نحن والأسد على أبواب قيصر

2020.06.12 | 00:06 دمشق

hswn16.jpg
+A
حجم الخط
-A

في واحد من المشاهد السيريالية التي ستبقى في ذاكرة السوريين طويلا.. يمد ضابط روسي يده قاطعا الطريق على بشار الأسد الذي يلحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويمنعه من مواصلة تقدمه وهو الذي كان ينوي توديعه وهو يغادر قاعدة حميميم الجوية السورية التي تتخذها روسيا قاعدة عسكرية، وفي مشهد آخر لا يقل سيريالية وهواناً يظهر بشار الأسد (الذي سنعلم لاحقا أنه شُحن بطائرة عسكرية من دمشق) يظهر وحيدا في قاعدة كبيرة في مكان ما من روسيا ويفتح أمامه باب كبير ليدخل عليه فلاديمير بوتين "القيصر الروسي" ومن ذات الباب الروسي يدخل على بشار الأسد قيصر جديد هذه المرة أميركي.

وفي العلاقة بين "قيصر روسيا" وبشار الأسد الكثير ليقال عن مزيج من العنجهية والفُجر والتعدي يقابله هوان وركون وانصياع مطلق.. ودونية تجلت مرة مثلا في مشهد وزير دفاع الأسد المُقزم قاعدا جوار سيده في قاعة روسية في دمشق السورية، وإن كان القيصر الروسي كما يحب أن ينادى، حُمّل لقباً كوريث لإمبراطورية ومجد تليد وعززه بوحشية معاصرة وإجرام وتدخل سافر فحاك المعنى بجانبه السلطوي الظالم القاهر للشعوب، فإن القيصر الأميركي الجديد حيك من صور جثث لأبناء سوريا الذين قتلتهم عصابة الأسد في الأقبية، تعذيبا وجوعا ومرضا وبردا وقهرا، القيصر الأميركي معزز بخلفية دموية وحشية وسلوك أسدي منقطع النظير في تاريخنا المعاصر على الأقل، قيصر روسيا يقتلنا ونأمل أن قيصرنا لن يفعل.. وعلى أبواب القيصرين يقف بشار الأسد.

قانون قيصر الأميركي الذي سيُفعّل ضد الأسد ونظامه وداعميه ومن سيفكر بدعمه، ليس منة من واشنطن ولا فيض إنسانية من النواب الأميركيين بقدر ما هو فيض من دم السوريين

قانون قيصر الأميركي الذي سيُفعّل ضد الأسد ونظامه وداعميه ومن سيفكر بدعمه، ليس منة من واشنطن ولا فيض إنسانية من النواب الأميركيين بقدر ما هو فيض من دم السوريين بعضهم الذي قُتل في السجون، وحيث إن دم السوريين سفك في كل بقاع البلاد ولم تنصف هذه الدماء بعد فماذا نريد من قيصر؟

نريد من قيصر الآن أن يكون مسمارا في نعش نظام الأسد الذي صنعه الثوار ومن خلفهم، من هم صابرون على مدى أكثر من تسع سنوات وهاهو يأتي اليوم مدعوما بثقل أميركي داخلي مثّله نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري دعوا رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب وإدارته لتطبيق صارم لقانون قيصر على نظام الأسد وعرابيه ومن يحافظون على وجوده معتبرين بشار الأسد منبوذا ولا يمكن أن يكون مسؤولا شرعيا، وهذه الصفات لا تطلق على جهة أو شخص يمكن التعامل معه أو التعويل على تعديل سلوكه كما دأب المسؤولون الأميركيون على التصريح، فالممنبوذ وغير الشرعي لا يعدل سلوكه بل يغيره، وهذا التغيير لن يكون إلا بأيدي السوريين فليستعدوا إذن لجولة جديدة من المواجهة مع الأسد قد تكون صعبة، لكن يمكن أيضا أن تكون نهائية وحاسمة في ظل الوضع الكارثي للبلاد والعباد الناجم عن سلوك الأسد والأسديين، الجولة الجديدة تحتاج إلى صبر -وهذا لا ينقص السوريين- وتحتاج إلى حكمة لإدارة المرحلة ليستفيدوا أقصى ما يمكن منها ومن تطبيق القانون العتيد الذي يتزامن أيضا مع عقوبات مستقلة وخاصة على إيران غير العقوبات التي ستشملها كإحدى عرّابي الأسد.

كل هذه المعطيات تجعل الأيام القادمة أصعب وأقسى على النظام لكن من خبرتنا في التعامل معه هو المُؤسس بقوة على الطائفية والمصلحية القاتلة فلن يخرج إلا وفق معادلته الصفرية -الأسد أو لا أحد-

هذا عام حاسم إذن، وقبيل تطبيق قانون قيصر وعلى أبوابه يترنح النظام اقتصاديا وكذلك عسكريا ودبلوماسيا، وإن غُلقت عليه الأبواب نهائيا كما يتوعده تطبيق القانون فلا بد أنه سيختنق وكما دخل القيصر الروسي عليه من الأبواب الموصدة لينقذه من سقوط كان وشيكا، ها هو يُدخل عليه قيصر كقانون لعقابه، فكيف سينقذه وهو الغريق، وكيف يمكن لحبال النجاة التي ما زالت إيران وميليشياتها تلقيها لإنقاذه أن تصل إليه، وهي أي إيران تحتاج إلى حبال نجاة، كل هذه المعطيات تجعل الأيام القادمة أصعب وأقسى على النظام لكن من خبرتنا في التعامل معه هو المُؤسس بقوة على الطائفية والمصلحية القاتلة فلن يخرج إلا وفق معادلته الصفرية -الأسد أو لا أحد- ونحن لا نريد الأسد وكذلك لا نريد اللا أحد، بل نريد أن تعود بلادنا إلينا دونه، ولندرك أيضا أن الرافضين لحكم الأسد أمام مسؤولية كبرى وفرصة يجب أن لا تضيع ويضيع معها مستقبل سوريا.

بعد أيام سيطبق قانون قيصر وما بعده ليس كما قبله فعلى الجميع أن يكونوا بمستوى التضحيات الجسام التي صَنع بعضها قيصر، وكلها لا بد ستصنع المستقبل.