هل بدأ انهيار النموذج السويدي؟

2021.11.30 | 06:28 دمشق

thumbs_b_c_5981896456377188c8b95939772b5342.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما الذي يجري في السويد؟ وهل تطول هذه التحولات العميقة بنية وثقافة المجتمع السويدي؟ وهو المجتمع المعروف عالمياً بأنه يميل في غالبيته المطلقة نحو الانفتاح والسلام واللاعنف، ويبتعد إلى حد كبير عن ثقافة التعصب ونزعات العنف.

وما الذي دفع "ماغدالينا أندرسون"، بعد ثماني ساعات فقط من فوزها في التصويت على رئاستها للحكومة السويدية لتقديم استقالتها، رغم أنها مرشحة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يقود التحالف الحاكم، وقد خلفت السيد "ستيفان لوفين" الذي احتل موقع رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمدة عشر سنوات، ورئاسة الحكومة لمدة سبع سنوات، واستقال من كل مناصبه في الثاني والعشرين من شهر آب الماضي، وهي المرأة السويدية الأولى التي تفوز بمنصب رئاسة الوزراء.

في وقائع السنوات التي أعقبت الانتخابات البرلمانية الأخيرة 2018م، ظهرت مؤشرات كثيرة دللت بوضوح على عمق الأزمة السياسية في السويد، ونبهت إلى احتمالات دخول السويد في مرحلة جديدة تختلف كثيراً عن الوجه السائد والمعروف لها، وبغض النظر عن كيفية الخروج من هذه المعضلة المؤقتة، والمتعلقة برئاسة الحكومة، فإنّ هذه الأزمة تشير بوضوح إلى أن السويد تقف على مفترق طرق تاريخي، في صيغتها السياسية القائمة منذ ما يزيد على قرن.

في قراءة متأنية لنتائج الانتخابات البرلمانية، في الدورات الثلاث السابقة، يُمكننا ملاحظة نمو مفاجئ وسريع للحزب اليميني العنصري (ديمقراطيو السويد)، والذي يرمز له ب((SD))، والذي لم يتمكن من تجاوز عتبة الـ4% التي تؤهله لدخول البرلمان، إلا في انتخابات 2010، وحصل فيها على 5,7%، ويومئذ  فوجئ الجميع بهذه النتائج، لا سيما أن هذا الصعود لليمين المتطرف، رافقه تراجع في نتائج الحزب الاشتراكي الديمقراطي بنحو 4%.

في انتخابات 2014م، حقق حزب الـ(( SD )) نسبة أخرى صادمة إذ بلغت نسبة المصوتين له 13%، وفي آخر انتخابات جرت عام 2018م، حقق 17،5%، وأصبح بذلك الحزب الثالث بعدد الناخبين بعد الاشتراكي الديمقراطي، والمحافظين.

في آخر استطلاع للرأي قام به المكتب المركزي للإحصاء في السويد "SCB "، خلال العام الحالي 2021 م، حصل الـ ((SD )) على 25,4%

عقب كل انتخابات، كانت معظم قيادات الأحزاب تسارع لإعلان رفضها التحالف مع حزب "ديمقراطيو السويد"، إذ إن ثقافة المجتمع السويدي المنفتحة، وتاريخه الطويل، وإرثه في معاداة العنصرية والعنف، لم تكن لتسمح لهذه الأحزاب أن تفكر في الاقتراب مما يُعتبر مرفوضا لدى المجتمع السويدي، ومنافياً لثقافته ولإرثه السياسي.

في آخر استطلاع للرأي قام به المكتب المركزي للإحصاء في السويد "SCB "، خلال العام الحالي 2021 م، حصل الـ ((SD )) على 25,4%، بينما حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقود الائتلاف الحاكم على 24،3%، ليس هذا ما يصدم فقط، بل إن الاستطلاع أورد رقما آخر يدعو للصدمة أيضا وهو أن 23% من أصوات اللاجئين والمهاجرين، ذهبت لصالح الحزب الذي يرتكز في جوهر سياسته على معاداة الهجرة، ورفض اللاجئين.

إذا كان للأرقام السابقة معناها المهم في توجهات برامج وأطروحات الأحزاب السياسية في السويد، وفي التركيبة السياسية المحتملة للبرلمان السويدي، فإنّ المعنى الأهم في هذه الأرقام، هو أنها تعكس في جوهرها توجهاً جديداً في الشارع السويدي، وانزياحاً باتجاه اليمين في جملة الركائز الثقافية والسياسية للكتلة الناخبة، هذا الانزياح دفع الأحزاب السياسية للانزياح هي الأخرى، وبالتالي فإنّ معايير اليمين واليسار التي كانت سائدة قبل عقود لم تعد هي نفسها اليوم، فالمشهد السياسي السويدي ينزلق بكامله باتجاه اليمين.

ما يحدث في السويد، هو ذاته ما يحدث في الدول الأوروبية كلّها، لا بل ربما تكون السويد هي آخر البلدان في هذه التغيرات التي تطول المجتمعات الأوروبية، وكثيراً ما تحدّث ساسة سويديون عن قوة المجتمع السويدي، وعراقته في إرث الديمقراطية والانفتاح، والتصدي للعنصرية والعنف.

منذ مطلع الألفية الثالثة، بدأت مؤشرات جديدة تظهر بوضوح في المشهد التقليدي للانتخابات البرلمانية الأوروبية الذي أطّر إلى حد كبير الحركة السياسية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، تتلخص هذه المؤشرات بتنامي وصعود القوى اليمينية، وتراجع دور اليسار ويسار الوسط في عموم أوروبا، ومردّ هذا التغير، يُمكن تلخيصه بعوامل ثلاث أساسية:

  1. موجة صعود اليمين والتطرف وثقافتهما في العالم، خصوصاً بعد الضخ الإعلامي الهائل الذي رعته أميركا لتبرير حربها على العراق، ومن ثم في أفغانستان، ومن ثم وصول ترامب وبوتين إلى قيادة أميركا وروسيا.
  2. الأزمات الاقتصادية العالمية، ومخاوف الأوروبيين من تدني مستوى الرفاهية التي وصلوا إليها.
  3. أزمة الهجرة واللجوء، والتي وضعت أوروبا في مواجهة سؤال كبير يتعلق بمدى ملائمة قوانينها للمستجدات العالمية، وهل ستبقي على سياساتها التي تحفز اللاجئين لاختيارها كملاذ آمن لهم من الحروب والكوارث التي تشهدها بلدانهم، وهذا ما دفع معظم أحزابها لملاقاة الرأي العام المتنامي الرافض لسياسات الهجرة واللجوء.

رغم أن الخلافات بين الأحزاب السويدية تتركز حول البرامج الاجتماعية والخدماتية، وما تطرحه تلك الأحزاب تجاهها هو ما يهم المواطن السويدي، مثل قضايا التعليم، والصحة، والعمل، والرفاهية، والأجور، والتقاعد، ومكافحة الجريمة، فإن القوى المتطرفة والفاشية في أوروبا عامة، وفي السويد أيضا، انتهجت سياسة دغدغة عواطف، ومشاعر الناخبين عبر برامجها التي رمت باللائمة كلها على كاهل الأجانب، واعتبرتهم السبب الرئيسي في تدني مستوى رفاهية المواطنين الأساسيين، وتقليل فرص العمل أمامهم، وحملتهم مسؤولية زيادة مستوى العنف والجريمة، متجاهلة الأسباب الأخرى، سواء الداخلية أو الخارجية، ومستفيدة في توجهها هذا من ممارسات متطرفة، وغير قانونية تمارسها فئات من اللاجئين والمهاجرين، الأمر الذي أدّى إلى تنامي النظرة العدائية لكامل فكرة اللجوء والهجرة، وجعل من مصير اللاجئين كرة تتقاذفها الأحزاب لتزيد من أصوات ناخبيها.

هل ترتدي السويد وجهاً جديداً رفضته طويلاً طويلاً؟ وهل تنهار تلك الصورة القديمة لبلد شكّلت – ولاتزال -  الديمقراطية والشفافية وحرية الرأي والإعلام، وتقبل الآخر أهم ملامحه؟

في الانتخابات المقبلة التي ستجري في العام 2022، (إذا لم تحدث انتخابات مبكرة)، ثمة تخوف من أن يستطيع حزب "ديمقراطيو السويد " اليميني المتطرف، من حصوله على أعلى نسبة من الأصوات، الأمر الذي يرشحه لتشكيل الحكومة، ورغم أن كل الأحزاب بما فيها اليمينية الأخرى، أعلنت سابقاً عن رفضها التحالف معه لتشكيل ائتلاف حكومي، فإن التصريحات الحالية تتجاهل التصريحات القديمة، وتفتح الباب أمام تحالف يميني قادم بقيادة اليمين السويدي المتطرف.

هل ترتدي السويد وجهاً جديداً رفضته طويلاً طويلاً؟ وهل تنهار تلك الصورة القديمة لبلد شكّلت – ولا تزال -  الديمقراطية والشفافية وحرية الرأي والإعلام، وتقبل الآخر أهم ملامحه؟

سؤال برسم القادم من الأيام، وبرسم المثقفين والمفكرين والساسة السويديين.