نظام الأسد ونظرية علك الزمن

2020.09.03 | 00:04 دمشق

bshar.jpg
+A
حجم الخط
-A

اعتاد نظام الأسد ازدراد الزمن السوري. كان استهلاكه له أكبر من أن يكون مجرد عادة، لقد كان سياسة، يستنزف من خلالها خصومه، ويترك الظروف والأحداث تحاصرهم، فلا يتغير فيه شيءٌ، بينما تتغير فيهم وحولهم أشياءُ!

لقد ابتلع الأسد الأب ثلاثين سنة ثمينة من التاريخ، وحولها إلى مجرد وقت! كان السوريون ينتظرون مروره بانتظار أن يفرجها الله عليهم، وأن تسنح ظروف ما بحدوث تغيير يخفف عنهم مصيبتهم!

وقد أعاد ابنه تكرار الفعل ذاته، فأضاف إلى زمن الضحايا المهدور عقدين آخرين، حمل إليهم فيهما الخراب والدمار والتهجير والاحتلالات وانسداد الآفاق!

لكن عملية بلع الزمن المعتادة وبحكم المعادلة الذاتية والموضوعية، وفي ظل الاستحكام الكامل لحلقة الاستعباد على عنق النظام، والتي يشدها حوله حلفاؤه وخصومه على سواء ويرخونها ما أرادوا وشاؤوا، تحولت من فعل استهلاك كامل إلى مجرد علك!

الجميع يعرف أن نظام الأسد لم يعد قابلاً للحياة، ولا يستحق بذل أي جهد من أجل تعويمه، أو إعادة تدويره. ولهذا تتركه القوى الإقليمية والعربية والدولية معلقاً على آخر أعمدة الطريق الذي سلكه! فيمر به العابرون، ولا يرون فيه ما يستحق مجرد الالتفاتة!

في واقع الأمر يريد هؤلاء أن يتخلصوا منه، لكنهم ينتظرون أن يقوم أحد ما بالأمر عنهم، وبانتظار هذا الفاعل المجهول حتى اللحظة، يتعايش هؤلاء مع بقائه، بعد أن تعطل زمنه، وصارت فعاليته أقل من أن تؤثر في أزمنة الآخرين!

الزمن في سوريا التي يحكمها نظام البراميل بات مستهلكاً فعلياً، ونظرة بسيطة إلى واقع حال السوريين المختطفين بقوة السيطرة والسلاح والأفرع الأمنية.

النظام ذاته يدركُ أنه لم يعد يمتلك وفق آلياته السابقة إمكانية الاستمرار، لكنه لا يستطيع بعد الغرق في الدم طيلة عقد كامل أن يعيد إنتاج نفسه، وكل السبل المتاحة لديمومة وجوده تفرض عليه اضطراريا خروجه من المعادلة مع محاولة تقليصه لخسائره، وتعني فيما تعنيه أيضاً أن ينجو رأس النظام وعائلته وبعض أركانه من المحاسبة، إلى أن تقضي الظروف الدولية أمراً كان مفعولا، وأن يُقاد مثله مثل من سبقه من القتلة والسفاحين إلى المحاكمة على ما ارتكبه من جرائم!

وإلى حين أن يُقرر هذا المصير، لا يستطيع الأسد وزمرته الدموية أن يهضموا الزمن، فحين لا يحدث شيء، ولا يستفيد الجسد مما يبتلع، يصبح كل ما يدخله مثل الهواء الفاسد، والماء المبتذل، بلا معنى، كما يصبح الفعل ذاته مجرد إعادات، تتكرر بلا أفق لها، إنه علك!

الزمن في سوريا التي يحكمها نظام البراميل بات مستهلكاً فعلياً، ونظرة بسيطة إلى واقع حال السوريين المختطفين بقوة السيطرة والسلاح والأفرع الأمنية والميليشيات الطائفية والمرتزقة من كل حدب وصوب، تظهر لمن يرى كيف بات المحكومين مثل الأخيلة التي تمشي الأرض بلا أمل!

لم يعد مفيداً أن تكون مؤيداً للنظام كي تنجو، فالزمن الذي ستحاول النجاة من براثنه لن يدعك بحالك، لقد أغلق المُؤَيد على "جماعته" كل سبل النجاة، وربطهم بمصيره، وطالما شعر بأنه بائدٌ فإنه سيشد هؤلاء إلى هاويته التي لن ينقذه منها أحد!

أفضل ما يستحقه هؤلاء بحسب النظام هي حكومته الجديدة، المعلوكة أيضاً، بوجوه وزرائها المسترجعين من مستودعات الزمن البليد، وأيضاً مجلس شعبٍ حشد فيه كل قذاراته! وبدلاً من الطبيعة المعتادة من كونه بلا لون أو طعم أو رائحة، صار لونه مثل الدم، إذ يحتوي على قادة ميليشيات قتلت السوريين، وطعمه هو الفساد والنهب والتعفيش والتشبيح، وأظن أننا لسنا بحاجة لشرح كينونة الرائحة!

علكُ الزمن يساوي توقفه فعلياً، ولهذا يشعر كلُ من يعيش في سوريا، أنهم خارج حركيته، ولولا أنهم يتواصلون مع العالم الخارجي عبر الإنترنت، وعبر مشاهدة ما يجري حولهم من خلال الشاشات، لكان تساوى وضعهم وتوصيفهم مع المعتقلين في غياهب السجون، فكلاهما يُسامان العذاب، ويعيشان الموت، كلٌ بحسب موقعه وأحواله!

ووضع السوريين الآخرين، أي أولئك الذين لمتهم دول الجوار والمنافي القريبة والبعيدة ليس أفضل حالاً!

إنهم أسرى سيطرة اليأس، تحكمهم بقية صغيرة من احتمالات المستقبل بالتغيير، بعد أن ضاقت أحوالهم، وفقدوا الثقة بالمعارضات وبالمنظمات والهيئات التي صارت تحاكي النظام في لعبة تمرير الوقت، والتحكم بالأنفاس!

صار الأمل من حل ما يرتجى من هذا النظام عاجزاً ومحتضراً، ويحتاج إلى أملٍ أيضاً لكي يعيش!

فتذهب إلى جلسات اللجنة الدستورية، التي قرر النظام سلفاً أنها لن تكون سوى تعبيره الخاص عن فكرة علك الحياة وليس الزمن فحسب!

فيجتمع هؤلاء مع أولئك، لينالوا قسطاً من شرح المقولات المكررة التي سماها جهابذة الأفرع الأمنية "مبادئ وطنية"، ثم يؤوبوا إلى مستقراتهم، راضين مقتنعين بأنهم يفعلون ما يجب أن يفعلوه!

متى، وكيف، وبماذا سينتهي كل هذا الركود المقيت؟ بعد أن صار الأمل من حل ما يرتجى من هذا النظام عاجزاً ومحتضراً، ويحتاج إلى أملٍ أيضاً لكي يعيش! أليس في إعلان موته، قلبٌ لطاولة الزمن الباهت على رؤوس أصحابها؟! ولاسيما أولئك الذين اعتادوها وأدمنوها كمسألة غير قابلة للحل؟!

كلمات مفتاحية