هل تجمع العنصرية من فرقتهم السياسة؟

2020.11.18 | 23:36 دمشق

afdnee.jpg
+A
حجم الخط
-A

بينما كان يهمّ بالدخول إلى الكنيس في مدينة هامبورغ، تعرّض طالب يهودي لهجوم بفأس يحمله شاب ألماني يوم الأحد في الرابع من أكتوبر عام 2020، وتبيّن لاحقاً أنّ للهجوم خلفيات يمينية متطرّفة. وكتبت صحيفة دير شبيغل "الألمانية أن منفذ الهجوم، وهو ألماني من أصل كازاخي، كان قد خدم بشكل طوعي في الجيش في عام 2016، واجتاز تدريبا أساسياً لمدة ثلاثة شهور على استخدام السلاح، قبل أن يعمل لاحقا كمسعف". استدعى الحادث على الفور انتقادات من أعلى المستويات في الحكومة الألمانية، وكان أبرزها قول وزير الخارجية هايكو ماس بأنّ "هذه الحادثة ليست حالة منعزلة، هذه معاداة للسامية مقززة ويجب علينا جميعاً معارضتها".

تذكّرنا هذه الحوادث بالهجوم المماثل على كنيس يهودي وقع قبل عام في مدينة هاله، والذي قُتل من جرّائه شخصان وسقط بعض الجرحى، وتذكرنا أيضاً بالهجوم على مدينة هاناو في شهر شباط من هذا العام والذي راح ضحيته عددٌ كبير من المسلمين في المدينة. وكان الرئيس الألماني فرانك شتاينماير قد قال في خطابه الذي ألقاه يوم 26/9/2020، بمناسبة الذكرى الأربعين للاعتداء الإرهابي الذي وقع في مهرجان أكتوبر فست بمدينة ميونخ، والذي راح ضحيته عشرات القتلى ومئات الجرحى حينها "إن أعمال القتل التي ارتكبها إرهابيون من اليمين المتطرف في العقود الأخيرة لم تكن بسبب اختلال. إن المنفذين كانوا منخرطين في شبكات الكراهية والعنف، أو تم تحريضهم على ارتكاب أفعالهم. يجب رصد هذه الشبكات. يجب أن نحاربها بحزم أكثر من قبل"  

وفي وقت سابق أعلن حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD) عن قرار رئيس الحزب أليكسندر غاولاند، طرد القيادي السابق في الحزب كريستيان لوت، بعد التصويت بالإجماع في القيادة التنفيذية للحزب على ذلك. وقد جاء قرار الطرد على خلفية ما نُسب للقيادي المطرود في فيلم وثائقي لقناة (ProSieben) من قوله بخصوص الهجرة والمهاجرين "حزب البديل مهم، وهذه حالة فصام لا مراء فيها، ولطالما ناقشنا هذا مع غاولاند، فكلما ازدادت ألمانيا سوءاً كان هذا أفضل لحزب البديل، لا يزال في مقدورنا قتلهم جميعا رمياً بالرصاص، ليس في هذا مشكلة على الإطلاق، أو أن نقتلهم بالغاز السام أو كما يحلو لك، لا يهمني". 

وقبل أسابيع أيضاً تم طرد 14 عشر شرطياً في ولاية راين فستفالن من الخدمة وإحالة 15 عشر آخرين على التحقيق، بعد أن تم اكتشاف مجموعات خلايا يمينية منظمة تضمهم ويتبادلون من خلالها الصور والمحادثات العنصرية وذات الطابع العدائي للمهاجرين والأجانب.

واستجابة منه للمطالبات الكثيرة بمحاربة تصاعد الكراهية والتطرّف اليميني في أوروبا، عيّن المجلس الأوروبي السياسي المخضرم هولتكن دانيال مبعوثاً خاصاً لشؤون معاداة الساميّة وعداء المسلمين، وجاء في كلمة الأمينة العامة للمجلس، ماريا بوريتش، بهذا الخصوص: "الإسلام ينتمي اليوم إلى أوروبا، تمامًا مثل اليهودية.  ومع ذلك فإن العديد من المواطنين اليهود، والمسلمين يرون أنفسهم الآن معرضين للتحريض المتزايد - أيضًا على الإنترنت - ويخافون من الهجمات الإجرامية.  إن محاربة معاداة السامية، ومعاداة المسلمين مهمة أوروبية".

الحقيقة أنّ نقاش حالة المدّ اليميني في ألمانيا يجب ألا يكون في معزل عن حالة المدّ الذي يحققه اليمين في أوروبا والعالم بأسره، فمن الهند شرقاً إلى أميركا والبرازيل شمالاً إلى روسيا ودول المعسكر السوفيتي السابق مثل بلغاريا وصربيا والمجر وبولندا، إلى النمسا وإيطاليا وفرنسا والدانمارك في أوروبا الغربية، نجد أنّ اليمين يحقق انزياحات كبرى نحو السلطة. 

الحقيقة التي لا يجهر بها الغربيون والتي يقفزون عنها بكل فجاجة، أنّ المجتمعات الغربية لم تستطع أبداً التأقلم مع الوجود اليهودي فيها

لا يمكن حصر أسباب نجاح اليمين واليمين المتطرّف بأسباب الهجرة واللجوء فقط بكل تأكيد، فالنزعات القومية المتجددة والأزمات الاقتصادية تلعب بلا شك أدواراً مهمة في ذلك. كما إنّ سهولة استخدام الإعلام ووسائل التواصل لطرح الخطاب والأفكار الشعبوية جعلا من اليمين تياراً برّاقاً جاذباً للناخبين، مثلما كانت شعارات تنظيم داعش الإرهابي ساحرة لكثير من الشباب الضائع من جهة ومغرية لكثير من شذّاذ الآفاق الطامحين إلى السلطة والثروة بطرق سريعة وخارجة عن المألوف.

يواجه الأجانب في ألمانيا كما في أوروبا والعالم بأسره معضلة الرفض من فئات شعبية واسعة، بينما تطالبهم الحكومات وفئات أخرى بالاندماج ضمن بيئة المجتمعات التي يعيشون فيها. والحقيقة أنّ الاندماج ليس بالعملية السهلة، لأنه يحتاج إلى تفاعل بين أطراف مختلفة، هي المهاجرون الأجانب والشعوب المضيفة والحكومات والأحزاب والقوى المجتمعية الأخرى. فلا يقع العبء على المهاجرين وحدهم بكل تأكيد. القضيّة أعقد من أن تتحمّل وزرها الفئات المهمّشة والمستضعفة من اللاجئين والمهاجرين، فهؤلاء هم الحلقة الأضعف في سلسلة الترابط المحكي عنها سالفاً.

لكن ما يواجه اليهود في ألمانيا خاصّة، مختلف عمّا يواجه غيرهم من المهاجرين، فهؤلاء مواطنون أوروبيون بكل معنى الكلمة، ولطالما تشدّق الساسة الأوروبيّون بالجذور اليهودية المسيحية للثقافة الغربية، في محاولة منهم للتمايز عن باقي الحضارات ومنها العربية الإسلامية. فبالمقارنة بين الوجود الإسلامي في أوروبا عموماً وبين الوجود اليهودي، يمكننا القول إنّ الأول طارئ، بينما الثاني أصيل ومتجذّر هناك. 

الحقيقة التي لا يجهر بها الغربيون والتي يقفزون عنها بكل فجاجة، أنّ المجتمعات الغربية لم تستطع أبداً التأقلم مع الوجود اليهودي فيها. لم تكن المحرقة النازية لليهود إلا تتويجاً لحالة النبذ المجتمعي والرفض الداخلي لهم في أوروبا عموماً. لا يمكن بأي حال نسيان المذابح التي تعرّض لها اليهود في الأندلس بعد سقوط آخر الإمارات الإسلامية هناك في آواخر القرن الثالث عشر. لقد كانت محاكم التفتيش التي استكملت عمليات طمس الهوية الدينية لمن بقي من اليهود والمسلمين في تلك البلاد، مقدّمة لأفران الغاز ومحارق هتلر. المشكلة أنّ الربط بين الأحداث يغيب سهواً أو عمداً عند قراءة التاريخ.

الآن، وفي بداية الألفية الثالثة، يجد أبناء إبراهيم الخليل أنفسهم أمام تحدّ متجدد. ورغم أنّ الأديان السماوية كلّها شرقية المنبت، إلا أنّ المسيحيّة أخذت مركزيتها في أوروبا بعد أن اعتنقها قسطنطين العظيم، وهذا ما يجعلها تظهر على الدوام في خلفية الصراعات الحضارية مع المشرق. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم على اليهود والمسلمين في ألمانيا، هو إن كان بإمكانهم توحيد جهودهم لمحاربة التطرّف اليميني الذي يستهدف وجودهم هناك بالدرجة الأولى. وهل يمكن أن يتناسى هؤلاء ما صنعته أوروبا ذاتها بينهم من مشكلات هائلة تمثّلت في إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين؟

تحتاج الإجابة على هذه الأسئلة كثيراً من البحث والتدقيق، كما تحتاج إلى عقليات مختلفة تقارب الأمور من زوايا غير تقليدية كالتي اعتدنا عليها منذ أجيال. فهل نشهد يوماً وحدة بين من فرقتهم السياسة والمواقف المبدئية في الشرق، بسبب النضال ضد العنصرية والتطرف في الغرب؟ هذ ما ستخبرنا به قوادم الأيام.