هل تتنافس طهران وأبو ظبي في دمشق؟

2021.11.14 | 06:12 دمشق

6565-3.jpg
+A
حجم الخط
-A

أسوأ ما يكتنف المقال السياسي أن يضع احتمالاً واحداً لاستنتاجاته حول حدث ما، بينما الصحيح هو أن الاحتمالات تتعدد بتعقد المصالح بين الدول، والتي لها أوجه كثيرة، لا سيما حينما يَضعفُ النظام السياسي في بلد ما، وتَكثُر التدخلات الخارجية وتتواجه الدول العظمى على أرضه، أميركا وروسيا.

شكلت زيارة وزير خارجية الإمارات منذ عدّة أيامٍ حدثاً دبلوماسياً للنقاش في مسار التطبيع بين نظام الأسد والعالم العربي، ومن مقتضيات ذلك التطبيع والتخفيف من الحضور الإيراني والتقارب بين نظام دمشق وإسرائيل بالضرورة، والزائر الحليف الأبرز لإسرائيل، وأقلّها منذ اتفاقيات أبراهام 2020. عكس ذلك، إن الوجود الإيراني راسخ وقوي، وتتحالف إيران مع الروس، وهناك مصالح كبرى بين نظامي دمشق وطهران، وقوّيت بسبب الدعم الكامل للنظام السوري في مواجهة ثورة الشعب منذ 2011.

إن زيارة الوفد الدبلوماسي الإماراتي تأتي في إطار جس النبض بالنسبة للموقف الأميركي، وكذلك بعد إعادة العلاقات بين نظام الأسد والأردن

منذ 2018 افترقت أبو ظبي عن الرياض، وأعادت علاقاتها مع إيران، وكذلك بنت شراكة مع تل أبيب، وإذا كانت العلاقة اضطرارية مع طهران بحكم التقارب الجغرافي وضعف أبو ظبي ودول الخليج عامة إزاء إيران، فالعلاقة مع تل أبيب تبدو بطور الترسخ والثقة أكثر فأكثر، ولكن هل وضع نظام الأسد وعلاقاته التاريخية مع طهران يسمحان له بالقفز إلى الحضن العربي، وإقامة علاقات سلام وتطبيع مع الكيان الصهيوني، كما يُستَشفُ من تحليلاتٍ صحفية كثيرة، وبالطبع، تدعم ذلك واشنطن وموسكو.

إن زيارة الوفد الدبلوماسي الإماراتي تأتي في إطار جس النبض بالنسبة للموقف الأميركي، وكذلك بعد إعادة العلاقات بين نظام الأسد والأردن، ومطالبات الجزائر الملحة بضرورة عودة النظام إلى الجامعة العربية، وهناك جملة علاقات دبلوماسية، غطاها الإعلام العربي عن لقاءاٍت وزير خارجية نظام الأسد مع زملائه العرب مؤخراً، وأخيراً، وهو الأهم العلاقات الاقتصادية الجديدة عبر خط الغاز والكهرباء من مصر والأردن وإلى لبنان وعبر سوريا، وعدم رفض الإدارة الأميركية لهذه الخطوات، مع تأكيدها أنها لن تطبع مع النظام وستُبقي على قانون قيصر.

القضية الآن، ولو توسعنا بالإحاطة بها، تكمن في التعقيد الكبير الذي يشوب المسار السياسي السوري الجاد، وغياب التنسيق الأميركي الروسي بخصوص صفقة سياسية تضع حداً للسياسات المختلفة بينهما تجاه الوضع السوري، وأمّا قضايا الاتفاق فتقتصر على استمرار فتح المعابر للمساعدات الإنسانية وعدم التصادم العسكري المباشر. غير ذلك، إن الأميركان ينتهجون سياسة الخطوة خطوة، ومنها التعافي المبكر والسماح ببعض الأموال لقضايا الصحة مثلاً، ويدفعون المعارضة السورية وقسد للتقارب مع نظام الأسد، ومع موسكو وذلك من أجل تقريب وجهات النظر والبحث عن مشتركات. إن إعطاء أميركا لروسيا الإشراف على علاقات المعارضة وقسد مع النظام، لا يعني أن هناك صفقة سياسية قريبة الأجل، حيث لا تعمل عليها واشنطن، وتستمر موسكو بمساراتها عبر الأستانة واللجنة الدستورية ومحاولة تعويم النظام عربياً ودولياً.

يعاني الوجود الإيراني في سوريا من رفضٍ كبير له، إقليمياً وعربياً وعالمياً، ولاحظ كل المحللين أن الضربات الإسرائيلية ازدادت حدّتها بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو، والاستنتاج هنا، أن موسكو سمحت لتل أبيب بالضربات شريطة الابتعاد عن مواقع الجيش السوري. قضية هذا الوجود مطروحة كذلك على نظام الأسد، وورقة اللاورقة الأردنية وملحقها السري المعلن عنه مؤخراً تطرحه بوضوحٍ شديد، وبالتأكيد زيارة وزير خارجية أبو ظبي تأتي بهذا الاتجاه، ولإغراء دمشق بالابتعاد عن محور طهران. ما العمل الآن بالنسبة لطهران ودمشق أيضاً، حيث تعاني كلتيهما من رفضٍ دوليٍّ وإقليميٍّ واسع لسياساتهما، وتوضع شروط كثيرة من أجل القبول بإيران إقليمياً والإبقاء على نظام الأسد.

إن الضربات الإسرائيلية في سوريا، والتهديد بمثلها داخل إيران، لا ترفضها واشطن بصفة عامة، وبالوقت ذاته تلجم تل أبيب عن القيام بها في الداخل الإيراني، ولا سيما قبل معرفة مصير الاتفاق النووي، وسيّعقد اجتماع بخصوصه في أواخر هذا الشهر. أيضاً تتذمر واشطن من السياسات الإيرانية في لبنان واليمن والعراق وسوريا بالتأكيد، ولن نتوسع في أسباب التذمر كثيراً؛ فهناك حادثة الهجوم على رئيس الوزراء العراقي، والتحرش بسفن النفط في خليج عمان، ورفض الحوثيين عقد اتفاقيةٍ للسلام، وأيضاً محاولة حزب الله إيقاف كل أشكال التحقيق في قضية مرفأ بيروت وتصعيد الموقف نحو تهيئة الأجواء نحو "حربٍ أهلية" في الداخل اللبناني؛ إذاً، هناك قضايا كثيرة ترفضها واشنطن في سياسات طهران، وقد نرى الموقف من التصعيد على ضوء الاتفاق النووي، فإن حصل، فهناك سياسات إيجابية مع طهران، وإن تعثر هناك سياسات سلبية ضدها، ووفقاً للحالتين ستتغير معطيات كثيرة في المنطقة!

إيران مجبرةً على تُخفيض وجودها العسكري في غربي سوريا، وتحاول جاهدة ألّا تتعارض مصالحها مع روسيا، وتفوز باستثمارات اقتصادية كبيرة

لا يخشى صاحب هذا المقال من هذه الزيارة، وهو ليس من المُهمشين لخطورة مسار التطبيع الذي ينتهجه النظام وتدعمه روسيا وحتى إيران ولا تتخذ الإدارة الأميركية موقفاً صلباً تجاهه. ما هو واقعي حالياً، أن إيران مجبرةً على تُخفيض وجودها العسكري في غربي سوريا، وتحاول جاهدة ألّا تتعارض مصالحها مع روسيا، وتفوز باستثمارات اقتصادية كبيرة، وأن تحافظ على وجودٍ عسكريٍّ في المنطقة الشرقية وحلب بصفة خاصة وبمحيط إدلب. لا شك أن إيران تضع أوراقها الإقليمية على طاولة التفاوض السري والعلني مع أميركا، وما لن تتراجع عنها هي مصالحها الاقتصادية ويمكن فقط التخفيف من وجودها العسكري، أو التضحية بالميليشيات التي تأتمر بأوامرها، وتقدم لها كل أشكال الدعم المالي والسلاح. إن تحقيق ذلك يرتبط بشكلٍ عميقٍ برفع كل أشكال العقوبات الاقتصادية، وربما بضمان تعويم نظام الأسد من جديد، وطيّ ملفاته وملفات الدور التدميري والإجرامي لإيران في سوريا، وهذا مما لا يمكن طيّه، وبالتالي، وفي الوقت الذي يستمر فيه قطار التطبيع بالتحرك البطيء فلن يحدث التصادم بين مصالح أبو ظبي ورغبتها المستقبلية بالاستثمار في سوريا المدمرة وطهران في دمشق؛ فهل نشهد تقارباً أكبر بين الروس والأميركان وتنازلات من هاتين الدولتين، وبما يمهد إلى صفقة سياسة تنقذ موسكو من تخبطها في سوريا وتسمح لواشنطن بالمغادرة؟ دون الفكرة الأخيرة ليس من تطبيعٍ كامل وليس من تقاربٍ كبير بين المحاور المتعاكسة في سوريا.