هل الشعب السوري واحد؟

2021.10.06 | 06:01 دمشق

1-54.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما تزال مأساة السوريين المتكررة تتصدر أحاديثنا وحكاياتنا، ولأننا اعتدنا حكاية الحرب فالمأساة الأكثر حضوراً اليوم هي مأساة التهجير أو العنصرية التي يتعرض لها السوريون في أماكن مختلفة من العالم.

تقع الأشياء في فخ الاعتياد في حال تكررت، لا لأنها قد تفقد أهميتها، وإنما لأن الإنسان يصبح غير مكترث للأشياء حين تزداد وتيرتها، ويدخل بسرعة في محاولة اعتياد جديدة بهدف التأقلم، لذلك وعلى الرغم من أننا نعاني من كل ما سبق ذكره إلا أن محاولاتنا بعد حين، تتحول إلى التأقلم مع شروط الحياة الجديدة ولا تتعدى إلى محاولة حل المشكلة.

لكن ما يبدو من زاوية أخرى، أن الأشياء التي يعاني مّنها السوريون بشكل أكثر هي تلك التي تبقى طيّ الكتمان، أو تلك التي يخجل السوريون من المجاهرة بها خوفاً من انتشارها على الملأ.

فنحن مثلما نمتلك كثيراً مما يجعلنا نفاخر به أمام الشعوب من مثابرة ونجاح، وبقدر ما نعد شعباً حيّاً لا يستكين لقدره ولا يصبر على ضيم أو إهانة، بقدر ما نخفي في جعبتنا كثيراً مما يُخجل عراقتنا ويصمنا بوصمة عارٍ قد تستمر إلى وقت طويل.

العالم مصاب بالعور ذلك أمر لا شك فيه، لكننا لا يمكن أن نعيب ما يفعله الآخرون بنا، بينما يمارس بعضنا ضد البعض الآخر العنصرية ذاتها والفوقية والإذلال

نطالب بالعدالة ونظلم من هو أكثر ضعفاً، نحلم بالسلام ولا نفتأ نفتعل المشاجرات والحروب على أشياء أقل ما قد يقال عنها إنها فارغة، ننتظر إنصاف العالم لينتصر لقضيتنا ويمعن بعضنا في إيذاء بعضنا الآخر.

العالم مصاب بالعور ذلك أمر لا شك فيه، لكننا لا يمكن أن نعيب ما يفعله الآخرون بنا، بينما يمارس بعضنا ضد البعض الآخر العنصرية ذاتها والفوقية والإذلال.

ما فعله وجهاء بلدة "حزانو" لا يمكن أن يبرره ما ساقوه من مبررات تتمثل بمحاولة التهدئة أو محاولة إيجاد حل لمشكلة ومشاجرة، أو أياً كان من المبررات التي لا يمكن أن تكون علة وسببا وجيهاً وتبقى في إطار تجميل الموقف الذي وضحت قباحته أصلاً، وحتى وإن جاء الاعتذار بعد ذلك فإنه لا يلغي حقيقة المشكلة التي تواجهنا، وهي اعتبار المهجرين ضيوفاً ثقلاء الظل قد نضيق بهم، وقد نستخدم ضدهم حقنا في إخراجهم من الديار التي تعود ملكيتها لنا عند حدوث خلاف.

نعم فعلها العقلاء.. فعلها من أوتوا الحكمة وقرروا حل المشكلة من جذرها، فوقعوا بياناً جمعوا فيه أصواتهم لتهجير النازحين واعتقدوا بذلك أنهم نجحوا في إنهاء النزاع، غير أنهم لم يفعلوا شيئاً سوى أن أظهروا على الملأ حقيقة النزاع الخفي الذي يدور بين السوريين من دون أن يتجرأ أحد على المكاشفة به.

من قال إذاً إننا لا نمتلك الفطنة لحل المشكلات، أو أننا كسوريين لا نستطيع توحيد كلمتنا، ها نحن نفعلها الآن، لكننا وحدنا كلمتنا وقوانا بعضنا ضد الآخر.

الفكرة غريبة بقدر ما هي مؤلمة، فمن يملك الحق في منح الآخر الإذن بالسكن والاستقرار في هذا المكان من غيره، فالأرض من المفروض أن تكون ملكاً للجميع، إذا لم يكن ذلك بدافع الإنسانية وإغاثة الملهوف، فلأن الجميع يدفع أموالاً لقاء السكن والمأكل والملبس والمشرب، أو ربما من باب أننا أبناء وطن واحد وللجميع الحق في أن يختار مكاناً للسكن من دون أن يكون لآخر الحق في منعه لأن الجميع سواسية.

فإذا لم نتمتع بهذه الصفات البسيطة التي تجعل من الإنسان إنساناً أو تبين للعالم أننا أصحاب قضية محقة، فعلينا إذاً ألا نغضب من هذه السلوكيات إذا كانت شعوب الدول المستضيفة تمارسها ضدنا.

لم يحدث يوماً إلا أن غضب السوريون من حالة العنصرية أو فاض ألمهم بسبب معاناة التهجير والنزوح، وهم محقون في ذلك من دون شك، لكننا نفتقر إلى الحكمة في مراجعة النفس والجرأة في مكاشفة أنفسنا بالمشكلة الحقيقية التي نعاني منها، وهي أننا بقدر ما نعاني من عنصرية الآخرين بقدر ما يمارس بعضنا عنصرية مضادة تجاه البعض الآخر بحجج كثيرة ولأسباب نمتنع عن المكاشفة بها مثل الاختلاف في الانتماء أو الاختلاف في المذهب أو العقيدة.

إن نصف حل المشكلة يكمن في التشخيص، لكننا ما زلنا نعجز عن مواجهة أنفسنا بنقاط الضعف التي أوصلت بنا الحال إلى هذه النقطة من العجز والأنانية

يشقّ صف المجتمع السوري تشرذمه وارتباط كل جماعة بمرجعية مختلفة تبعاً لولاءات إثنية واجتماعية وعرقية ومناطقية، لا تشبه مبادئ الثورة التي خرجنا بها أمام آلة الاستبداد وواجهنا فيها العالم أجمع، ما يبين أن المجتمع في جوهره مجتمع مهشم وينضوي على كنتونات تختلف أهدافها ولا تشترك في أساليبها، لكننا نعاني أكثر ما نعانيه من مشكلة الازدواجية والادعاء بأننا مؤمنون بأهداف الثورة التي واجهنا العالم من أجلها في حين أننا نحيد عن مسارها تماماً في حال تضاربت مع مصالحنا الشخصية أو تعارضت معها.

إن نصف حل المشكلة يكمن في التشخيص، لكننا ما زلنا نعجز عن مواجهة أنفسنا بنقاط الضعف التي أوصلت بنا الحال إلى هذه النقطة من العجز والأنانية، وجعلت منا ضيوفاً ثقيلي الظل وغرباء عن بعضنا الآخر.

ليست مشكلة المجتمع السوري حديثة العهد وإنما قديمة بفعل ما راكمته سنوات الاستبداد من تفرقة وبث بذور الحقد بيننا فما عدنا نشكل مكوناً واحداً للدولة السورية، لكن المشكلة أننا ما زلنا نحمل هذه المبادئ والضغائن بعد عقد كامل من ثورة الحرية والكرامة، معتقدين أن تصدير الشعارات الفضفاضة التي لا نطبقها في الحقيقة يكفي لتحقيق النصر.