نفق الحرية: لم يكن هروبا بل أيقونة توحيد

2021.09.30 | 06:52 دمشق

_120443403_58496536.jpg
+A
حجم الخط
-A

في مطلع شهر سبتمبر الجاري تمكّن 6 أسرى فلسطينيين (من أصل نحو 4650، بينهم 40 امرأة، ونحو 200 قاصر، إضافة إلى 520 معتقلا إداريا في سجون الاحتلال الإسرائيلي) من الخروج من سجن جلبوع الإسرائيلي عبر نفق قاموا بحفره على مدار أكثر من سنة كاملة بأدوات بدائية واستطاع بعضهم الاختفاء عن أعين العدو لعدة أيام في أماكن متفرقة داخل فلسطين المحتلة.

في البداية لا يستسيغ العقل كلمة هروب أمام هذا الحدث الأشبه بالإعجازي لمن يعرف مدى قوة تحصينات السجون الإسرائيلية وخاصة سجن جلبوع المذكور، بالإضافة إلى التدابير الأمنية الإسرائيلية المعقدة.

وحتى مع المثل الشعبي المعروف "الهريبة ثلثين المراجل" فإن هذا المثل وكلمة الهروب بحد ذاتها لا تصلح هنا. لارتباطها بمعاني الجبن، حيث إن ما فعله الأسرى الستة كان يدل على شجاعة كبيرة وإرادة جبارة.

في البداية لا يستسيغ العقل كلمة هروب أمام هذا الحدث الأشبه بالإعجازي لمن يعرف مدى قوة تحصينات السجون الإسرائيلية وخاصة سجن جلبوع المذكور، بالإضافة إلى التدابير الأمنية الإسرائيلية المعقدة

ومن ناحية أخرى فإن من يهرب يهرب إلى مأمن وهم خرجوا من سجن صغير إلى سجون كبيرة، وتلك مفارقة أخرى فقد كان هدف الانعتاق من السجن وفرض الإرادة بتنفيذ هذا الهدف هو الغاية إذ إن الأسرى الستة كانوا يعلمون أن هناك احتمالات كبيرة للإمساك بهم سواء في مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 أو في مناطق السلطة الفلسطينية وهو ما حدث حيث قسم الأسرى أنفسهم بعد أن وصلوا إلى بلدة الناعورة التي تبعد عن سجن جلبوع نحو 7 كيلومترات إلى 3 مجموعات ثنائية وتوجه كل منهم إلى مكان مختلف وبالفعل حدث ما توقعوه وهو اعتقالهم من هذه الأماكن المختلفة. ومع أن النية كانت الوصول إلى مدينة جنين الفلسطينية إلا أن الوصول إلى هناك لا يعني أنهم سيكونون بمأمن فقد اغتالت قوات الاحتلال قبل أيام قليلة 5 فلسطينيين في مناطق جنين وشمال غربي القدس في منطقة بدّو وبلدة برقين من بينهم المقاوم المطارد لقوات الاحتلال أحمد زهران.

بمعنى أن خروج الأسرى الأبطال كان في حد ذاته مجازفة كبيرة ويحمل معه احتمالات كبيرة بالاغتيال أو الاعتقال مجددا على أقل الأحوال أو العيش في إطار المطاردة والاضطرار للبقاء في أماكن موحشة ولا تصلح للحياة ولذلك كانوا في هذه الحال كالمستجيرين من الرمضاء بالنار.

لا يعني هذا الحديث بأي حال من الأحوال أن المحاولة كانت عبثية أو مجازفة غير لازمة بل كل هذه المقدمة هي لتفنيد فكرة ارتباط معاني الهروب بالجبن أو الخوف.

لا يعني هذا الحديث بأي حال من الأحوال أن المحاولة كانت عبثية أو مجازفة غير لازمة بل كل هذه المقدمة هي لتفنيد فكرة ارتباط معاني الهروب بالجبن أو الخوف

أما حديث البطولة فأقتبس هنا بعضا مما قاله الكاتب جوناثان كوك في مقال له في ميدل إيست آي في 12 سبتمبر 2021، "فقد أصبح الرجال الستة أبطالا لدى الجمهور الفلسطيني 3 مرات. فقد قدموا في الأصل تضحيات شخصية عبر الانضمام إلى المقاومة ضد الاحتلال والمخاطرة بحياتهم. وقد نفذوا "هروبا" جريئا ونادرا من السجن رغم أنف السلطات الإسرائيلية. وهم الآن هاربون، وقد تمكن اثنان منهم من الهروب لمدة 6 أيام واثنان لمدة 7 أيام، ولا يزال اثنان خارج قبضة إسرائيل، بالرغم من استخدام إسرائيل لكل الوسائل المتاحة لديها."

وبالطبع تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي من إعادة اعتقال الأسرى الستة مرة أخرى، ويمكنني أن أضيف هنا سببا رابعا وخامسا إضافة لما ذكره الصحفي كوك، ومنها صمود هؤلاء الأسرى وعدم انكسار عزيمتهم داخل السجون، أما السبب الخامس والذي يبدو من أهم ما حدث هو الهالة التي أحدثوها من خلال هذا الحدث خلال الأيام القليلة، لقد أعادوا قضية الأسرى على الأجندة المحلية والإقليمية والدولية.

وعلى ذكر هذه الهالة فإنني أكاد أجزم أنه لم يكن هناك فلسطيني في بقاع الأرض لم يتناول قضيتهم وقد كنا في مناسبة لزواج أحد الشباب الفلسطيني في إسطنبول وفيما لابد أن يغلب على هذه المناسبة حديث التعارف العائلي وتفاصيل الخطبة والزواج إلا أن الحديث كان عن الأسرى الستة وبطولاتهم وعن ضرورة توعية الأجيال بقضيتهم والتفكير بطرق خلاصهم من قبضة آخر احتلال كولونيالي في العالم.

لا أدري إن كان الأسرى الستة يدركون في تلك اللحظة التي كانوا يخرجون فيها من فتحة النفق أنهم كانوا أيقونة توحيد للشعب الفلسطيني كما القدس كما المسجد الأقصى، لقد كانوا أكبر وأنقى من الخلافات السياسية.

لا أدري إن كان الأسرى الستة يدركون في تلك اللحظة التي كانوا يخرجون فيها من فتحة النفق أنهم كانوا أيقونة توحيد للشعب الفلسطيني كما القدس كما المسجد الأقصى، لقد كانوا أكبر وأنقى من الخلافات السياسية

لقد حاولت قوات الاحتلال التغطية على هذا العمل البطولي الذي أحرج الاحتلال ومنظومته الأمنية من خلال إيجاد مخرج من قبيل أن الأسرى حصلوا على مساعدة من أحد الحراس داخل السجن للتخفيف من قوة هذا الإنجاز لكنها لم تنجح.

مرة أخرى تهاوت إرادة القهر أمام إرادة المظلوم ولو لساعات وتهاوت رواية الاحتلال أمام رواية الشعب المقاوم وقد رأينا حالة التضامن على كل وسائل التواصل والتي لا يستهان بها ولا يجب أن تتوقف ما دام الأسرى يعانون ظلمة السجون.