"نوبل للحبوب" مناصفة تركية أممية؟

2022.07.17 | 05:11 دمشق

"نوبل للحبوب" مناصفة تركية أممية؟
+A
حجم الخط
-A

تحولت قمة إسطنبول الرباعية الأخيرة إلى فرصة أوكرانية روسية للتفاهم حول مخرج مناسب للإفراج عن آلاف الأطنان من الحبوب والأسمدة والزيوت المحاصرة داخل العنابر والمستودعات الساحلية للبلدين، وبارقة أمل جديدة تساهم تركيا وأنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في تنفيذها على مراحل بعد أسابيع من الجهود السياسية والدبلوماسية التي تبذل على أكثر من جبهة.

أسفرت مشاركة القيادات العسكرية والدبلوماسية والسياسية التي تمثل الأطراف الأربعة أمام طاولة الحوار والتفاوض في إسطنبول عن نتائج إيجابية تختلف عن نتائج الاجتماعات السابقة هذه المرة. التصريحات والمواقف الصادرة عن الأطراف كانت أكثر تفاؤلا والحديث يدور عن وضع اللمسات الأخيرة على خطة مشتركة يساهم في تنفيذها الكثير من الأطراف وهي متعددة المراحل بينها دخول وخروج السفن التجارية وعملية التعبئة والنقل والتفريغ وتوفير الحماية خلال حركة السفن في البحر الأسود باتجاه المضائق التركية. هناك التخطيط والتنفيذ والمراقبة والتمويل وكلها تحتاج إلى تنسيق إقليمي أممي واسع بمساهمة تركية فاعلة.

بين أول ما أعلن جاء على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي قال إن المجتمعين اتفقوا على إنشاء مركز تنسيق في إسطنبول لضمان سلامة ممرات الشحن يضم ممثلي الأطراف المعنية وتكون من بين مهامه المراقبة العامة وتنسيق الملاحة الآمنة في البحر الأسود خلال عمليات الشحن والنقل. بين النقاط المهمة أيضا التي فهمناها من تصريحات أكار هو الاتفاق على القضايا الفنية الأساسية، ومنها التفاهم بشأن إجراء عمليات تفتيش مشتركة في نقاط الخروج والوصول بالموانئ وضمان سلامة الملاحة. معلنا أن الوفدين الأوكراني والروسي سوف يجتمعان الأسبوع القادم في تركيا وسيراجعان جميع التفاصيل ويوقعان على الإجراءات التي تم الاتفاق بشأنها.

الهدف الآن إذن هو فتح الطريق أمام خطة القيادات السياسية التركية والأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش لتسهيل ولادة بروتوكول تفاهم رباعي متعدد الجوانب والإفراج عن أكثر من 20 مليون طن من الحبوب والموادّ الغذائية المحاصَرة في أوكرانيا ونقلها إلى محتاجيها لإبعاد شبح الأزمة الغذائية العالمية التي يقترب موعدها يوما بعد آخر.

لقاء القمة التركي الروسي في طهران على هامش الاجتماعات الثلاثية المرتقبة بعد يومين سيحسم نقاط الاعتراض والتحفظ الروسي المتبقية

"مبادرة البحر الأسود" لنقل الحبوب الأوكرانية إلى الخارج تتضمن أيضا ضمانات تقدمها تركيا والأمانة العامة للأمم المتحدة باتجاه تسهيل عمليات التعبئة والشحن والحماية البحرية اللازمة مع الأخذ بعين الاعتبار المطالب الروسية وقبول تفتيش السفن عند الضرورة للتأكد من عدم نقلها السلاح باتجاه الداخل الأوكراني وعدم تجاهل حصة روسيا في بيع أطنان من الأسمدة والزيوت الممنوعة من التصدير بسبب الحصار والمقاطعة المفروضة على بضائعها غربيا.

لقاء القمة التركي الروسي في طهران على هامش الاجتماعات الثلاثية المرتقبة بعد يومين سيحسم نقاط الاعتراض والتحفظ الروسي المتبقية كما يبدو تمهيدا للإعلان عن ساعة الصفر في موضوع تدشين "الممرّ الغذائي الآمن" لتتويج الجهود التي تبذلها أنقرة والأمم المتحدة منذ أسابيع، وإعلان الخطة التي جرى التفاهم حولها وستنفذ على مراحل تشمل تفاصيل تقنية ولوجستية وأمنية بينها:

- إعادة برمجة مسار 120 مليار دولار من مداخيل الحبوب والزيوت والأسمدة.

- تحرّك الخبراء والتقنيّين لتجهيز المرافئ الأوكرانية التي يتمّ الاتفاق عليهما بين موسكو وكييف لتسهيل نقل الحبوب.

- تسليم الجانب التركي خرائط انتشار الألغام الأوكرانية في ممر مائي يجمع بين مرافىء أوكرانية أساسية أبرزها في أوديسا ومدخل المضائق التركية في البوسفور.

- انطلاق القوات البحرية التركية في الوقت نفسه للمشاركة في تطهير خط سير السفن التي ستتحرك داخل "ممر بحري آمن" من الألغام الملقاة لعرقلة الهجوم الروسي وإنجاز ذلك خلال فترة زمنية قصيرة.

- استكمال تجهيز وإنشاء مركز ارتباط مشترك في مدينة إسطنبول يجمع خبراء ودبلوماسيين وقيادات عسكرية بهدف الإشراف على تنفيذ بنود الاتفاقية بكافة مراحلها لإيصال أطنان المواد الغذائية الأساسية إلى منتظريها منذ أشهر. خصوصا وأن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي قال، إن الحرب أسفرت عن حبس نحو 22 مليون طن من الحبوب داخل أوكرانيا، في حين يتدافع مسؤولون من الأمم المتحدة وأتراك ومسؤولون آخرون للتوصل إلى حل من شأنه إفراغ الصوامع في الوقت المناسب للحصاد المقبل في أوكرانيا.

- تحديد عدد ومهامّ القطع الحربية التي ستساهم في تأمين خروج سفن الشحن باتّجاه المياه الدولية في البحر الأسود وحيث من المتوقع أن تلعب السفن التجارية التركية الدور الأكبر فيها. إلى جانب تحديد عدد ومهام السفن البحرية الروسية التي ستشارك في مراقبة السفن وحمولتها منعاً لنقل السلاح إلى أوكرانيا.

 

- معلومات أولية تشير إلى أن حوالي 70 سفينة نقل تجاري، بينها 20 باخرة تركية ستشارك في المراحل الأولى للنقل والتفريغ. وأن أوديسا الأوكرانية سيكون لها حصة الأسد في إنجاز عمليات التعبئة والشحن.

- وأنه وفقًا للخطة، ستشارك البحرية التركية في تطهير الموانىء والممرات من الألغام، وإزالة العقبات الفنية والأمنية أمام إخراج هذه الموادّ من مستودعاتها ومرافئها وتأمين انتقالها إلى الجهات التي تعاقدت على شرائها. إلى جانب وضع ضوابط محددة لتنظيم عملية دخول وخروج السفن ونقاط الوصول وضمان سلامة الملاحة على طرق النقل.

أسئلة كثيرة عالقة سنعرف تفاصيلها، ومنها مسألة تمويل العملية وتحمّل الأعباء والنفقات ودور الأمم المتحدة فيها. وهل تكون تركيا بمفردها على خط تقديم الخدمات اللوجستية والأمنية أم تساهم دول أخرى في توفير الحماية والنقل؟

بين الاحتمالات أن تساهم دول محايدة يقبل بها كلا الطرفين الروسي والأوكراني في الخطة، ومن غير المستبعد أن يكون غوتيريش على تواصل مع دول، بينها أذربيجان وكازخستان وإسرائيل والإمارات ومصر لمناقشة ما يمكن أن تقدمه من دعم لوجستي عند الضرورة كدول محايدة مقبولة من طرفي النزاع.

العقبة الأهم الآن ستكون جدية العواصم الغربية وتحديدا واشنطن في دعم هذه المبادرة وتسهيل تفعيلها حيث يقول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّ هدف روسيا النهائي هو تحويل ورقة الحبوب إلى ابتزاز للغرب ليس أكثر. لكن الإدارة الأميركية تدرك أنّ خياراتها محدودة في عرقلة أيّة تفاهمات تتمّ لأنّ الكثير من الدول والعواصم تدعم نجاح المفاوضات وتسلم آلاف الأطنان من الموادّ الغذائية التي تتزايد الحاجة إليها ساعة بعد ساعة.

. لم تتراجع تركيا رغم كل الصعوبات والعراقيل عن قرار دعم هذه الخطة بالتنسيق مع غوتيريش حتى النهاية. وهي تمسكت بترتيب الطاولة الرباعية التي جمعت الروس والأوكرانيين والأتراك إلى جانب الأمين العام

نجاح المبادرة التركية الأممية لن يفرح العديد من العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن حتما. العكس هو الصحيح ربما. فمن مصلحة هذه العواصم تلف آلاف الأطنان من الحبوب الأوكرانية وبقاؤها محاصرة في مستودعاتها لتوريط روسيا أكثر فأكثر في الملف الأوكراني وتحميلها المسؤوليات السياسية والقانونية والإنسانية ودفعها نحو تحمل دفع مليارات الدولارات كتعويض للخسائر الأوكرانية تماما كما حدث مع العراق قبل 3 عقود.

تتفق القيادات الروسية والأوكرانية حول أن الوصول إلى التفاهمات حول نص الاتفاقية النهائية لنقل الحبوب الأوكرانية من مستودعاتها إلى الخارج بات قريبا جدا. لم تتراجع تركيا رغم كل الصعوبات والعراقيل عن قرار دعم هذه الخطة بالتنسيق مع غوتيريش حتى النهاية. وهي تمسكت بترتيب الطاولة الرباعية التي جمعت الروس والأوكرانيين والأتراك إلى جانب الأمين العام. لذلك هي لن تعترض على أي اقتراح دولي بترشيحها لتقاسم نوبل للحبوب "مع الأمانة العامة للأمم المتحدة".

يتحدث البعض في وسائل الإعلام عن مبيعات مخفضة تصل إلى نسبة 20 بالمئة من مبيعات الحبوب الأوكرانية إلى تركيا مقابل الخدمات التي ستقدمها باتجاه تسهيل نقل وبيع آلاف الأطنان من الحبوب في الخارج. هي مسألة ثانوية بالنسبة للجانب التركي الذي يتطلع إلى دور إقليمي تركي أقوى في التعامل مع ملفات المنطقة، خصوصا وأن أنقرة تبحث عن فرصة القيام بعمل إنساني عالمي يسهل الإفراج عن آلاف الأطنان من الحبوب المحاصرة ونقلها إلى البلدان التي تنتظرها منعا لأزمة غذاء عالمية تقترب يوما بعد آخر. هدف أنقرة الحقيقي كما أعلن أكثر من مرة على لسان المسؤولين الأتراك، هو تحويل تفعيل خطة نقل الحبوب الأوكرانية والروسية إلى فرصة سياسية حقيقية تجمع طرفي النزاع مرة أخرى أمام طاولة تفاوض سياسي وعسكري بمشاركة أممية، وتقود إلى تسوية سياسية توقف إطلاق النار وتدفع نحو البحث عن حل سلمي للحرب الدائرة في أوكرانيا منذ حوالي 5 أشهر وعندها ستزيد من حظوظ تقاسم نوبل مع غوتيريش.