نووي إيران.. غليان "تل أبيب" وحسابات "واشنطن"

2023.04.15 | 07:07 دمشق

نووي إيران.. غليان "تل أبيب" وحسابات "واشنطن"
+A
حجم الخط
-A

لاشك أن الوقت يمر سريعاً خاصة مع تزايد بوادر القلق الإقليمي والدولي التدريجي وذلك بعد التصريحات الأخيرة لمعاهد الدراسات والبحوث العلمية المتخصصة بهذا الشأن، حيث إنه اكتشف في إيران آثار من اليورانيوم المخصب بنسبة 84 ٪ في منشآتها النووية وهذا يعني ووفق العديد من المعطيات الاستخبارية والعلمية أنها في طريقها لامتلاك كميات متقدمة من اليورانيوم المخصب  بنسبة 90٪، وهي عمليا درجات التخصيب المطلوبة التي تكفيها للوصول لإنتاج قنبلة نووية خلال فترة قريبة جدا، وبناء عليه فحكومة إسرائيل بسياسييها وعسكريها باتت قلقة جدا من هذا الأمر ومن قرب وصول وامتلاك طهران لهذا السلاح المدمر، وبالتالي وحسب "تل أبيب" فإنه تهديد للأمن القومي الإسرائيلي وكسر وتغيير سياسة الردع النووي الذي وبلا أدنى شك تتسيده وتمسك بتلابيبه تل أبيب في الشرق الأوسط.

في الواقع فقد أصبح ملف البرنامج النووي الإيراني بكل ما فيه في الأشهر القليلة الماضية وحتى هذه الساعة الشغل الشاغل للأوروبيين وللإدارة الأميركية وبشكل أكبر لإسرائيل، وبالتأكيد لم يأت هذا من عبث بل تمخض بعد المماطلة والتراخي الإيراني من الانخراط الحقيقي والفعال في جولات المفاوضات النووية، وفشلها _أي المفاوضات_ بعد استمرارها في جنيف وفيينا من إحداث أي اختراق نوعي قد يكون كفيلا بتقريب وجهات النظر بين طهران والدول المفاوضة الست (5+1)، بل ولم تبد طهران وحسب النتائج أي نيات حقيقية أو أن تظهر أية بوادر تذكر للتعاون الجاد مع وكالة الطاقة الذرية الدولية لإخضاع منشآتها النووية العديدة المراقبة وللتفتيش، والعودة لتحديث بنود الاتفاق النووي الموقع في "لوزان" بينها وبين هذه الدول في عام" 2015" والذي وكما نعرف انسحبت منه واشنطن في عام "2018". بعد إعلان الرئيس الأميركي الأسبق "دونالد ترامب" حينها من أن الاتفاق النووي الموقع سابقاً مع إيران يعتبر صفقة ضعيفة سيئة مليئة بالعيوب والنواقص، ولا تتضمن مخرجاته فرض أية قيود على البرامج الصاروخية البالستية الإيرانية. ناهيك عن سياسات طهران المقلقة والاستفزازية التي انتهجتها في الشرق الأوسط (التمدد في العراق وسوريا واليمن) وتهديدها للاستقرار والسلم العالميين.

إذا كان اختيار الإيرانيين عدم العودة إلى الاتفاق النووي، فمن الواضح أن واشنطن ستكون مضطرة إلى القيام بجهود إضافية دبلوماسية وغير دبلوماسية للتصدي لطموحات “إيران النووية"

الإدارة الأميركية من خلال مبعوثها الخاص لإيران "روب ماني" الذي هدد بدوره بأن بلاده لن تقف متفرجة ومكتوفة الأيدي إذا اقتربت “طهران“ من الوصول لأي سلاح نووي، وعليه فإذا كان اختيار الإيرانيين عدم العودة إلى الاتفاق النووي، فمن الواضح أن واشنطن ستكون مضطرة إلى القيام بجهود إضافية دبلوماسية وغير دبلوماسية للتصدي لطموحات “إيران النووية"، ولاستمرارها في تسريع برنامجها النووي، واقترابها المقلق من نقطة اللاعودة فيه، سيتعين حينئذ ووفقا للأميركيين ولما يقتضيه هذا الحال، تفعيل الخيارات المتاحة المعروفة للجميع بما فيها الخيارات العسكرية.

المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافائيل غروسي" أقر بفشل كل المحاولات في التوصل لأي تقدم مع إيران بشأن القضايا العالقة في ملف مراقبة وتفتيش منشآتها النووية. والوصول إلى أي اتفاق ملزم يرضي كل الأطراف. ومن جهته أكد الناطق باسم الخارجية الأميركية أن بلاده تأسف لغياب التقدم بين إيران والوكالة الدولية، معتبراً أن موقف طهران يشكل "مؤشرا سيئا" قبل معاودة المباحثات ثانية في فيينا.

من حيث المواقف الأوروبية فقد صدر بيان مشترك أعربت فيه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا عن "القلق البالغ والمتنامي من تسارع الإجراءات الاستفزازية التي تتخذها إيران، داعية في هذا البيان، الرئيس الإيراني إلى "انتهاز" الفرصة والعمل بنية صادقة لتجنب أية تصعيدات "خطيرة"! كما شدد وأكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل" في طلبه من وزير الخارجية الإيراني" حسين أمير عبداللهيان"، أن تفي إيران بالتزاماتها حيال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد الأنباء المقلقة الجديدة بشأن التقدم المطرد في تخصيب اليورانيوم.

الموقف الإسرائيلي واستنادا إلى تصريحات العديد من القيادات السياسية والعسكرية، فالملاحظ أن “تل أبيب" وحكومة نتنياهو المتطرفة ما تزال متمسكة بالتزاماتها القديمة الجديدة بمنع إيران وبشكل مطلق من حيازة أية أسلحة نووية، أو الاقتراب من عتبة الوصول إلى ذلك، وأن موقفها من الاتفاق النووي السابق لم يتغير. وترى أن في العودة إلى هذا الاتفاق مع طهران بالصيغة السابقة نفسها، ما هو إلا تمهيد للطريق أمام الملالي وإيصالهم لامتلاك ترسانة وأسلحة نووية تهدد من خلالها إسرائيل ودول المنطقة والعالم؛ وهذا وحسب العديد من المعطيات والأسباب ما لن تسمح به إسرائيل وستقوم بتقييم ومراجعة حساباتها، والنظر جديا في مجموعة من القرارات المنفردة والسيناريوهات المؤجلة والصعبة المفتوحة التي ستقوم بها تجاه إيران في حال اختار الرئيس الأميركي “جو بايدن“ في أي وقت من الأوقات العودة إلى الاتفاق النووي، وإسرائيل حقيقة بحسب تصريحات مسؤوليها تقول إن الوضع قد ساء في السنوات “الخمس الماضية“، وأن إيران الآن ليست كما كانت عليه عام “2016" والإيرانيين أصبحوا في وضع أكثر قوة وتقدما في برامجهم النووية.

وعليه فإن تل أبيب ومنذ فترة ليست بالقصيرة تضع الخطط وتجري وبكثرة مناورات تكتيكية وتدريبات جويّة ومختلطة تحاكي توجيه ضربات مدمرة لمنشآت ومفاعلات إيران النووية، وآخر هذه المناورات المستمرة المشتركة هي تلك التي جرت وانتهت قبل عدة أيام في شرق المتوسط والتي اشتركت فيها القيادة المركزية الأميركية وإسرائيل، ناهيك عن المناورة المسماة "عربات النار" التي جرت أيضا في نهاية العام الماضي َلمدة شهر في شرقي البحر المتوسط وقبرص وأيضا بمشاركة قوات أميركية واشتراك القاذفات الاستراتيجية "ب 52" وطائرات الشبح "إف 35" وغيرها من العتاد والأسلحة المتقدمةَ.

ختاما..  بالاستناد إلى المعطيات وبتحليل المواقف والتصريحات وطبيعة ردود الأفعال نجد أن خيارات المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة هي خيارات ضيقة و"محدودة" جدا للتعامل مع إيران إذا فشلت كل جولات المفاوضات النووية المقبلة في تذليل الصعوبات والوصول إلى نقاط مشتركة واتفاق ملزم، وحقيقة الأمر وبنظر الكثير من المحللين إن واشنطن لا تملك ربما إلا خيارين اثنين لا ثالث لهما:

الاحتمال الأكبر أن تتخذ إسرائيل منفردة بضوء أخضر أميركي زمام أي خطوات عسكرية تصعيدية مقبلة قد تؤدي ولدرجة كبيرة، إلى تأثير مدمر وحرب إقليمية مفتوحة

  • الخيار الأول: الذهاب إلى أبعد ما يمكن في الطرق الدبلوماسية مع فرض وتحشيد وتشديد مزيد من العزلة الدبلوماسية، والضغوطات الاقتصادية والمالية الدولية على إيران، والتصور أن هذا الخيار هو الخيار الأقرب والأرجح رغم عدم ثبوت جدواه طوال السنوات السابقة في كبح جماح وطموحات إيران وخاصة النووية والصاروخية منها.
  • الخيار الثاني: الخيار العسكري بشكل مباشر كما هدد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، بأن كل الخيارات متاحة، وإن حدث ذلك فعلا  فستكون الضربة المحتملة انطلاقا من قواعدها وأساطيلها الموجودة في المنطقة أو من خلال التعاون الاستراتيجي مع "إسرائيل"  لكن الاحتمال الأكبر أن تتخذ إسرائيل منفردة بضوء أخضر أميركي زمام أي خطوات عسكرية تصعيدية مقبلة قد تؤدي ولدرجة كبيرة، إلى تأثير مدمر وحرب إقليمية مفتوحة في منطقة الشرق الأوسط. لكن الخيار العسكري ومن أي جهة كانت في توجيه أي نوع من الضربات لمنشآت إيران النووية، يحتاج لكثير من تقديرات المواقف والتفكير الجدي والتخطيط الشامل وإجراء الحسابات التكتيكية والاستراتيجية اللازمة حول ردود أفعال إيران وأذرعها في المنطقة، وتبعاتها الخطيرة ربما ومن عدة جبهات على إسرائيل وعلى القواعد والمصالح الأميركية المنتشرة في المنطقة وخاصة تلك الموجودة في منطقة الخليج العربي والعراق وسوريا.