وجود أفراد تابعين لحزب الله أو نظام الأسد في ليبيا مشيراً الى أنّها "أكاذيب إخوانية".

يدحض تقرير لجنة الخبراء الذي تمّ رفعه إلى مجلس الأمن في 24 نيسان/أبريل الماضي ادعاءات المسماري حول عدم مشاركة مرتزقة تابعين لنظام الأسد، إذ أكّد التقرير أنّ حفتر يستعين بحوالي ١٢٠٠ عنصر من مرتزقة فاغنر الروسية وحوالي ألفين من المرتزقة السوريين الموالين لنظام الأسد، علماً بأنّ هناك من يشير إلى أنّ الأرقام الحقيقية أكبر من ذلك.

وبالرغم من أنّ التقارير الأمميّة لم تشر حتى هذه اللحظة إلى دور إيراني في ليبيا، فإن هناك العديد من المؤشرات التي تؤكّد أنّه لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال لا سيما أنّ حلفاء إيران في سوريا هم أنفسهم الآن في ليبيا. فحفتر يُمثّل الحالة الأسديّة الليبية، ومن الممكن لإيران أن تستخدم ملفّه لتحسين علاقاتها أيضاً مع دول مثل مصر والإمارات، لا سيما بعد التماهي الإماراتي - المصري مع طهران في الملف السوري. يظهر هذا التماهي من خلال دعم أبو ظبي والقاهرة لنظام الأسد في استعادة سيطرته على كامل سوريا وإعادة مقعده في الجامعة العربية وتوظيفه ضد النفوذ التركي.

أمر آخر من الممكن أن يكون مفيداً للأجندة الإيرانية وهو محاولة إضعاف تركيا في سوريا من خلال إشغالها والغرب في الملف الليبي عبر دعم حفتر. يسمح ذلك لطهران أيضاً بتصفية حساباتها مع أنقرة في ساحة أخرى بدلاً من الاصطدام المباشر في سوريا كما حصل إبّان قصف المسيّرات التركيّة للميليشيات الإيرانية في إدلب بداية مارس الماضي.

الدور الإيراني في ليبيا قد لا يحتاج إلى إرسال عناصر إيرانية، إذ من الممكن أن ترسل طهران المحسوبين عليها بدلاً من إرسال جنودها، وبذلك تكون قد استفادت باتجاهين. الأوّل، الحضور في الملف الليبي دون تحمّل تبعات مباشرة، والثاني تعزيز نفوذها في سوريا من خلال ملء الفراغ الذي يتركه الموالون لنظام الأسد، وهو ما يحصل حالياً.

صحيح أنّ طهران لا تمتلك المال اللازم لتفعيل دور أكبر لها في ليبيا، لكن الساحة الليبية من الممكن أن تتحوّل كذلك إلى سوق لأسلحتها أو لتجارة الممنوعات أو لتبييض الأموال. قبل أيام فقط، ادّعى البعض استخدام ميليشيات حفتر لمُسيّرة إيرانية من طراز أبابيل فوق غريان. وبالرغم من عدم ثبوت صحّة هذا الامر، فإن هناك سابقة في هذا المجال. ففي أكتوبر/تشرين أول من العام ٢٠١٧، أظهرت صور من إحدى القواعد الجويّة الليبية التابعة لميلشيات حفتر وجود طائرة مسيّرة إيرانية الصنع من نوع مهاجر -٢.

قوات حفتر يائسة اليوم وبحاجة إلى السلاح من أي مكان، وباستطاعتها الحصول على أسلحة وذخائر إيرانية عبر نظام الأسد

وفي سياق حرب الطائرات من دون طيّار الجارية الآن في ليبيا لا سيما بين المُسيّرات التركيّة والمسيرات الإماراتية المصنّعة في الصين (طراز وينج لونج)، فإنّ ليبيا قد تتحوّل إلى ساحة اختبار للمُسيّرات الإيرانية أيضاً. قوات حفتر يائسة اليوم وبحاجة إلى السلاح من أي مكان، وباستطاعتها الحصول على أسلحة وذخائر إيرانية عبر نظام الأسد أو حتى عبر شركات توفّر المرتزقة والأسلحة وتعمل من الإمارات.

خلال الأسبوع الماضي، نشرت بلومبرغ تفاصيل تقرير سريّ تمّ تقديمه إلى الأمم المتّحدة عبر لجنة الخبراء المعنيّة بالملف الليبي ويكشف عن استعانة الإمارات بمرتزقة غربيين من خلال شركتين مقرّهما دبي وهما شركتي "لانكستر 6 دي إم سي سي"، و"أوبوس كابيتول أسيت ليمتد أف زيد إي". أكّد دبلوماسيون أن "الشركتين مولتا عملية لتزويد حفتر بطائرات مروحية وطائرات مسيرة وقدرات سيبرانية، من خلال شبكة معقدة من الشركات الوهمية".

في أواخر أبريل الماضي، قالت مجموعة العمل المالي (فاتف) أنّ الإمارات لم تفعل الكثير لمحاربة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. هذه الشركات عادةّ ما تكون غطاءً لتهريب أسلحة من وإلى عدّة دول من بينها إيران. على سبيل المثال، في العام ٢٠١٤، أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى أنّ حزب الله استطاع الحصول على معدات اتصال وملاحة وعلى قطع ومحركات متطورة للاستخدام في الطائرات من دون طيّار عبر شركات في الإمارات وأنّ الأخيرة ساعدت على تطوير قدرات حزب الله العسكرية. لا شيء يمنع إيران أو الإمارات من استخدام نفس الأساليب في دعم حفتر.

أمّا فيما يتعلق بعمليات التهريب، فقد اتهم وزير الداخلية الليبي، فتحي باشاغا، نظام الأسد بتهريب المخدرات إلى عدّة دول من بينها ليبيا عبر موانىء المنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة حفتر. وبالفعل، كانت عدّة سفن محمّلة بالمخدّرات وحبوب الكبتاجون قد ضُبطت مؤخراً وهي في طريقها من سوريا إلى دول أخرى من بينها سفينة تُدعى إيجي كراون محمّلة بأربعة أطنان من الحشيش كانت متّجهة إلى ميناء بنغازي.

ومن المعروف أنّ هذه السفن تأتي من ميناء اللاذقيّة في سوريا والذي يسيطر عليه النظام الإيراني ويستخدمه كمحطّة أساسية للتهريب عبر البحر، كما أنّ حزب الله يعتبر من روّاد تصنيع وتصدير المواد المخدّرة وعلى رأسها الكبتاغون إلى الخارج. وعادة ما تستخدم هذه الأموال من قبل الحزب وإيران كمصدر رديف لدعم تمويل عمليات النظام الإيراني التوسعيّة في المنطقة.

كلمات مفتاحية