هرقل السوري.. النجوم والرموز

2022.02.25 | 05:52 دمشق

thumbs_b_c_82024f16fd030b02f6b05c1b76ee704d.jpg
+A
حجم الخط
-A

عندما كان يشارك مع منتخب بلاده لرفع الأثقال في بطولة العالم بدولة أستراليا عام 1986، انشق الرباع البلغاري من أصول تركية نعيم سليمان أوغلو (ناعوم شالمانوك) من المنتخب، وتقدم بطلب اللجوء السياسي إلى تركيا، رغم أنه كان نجما معروفا ومشهورا على مستوى العالم، وحقق أرقاما وإنجازات قبل اللجوء وفي سن صغيرة، لكن كانت ثمة قضية تشغل باله حولته إلى نجم ورمز عالمي، وأعطته الدافع ليحطم الأرقام القياسية وينقل معها قضية أقليته المضطهدة في بلغاريا ليتعاطف معها العالم، ويدخل قلوب الملايين حول العالم، ويكتب تاريخا جديدا له ولقضيته وشعبه، تمكن من خلال ذلك إيصال صوتهم وقضيتهم إلى كل ميادين العالم، ولقب بـ"هرقل الصغير" لقوته وقصر قامته.

اللجوء السياسي لم يكن كافيا له فقط لإثارة القضية على المستوى المحلي، بل جعلته قضيته يبذل الجهود الكبيرة من أجل تحقيق أرقام قياسية غير مسبوقة، حققها في الأولمبياد العالمي، حيث خلّد اسمه في تاريخ الرياضة على مستوى العالم وفي تاريخ السياسة والمجتمع، وحقق المركز الأول 3 مرات في رفع الأثقال بثلاث دورات أولمبية في سيول عام 1988، وبرشلونة عام 1992، وفي أتلانتا عام 1996، وحقق خلال مسيرته قرابة 60 رقما قياسيا، منها رقم قياسي في أولمبياد سيول حيث رفع 190 كغ أي أكثر من وزنه 3 مرات إضافة لعشرة كيلو غرامات عقب مشاركته بمسابقة وزن 60 كغ.

الوصول إلى هذا الرقم كان هدفا وضعه الرباع الذي حصل على الجنسية التركية لاحقا وشارك باسمه التركي عقب لجوئه، تتويجا لمرحلة انطلقت من ظلم تعرضت له الأقلية التركية في بلغاريا باغتصاب حقوقها الثقافية عبر الحكومات الشيوعية الموالية للسوفييت، وتغيير الهويات وممارسة القمع ونكران وجود الأقلية، وبعد ممارسات طالت أهله وأبناء قريته ومنطقته، وطالته الممارسات القمعية بتغيير اسمه بالقوة ومنحه اسما آخر، اتخذ قراره بدعم أهله وتبني قضيتهم، ولم يكن سهلا عليه تقديمه اللجوء السياسي بظل رقابة صارمة فرضت عليه، وعقب لجوئه ووصوله إلى تركيا، وبغياب قصته عن الإعلام الدولي واقتصارها على الإعلام المحلي فقط، وضع هدفه التالي وهو تحقيق المستحيل والأرقام القياسية، وتحطيمها رقما رقما، وهو ما وصل إليه بالفعل متحملا آلام البعد عن حضن والدته وكنف والده وعن إخوته معرضا إياهم للخطر من أجل هدف أكبر ونبيل.

القصة السابقة ربما تتكرر في قصص مماثلة حول العالم، عن سعي أبطال نادرين بعيدين عن السياسية في ميادين ومجالات مختلفة لتحقيق أهداف أسمى من خلال الفنون والعلوم والرياضة وميادين أخرى قادرة على تحقيق المطلوب، وبطبيعة الحال يحق للسوريين البحث عن رموزهم ونجومهم وعن هرقلهم السوري، أو فنانيهم أو موسيقييهم من أجل لفت الأنظار مجددا إلى الوضع السوري ووضع الحد للحالة السائدة على الصعيد السياسي والإنساني والميداني، ينقلون آلام وحقوق السوريين، والمعاناة والظلم الذي تعرضوا له من قبل النظام والميليشيات والقصف الجوي والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية، والإشارة إلى وضع اللاجئين والمهجرين ومخيمات الإيواء، والحالات الإنسانية التي ترافق رحّل اللجوء، والبحار التي أيضا نالت من السوريين.

من المؤكد أن هناك بارزين كثر من السوريين في مختلف المجالات، معروفين على مستوى العالم، وكلّ يحاول بدوره وجهده أن يحقق شيئا ما، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات، فهناك جهود جيدة لأسماء وناشطين تمكنوا من الوصول إلى ميدان العالمية والمنصات الدولية المؤثرة على مستوى العالم، وكلهم حاولوا جهودهم إلى نقل المعاناة وضرورة تطبيق الحلول لمنع استمرار المأساة الإنسانية، وخلال 10 سنوات كانت هذه الجهود متنوعة وحاولت الاستفادة من كل الفرص والميادين، حتى لو لم يتم ذكر أسماء في هذه المساحة ولكن هناك جهود كبيرة ومشكورة ومبذولة، وبالطبع ستتواصل هذه الجهود في عواصم العالم وبلاد اللجوء وفي كل مكان يحل فيه السوري.

لماذا لم تحدث كل المحاولات التي جرت في المنصات والميادين الدولية، ذلك الزلزال المدوي القادر على قلب الرأي العام الدولي؟

ورغم كل هذه الجهود المبذولة يحق لنا التساؤل، لماذا لم تحدث كل المحاولات التي جرت في المنصات والميادين الدولية، ذلك الزلزال المدوي القادر على قلب الرأي العام الدولي؟، أليست هناك حاجة كبرى لأن يكون هناك رمز ونجم وموهبة مميزة قادرة أن تدخل قلوب العالم، عبر الفنون والرياضات والمواهب، تهز وجدان وضمير العالم، وبالطبع يمكن تقديم الجواب بأن سوريا بأبنائها ومواهبها وخبراتها وتراكمها الثقافي والعلمي والمعرفي والرياضي قادرة على خلق هذه الظاهرة والحالة القادرة على رفع معاناة السوريين في كل مكان، قادرة على هز وجدان العالم، ومن المؤسف أن المواقف الدولية المزدوجة وتجاهل الخطوط الحمراء، تجاهلت دماء أطفال السوريين وأشلاءهم، وتناست صورة الطفل إيلان، والذين قضوا بالكيميائي في ريف دمشق وريف إدلب، وغضت بصرها عن ضحايا البراميل المتفجرة، ورافق ذلك تراجع الاهتمام الإعلامي والدولي، وعلى العكس ثمة محاولات لقلب الآية عبر محاولات إعادة شرعنة النظام من خلال التطبيع معه وطرح استراتيجيات من مثل الخطوة بخطوة لتضليل الرأي العام الدولي، وهذه محاولات خطيرة جدا وظلم وتعتيم على الحقائق، ربما تقود مستقبلا لتناسي التضحيات والآلام السورية وعدم تضمينها في كتب التاريخ.

ويرافق تلك المحاولات لقلب شكل الأوضاع في سوريا جمود دولي سببه تطورات دولية متعددة من مثل المواجهة الغربية مع روسيا على الساحة الأوكرانية، وهي ما ستؤدي إلى تواصل الجمود على الساحة السورية، وهو ما اعترف به المبعوث الأممي غير بيدرسون، بل قد تتحول الساحة السورية أيضا إلى ميدان لتصفية الحسابات نتيجة هذه التطورات، وربما نشهد مزيدا من الآلام والمآسي والنزوح واللجوء، ومن هذا المنطلق ومن أجل إيصال صوت السوريين مجددا لضمير ووجدان العالم، يجب على السوريين البحث عن نجمهم الملهم ورمزهم العالمي، وهرقلهم السوري، أو مهما كان اللقب والمسمى، من أجل إحداث الهزة والزلزال في وجدان وضمير كل إنسان حر في العالم، والتأثير على الرأي العام الدولي، ودعم أي حالة أو مثال أو نموذج ربما يظهر في أي دولة كانت.

في السابق كانت ممارسات النظام تستهدف قتل أي رموز تظهر في البلاد، عبر سد الطرق أمام المواهب الرياضية، وقطع الدروب على المواهب الفنية والأدبية والثقافية والعلمية، أو استمالتها لتكون خاصة به، كما عمل على قتل روح الشباب والأطفال وحصرها ضمن إطارات حزبية ضيقة موالية له وحسب، دون فتح الأفق والآمال، دون إتاحة المجال والسماح لهذه المواهب أن تظهر وتقدم نفسها للعالم، ليكون هذا النظام قاتلا لأي موهبة، وجعلت أي مبدع أو موهوب يبحث عن بيئة مناسبة له لتطوير ذاته في دول المغترب واللجوء، ليبدأ حياته مجددا ويبدع بعد أن يحاول اقتطاع ما عانى منه في وطنه الأم، وفي ظل حالة اللجوء الحالية التي دفعت أكثر من نصف سكان البلاد لتركها ومغادرتها، يمكن أن نوجه دعوة للاهتمام بالرموز والمواهب السورية وتهيئتها وتوفير الظروف لها والبحث عنها وتذليل أي عقبات تواجه تلك المواهب وتقديم التضحيات اللازمة لها من أجل إيصال تلك المواهب إلى العالمية وتحقيق المستحيلات التي ستؤدي بالضرورة إلى قلب جميع الموازين لصالح الشعب السوري وحقوقه المشروعة بعيدا عن أي حسابات واصطفافات محلية وإقليمية ودولية وبهذا يمكن الحفاظ على الحقوق والمكتسبات العادلة للشعب السوري.