نظام الحكم في سوريا والاستثمار في العقوبات

2021.07.06 | 06:25 دمشق

alantsar_ly_alfqra.jpg
+A
حجم الخط
-A

تعتمد الإدارة الأميركية على خيارات وبدائل مختلفة في تعاملها مع أزمات العالم وذلك من  موقعها الأكثر تأثيراً بسبب امتلاكها القوة بكل مركباتها، ومن هذه الخيارات العقوبات الاقتصادية وتستخدمها كأداة سياسية لتحقيق العديد من الأغراض على صعيد السياسة الخارجية وكذلك السياسة الداخلية، وتبني العقوبات فيه جانب كبير موجه لإرضاء الناخب الأميركي، ومن ثم صورة من صور إبراز قوة النظام العالمي الجديد، بحيث تقول أميركا بأنها تستطيع أن تعاقب من تريد ومتى تريد من أنظمة حكم وكيانات وشخصيات، وربما تلتقي مصالح بعض الشعوب المحكومة بأيدي المستبدين مع أهداف هذه العقوبات، حيث تشير بعض الأرقام بأن أميركا تتبنى نحو 8400 برنامج عقوبات حول العالم، لم تحقق من أهدافها المعلنة أكثر من 23٪ بشكل تقريبي.

أعلنت الإدارة الأميركية غير مرة بأنها تسعى لتعديل سلوك الأسد وزمرته وليس الإطاحة به

في هذا السياق جاءت قرارات الإدارة الأميركية بفرض العقوبات على نظام  الحكم في سوريا منذ بداية المواجهة الشرسة التي أبداها ضد الشعب السوري الذي عبر عن طموحه بالتحرر والسعي نحو حياة كريمة عادلة، وقد أعلنت الإدارة الأميركية غير مرة بأنها تسعى لتعديل سلوك الأسد وزمرته وليس الإطاحة به، وبدأت العقوبات بالتدريج وعبر مراحل أكثر ما تشبه العقوبات المسلكية التي تبدأ بتنبيه شفوي ثم تنبيه خطي وبعدها إنذار شفوي كذلك ثم إنذار خطي ويوثق ذلك في سجل العقوبات، ولكن من غير المسموح لهذه العقوبات أن تصل لحد الفصل أو الإعفاء من المهمة والوظيفة المناطة بالنظام الحاكم. وعلينا هنا أن لا ننسى أن النظام السوري متمرس بشكل جيد في التعامل مع هذا النمط من العقوبات التكتيكية ولديه القدرة على التعامل معها بل والاستثمار فيها، والجدير بالذكر بأن هناك 13 برنامج عقوبات موجهاً لسوريا بين قانون وقرار وذلك منذ منتصف السبعينيات حتى اليوم.

وفي السياق السوري وبعد حجم الخذلان الهائل الذي تلقاه السوريون من المجتمع الدولي وهيئاته وأدواته خلال سعيه نحو نيل حريته، فقد بدأ يعلل الآمال ويرقبها من أي بادرة أو قرار دولي، بل حتى التصريح في مؤتمر صحفي، ولاسيما إن كان صادراً عن الولايات المتحدة الأميركية، ولعل قانون (قيصر) أكثر ما تعلق به السوريون وعلقوا عليه الآمال، ولكن ما الذي حصل؟

لقد استثمر النظام السوري في هذه العقوبات في ثلاثة مجالات وجميعها غاية في الأهمية والتأثير، أولها كان من خلال إعادة تسويق (البروبوغاندا الخالدة) وهي كذبة الممانعة والمقاومة على الشعب الذي لم يعد يملك من أمره شيئاً، واستغلال العقوبات بالمزيد من التشبيح المالي والاعتداء على خدمات ومستلزمات المواطنين وتبرير كل الفشل والفساد السائد في البلاد بحجة عقوبات قانون قيصر وغيره من حِزم العقوبات.

وثانيهما كان في التهرب من العقوبات من خلال إعادة إدارة الثروة والاستثمار بالاستعاضة عن الوجوه والأسماء السابقة والمعاقبة، بوجوه جديدة غير معروفة ولا مألوفة لدى السوريين، وتأسيس شركات وكيانات وهمية، وتهريب الأموال خارج البلاد، وتنمية ريادة أعمال مدمرة، أداتها الأساسية التشبيح المالي والإثراء السريع على حساب موارد البلاد وغالبية الشعب السوري، حيث نلاحظ اليوم كيف انقسم المجتمع انقساماً حاداً إلى طبقتين الأولى مترفة وفاحشة الثراء وهي طبقة السلطة والشبيحة الداعمة لاستمرار نظام الحكم، والثانية هي عامة الشعب المسحوق والذي وصل أكثر من 90٪ منه دون خط الفقر.

لم يسلم حتى المورد البشري والثقافي والقيمي من المشروع الإيراني في ظل صعوبة الظروف المعيشية لغالبية الناس

والاستثمار الثالث كان من خلال إطلاق يد روسيا وإيران بصورة أكبر في المجال الاقتصادي والاستثماري للموارد والثروات، من الموانئ والمطارات والنفط والغاز والاتصالات، ولم يسلم حتى المورد البشري والثقافي والقيمي من المشروع الإيراني في ظل صعوبة الظروف المعيشية لغالبية الناس واتساع الفجوة بين احتياجاتهم ومتوسط دخولهم، حيث انتشرت في أكثر من منطقة في سوريا ظاهرة استهداف قيم الناس وثقافتها الدينية والاجتماعية مقابل تقديم مساعدات ترتبط بلقمة العيش التي أمست عزيزة في ديارنا السليبة.

كل ما تقدم من رأي لا يعني أن العقوبات لم تُربك النظام ولم تحد من موارده، بل قيدت حركته في الكثير من المجالات والحالات، وضيقت على مصادر تمويله، ولكن الأثر لم ينعكس سوى على غالبية الناس وعلى موارد البلاد، وقد عوض النظام عن ذلك بالمزيد من الاعتداء على مقدرات وموارد البلاد.

العقوبات لم ولن تسقط نظاماً، والحالة السورية تحتاج استجابة دولية عالية الدقة والمستوى لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية، والتأسيس لنظام حكم مدني ديمقراطي يحقق تطلعات جميع السوريين دون استثناء.