هفوات حبكة مسلسل "الحبّار" وتطبيقاتها السياسية

2021.11.13 | 06:22 دمشق

1_150.png
+A
حجم الخط
-A

إنَّ جوهر فكرة مسلسل الحبار وحبكته هو الصراع بين الإخوة بالقمار، وهو قمار بالروح والجسد، فمن لم يخسر جسده ووجوده خسر روحه، حتى إنّ ديون بطل المسلسل سببها القمار على سباق الخيول، والفائز وحيد في المقامرة الكبيرة، ولا يشبه فائز المسلسل الوحيد فائز فيلم المليونير المشرد، الوحيد أيضا الذي أكسبته خبرته وتجربته في الحياة كثيراً من المعارف وهو أمّي لا يعرف القراءة والكتابة. الفرق بين الفيلم والمسلسل أنّ أسئلة من يربح المليون الهندي كان ذريعة لرواية السيرة الذاتية لأخوين مسلمين في الهند أمّا المسلسل الكوري فالقمار نفسه هو مادة المسلسل.

نذكر أن بطلي فيلم المليونير المتشرد هم صورتان لقابيل وهابيل، ونجدهما في المسلسل بصورتين: صورة المحقق وأخيه وصورة الصديقين اللذين يبلغان المرحلة الأخيرة.

بلغ عدد ضحايا الحبّار 456 ضحية ولم ينج منها سوى الأول والأخير. الأول هو صانع اللعبة والأخير هو الذي استفاد من أخطاء زملائه

وكان مقامر المسلسل الفائز كريما فأكرم خصميه صاحبي الجائزة الفضية والبرونزية المقتولين وهما النشالة وابن حارته الطالب الأول على دفعته (شو سانع وو). ويمكن ملاحظة أنَّ ثمة جرعة خفيفة من ثلاثية الدين والجنس والسياسة في المسلسل، أضعف عناصر الثلاثية هو السياسة وأشدُّها هو الجنس، وسأشير إلى الدين في مقال مستقل، والمال يقود الثلاثة، وبحثت عن تفسير لتبني شركة نتفلكيس مسلسل الحبار بعد سنوات من المماطلة والإعراض، حتى أنتجته فنجح في العالم بأسره وأمسى له دوي وأرباح طائلة، ولم أكن قد شاهدت الحلقة السابعة، وعندما شاهدتها عرفت السبب، فالشركة لا تفوّت فرصة في التبشير برسالتها الجديدة، وفي الحلقة يلون الفائز شعره بالأحمر وهي علامة أخرى.

حُمد المسلسل كثيرا وذُمّ أيضا وهو جذاب وشيّق، فهو دموي وحافل بالعنف، وقد بلغ عدد ضحايا الحبّار 456 ضحية ولم ينج منها سوى الأول والأخير. الأول هو صانع اللعبة والأخير هو الذي استفاد من أخطاء زملائه.

 تخشى حكومات كثيرة من موجة عنف بسبب المسلسل عند الأطفال وتلاميذ المدارس، ولهم في فيلم الجوكر أسوة، وكان قد اضطر أميركا لإغلاق دور السينما ومنع عرض الفيلم خوفا من ارتكاب جرائم، وحجَّ آلاف الناس إلى الدرج الذي هتف فوقه الجوكر وضحك ضحكته الطويلة التي لا يستطيع لها وقفا واتخذوا الصور التذكارية، وصار مكانا مقدسا.

بيع رقم هاتف مسابقة الحبار "المقدّس" بخمسة وثمانين ألفا من الدولارات، تقول أخبار إنَّ مزود الخدمات "إس كي بروب باند" في كوريا رفع دعوى قضائية ضد شركة نتفليكس، وذلك بسبب أضرار لحقت بشبكة الإنترنت، إثر الضغط الواسع على شبكة الإنترنت بسبب الإقبال الشديد عليه، ما جعل مزود الخدمات يضطر للقيام بأعمال الصيانة وفق ما ذكرته رويترز.

لم أجد في المسلسل سوى هفوات درامية قليلة، فهو حسن السبك، أول خصائصه أنَّ صنّاع اللعبة الأثرياء كسوا لعبتهم القاتلة بثوب من العدل، فهم يعقدون صفقة مع كل متسابق بثلاث شروط والمتسابق مسلوب الإرادة فهو مديون والخيارات شبه معدومة أمامه، وإنَّ الشرط الثالث يبيح لهم الانسحاب من اللعبة بشرط التصويت فهي لعبة ديمقراطية الظاهر. التصويت معناه إذابة الفرد في الجماعة، يدخل المتسابق فردا ويخرج مع الجماعة.

صانع اللعبة يزعم أنه يوفر المساواة للمتسابقين وقد فقدوها في قمار لعبة العيش، بسبب النظام الضريبي الظالم الذي يتجنب المسلسل الخوض فيه، فساوى بينهم في القتل وليس في الحياة، ففي الخارج تسرق الدولة مال المرء لكنها لا تقتله، ويمكن للسجين أن يعيش في السجون الرأسمالية. ويتعجب المشاهد من سهولة تسرب الدخيل المحقق إلى القلعة الحصينة كما في الأفلام البوليسية التجارية، بحثا عن أخيه المفقود ويندهش من أن ثمة أمكنة وحجرات في القلعة التي تجرى فيها المسابقات معفاة من الرقابة مثل المراحيض وغرفة بيع الأعضاء البشرية والسراديب، لكنه وارد، فصانع اللعبة يثق بجنوده من أصحاب شارات المثلثات والمربعات والدوائر.

أول الهفوات نجدها في مشهد تجسس النشالة عبر ممرات التهوية من المراحيض على مطبخ ثكنة اللعبة، وبسبب العجلة والسرعة تترك برغيا ضعيف الإحكام، وهذا يوحي للمشاهد أن فعلا دراميا سينشأ من البرغي لكن صانع المسلسل ينساه، فهو مشهد مهدور لم يفضِ إلى أفعال درامية كأن يكتشف أحد الجنود البرغي، أو تستعمله مرة أخرى، ووجدت النشالة الجند يدسون مادة في الطعام، وشمّت رائحة السكر، من غير استثمار لهذا الفعل الدرامي، سوى استفادة الأول على دفعته من المعلومة في تقدير اللعبة القادمة والتهيؤ لها.

وأن العجوز سيد اللعبة وصاحبها الذي يشارك فيها زيادة للمتعة والترفيه (اسمه الكوبي لن يفيد القارئ العربي لصعوبة حفظ أسماء الصينية والكورية وتشابهها لذا سنذكر الشخصيات بصفاتها) يشارك في خمس ألعاب بينها لعبة شد الحبل، وتنبأت أن يصوّر لنا صانع المسلسل في مشهد إرخاء سوار الجلد على معصميه، بالارتجاع خلفا أو في حينه، فماذا لو خسر لعبة الشد وسقط مع الخاسرين، الأمر الذي كان سيثير تشويقا إضافيا، ويجعل المشاهد يتربص بالشاشة ويسأل عن دلالة تصوير الوثاق، ويثير الأسئلة لدى المشاهد ويحفزه على الانتظار والمتابعة.

إن المسلسل مصنوع بتقنيات السينما وإن لم يكن بسرعتها، وكان مقدرا له أن يكون فيلما، وإن حوارات المسلسل ثرية وغنية بالحكمة وكان يمكن أن تكون أغنى، كأن تشير إلى النظام الضريبي لكنّ المسلسل ليس ثوريا، وإنّ المسلسل لقي رواجا خارج كوريا أكثر مما لقي في داخلها فهي لعبة غربية تسربت إلى اليابان وكوريا.

أهمل صانع المسلسل حبّ الناجي الوحيد لابنته في الحلقة الأخيرة توقع المشاهد أن يتصل بها في لحظة خروجه فالمسابقة هي من أجلها وأن يفرد لها مشهدا وهو يتصل بها وتظهر صورتها في المكالمة، مما يزيد عاطفة المشاهد المتفاعل، لكن المشاهد يقدر تلميحا أنّ الناجي الوحيد سيسافر إلى أميركا من أجلها وليس تصريحا.

المتسابقون السوريون يفضلون العبور عن طريق تركيا أما العراقيون فيعبرون بيلاروسيا من أجل جائزة البقاء، وقد علق أربعة آلاف متسابق في بيلاروسيا

تقول الأخبار إنّ استراليا أنشأت مسابقة شبيهة بمسابقة الحبار مقابل جوائز مغرية ولم نعرف كيف سيجري "الإقصاء" وهو الوصف المجازي للقتل، والذي فوجئ به المتسابقون في  لعبة الحبار في المسلسل، وهناك لعبة حبّار تجري في دول كثيرة من دول العرب المنكوبة بالثورات المضادة فالمتسابقون السوريون يفضلون العبور عن طريق تركيا أما العراقيون فيعبرون بيلاروسيا من أجل جائزة البقاء، وقد علق أربعة آلاف متسابق في بيلاروسيا، وهي دولة أرثوذكسية تابعة لروسيا، يقودها دكتاتور يحكمها منذ سبع وعشرين سنة ويفوز بانتخابات صورية، ومعاقب من الغرب بعقوبة منع الطيران إلى عاصمته وتجميد أرصدته المالية، وهو يدغدغها باللاجئين حتى تساومه وتقبل منه بصفقة رابحة. بيلاروسيا دولة فاصلة بين الغرب الكاثوليكي الرأسمالي والشرق المسيحي الأرثوذكسي الشيوعي سابقا.

بلغ المتسابقون العراقيون وكثير منهم أكراد من كردستان العراق المرحلة الأولى، واصطدموا بجدار الأسلاك الشائكة، أما السوريون فعبر بعضهم البحر الذي يعادل جسر الزجاج في اللعبة وعلق كثيرون في اليونان وأظنُّ أن باقي الشعب يحلم بالاشتراك في اللعبة فهم يموتون ببطء في بلدهم، أما نجوم سوريا ومشاهير التمثيل والطرب فيحلمون بالإقامة الذهبية في الإمارات التي يدير ولي عهدها لعبة الحبّار العربية تكليفا من صانع اللعبة الخفي الذي يرتدي قناع أحد الملائكة لا أحد الوحوش.