نهلة العثمان.. سوريا التي تنام في قفص

2021.05.08 | 06:01 دمشق

yttyrlaytrlay.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالتأكيد هي جريمة بكل التفاصيل التي عرفت حتى الآن، وربما يكون هناك ما هو أكثر وحشية مما تم الكشف عنه في قصة الطفلة (نهلة العثمان) التي انتشرت صورها وهي مقيدة بسلاسل حديدية على يد والدها في قرية كفرسجنة بريف إدلب.

تقرير الوفاة قال إن الطفلة توفيت نتيجة (الشردقة بالطعام) وربما يكون هذا صحيحاً بالرغم من  كثير من الآراء المشككة التي ترى فيه محاولة لوضع نهاية أقل حدة تنال من المجتمع الذي تركها للموت، ولمن يمسكون بآليات تنفيذ القانون ويحكمونه، والبعض ذهب إلى وسم المناطق المحررة بأنها مرتع للجريمة والقتل في استغلال كريه لحادثة يقع ما يشابهها في أماكن مختلفة من العالم، ومنها مناطق النظام التي خرجت منها معظم الأصوات المشيرة إلى مكان بعينه كبؤرة قتل.

أدوات الجريمة تشي بأقسى مما تبعثه من خوف وبشاعة فالأب القاتل له شريك وظيفته صنع الأقفاص والقيود

من حبس الطفلة هو أب مجرم، ومن ساعده مجتمع خائف من الصراخ في وجه لص وقاتل، وفوق هؤلاء سلطة مدنية بائسة ليس لها أي قوة قانونية تستطيع الفعل، وأما القوة الفعلية فهي في يد فصائل تحكم بعقليتها الضحلة التي ربما لا ترى في الجريمة سوى حادثة إهمال، وخلاف زوجي أطاح بروح الطفلة الضحية.

لكن أدوات الجريمة تشي بأقسى مما تبعثه من خوف وبشاعة فالأب القاتل له شريك وظيفته صنع الأقفاص والقيود، ومحيط كان يرى الضحية مجنزرة وجائعة ولم يبدِ  موقفاً بل إن الأصوات التي خرجت -بعد موت نهلة – واطئة وكان من الواجب أن تكون أعلى، وهذا ما يؤكده مشهد الدفن الذي حضره وفق الصور عدد لا يتعدى خمسة أشخاص في قضية كان من المفترض في أضعف الإيمان بها أن تخرج البلدة بأكملها في تشييع نهلة، وكان من اللائق الدعوة إلى غضبة شعبية في كامل الشمال المحرر.

الغضبة ليست فقط من أجل هذا الاعتداء السافر على الحياة بل من أجل الاعتداءات المتكررة على الحريات والحقوق، وسيطرة نمط واحد من التفكير والفعل لا يسمح لصوت مخالف أن يقول لا لأدنى سلطة فكيف بسلطة الأمر بالمعروف التي تحمي المنكر، ولهذا تستدعي  سلطات كهذه إعلامياً لمساءلته في يوم حرية الصحافة عن الطريقة التي اختفى فيها، وطلبت منه مسح الصورة التي ظهر بها أثناء اعتقاله من قبل عناصر الفصائل.

يخبرني صديق عن صيحات مخنوقة للأهالي في الشمال المحرر، وبعضهم وليس بالقليل يبدي ندماً على خياره بالبقاء هنا حيث لا فارق في الظلم، وأن بعض حوادث المداهمات التي تنفذها فصائل مختلفة تذكرهم بمداهمات قوات النظام، وأن الرشاوى والمحسوبية والعصبية الطبقية والأقلوية متفاقمة في هذا النسيج الذي كان يحلم بالخلاص والحرية، ولكنه اليوم يعيشها في رقعة أقل مساحة، ولا آمال فيها للنجاة.

نهلة العثمان لها قرينات في دمشق وريفها، وهناك يقتل أب بناته وأبناءه، ويبيعهم ويحرقهم، وينتشر اللصوص وتجار البشر في الحواري التي يحميها النظام، ولا فرار إلا بالرضوخ لأقدار تصنعها الأيدي القوية القذرة، وثمة موبقات يومية تنشرها صحف الموالاة عن عصابات الدعارة العابرة للحدود، وتعاطي المخدرات في الشوارع والحدائق، وأجيال من السوريين في طريق الضياع من أجل أن يبقى نسغ التمويل مستمراً كرواتب وأسلحة للمقاومة التي غيرت بوصلتها لتجارة المخدرات وتدمير بيوت السوريين.

لأننا لسنا كهؤلاء الأوغاد واجب لأجلنا الصراخ وإلا وداعاً لكل سوريا المربوطة بالسلاسل.. سوريا التي تنام في قفص

موت نهلة القاسي يفتح باب الأسئلة الكبرى عما وصلنا إليه، ويدلل على صورتنا الوحشية التي لم يعد بإمكاننا ترميمها أو الدفاع عنها، ولم نعد نستطيع القول إننا لسنا مثل هؤلاء الذين أخرجونا من بيوتنا، وأن ما حصل جريمة فردية مدانة بكل المعايير ذلك أننا لم نصرخ كما يجب ونحن الذين صرخنا من أجل العدل ورفع الظلم فما ظنكم بظلم ذوي القربى، ولأننا تخاذلنا حتى في وداعها والصراخ لأجل راحة روحها الصغيرة.

لأننا لسنا كهؤلاء الأوغاد واجب لأجلنا الصراخ وإلا وداعاً لكل سوريا المربوطة بالسلاسل.. سوريا التي تنام في قفص.

كلمات مفتاحية