نحن وأميركا والاستبداد

2021.05.03 | 06:25 دمشق

unnamed.jpg
+A
حجم الخط
-A

في مسرحية "ضيعة تشرين"، وعلى لسان الفنان الكبير / نهاد قلعي/، يقول الكاتب السوري المبدع /محمد الماغوط/ :"إذا أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا، فيجب أن تعرف ماذا في البرازيل". وكي نعرف ماذا في سوريا، وإلى أين تسير؛ لا بد أن نعرف ماذا في أميركا؛ ليس من منطلق عداء، أو استسلام لمشيئة دولة تقول في أمور كوكبنا "كن فيكون"؛ بل لنعرف واقعياً أين نقف، وماذا علينا فعله؛ لننقذ بلدنا وأنفسنا.

قيل عن مؤسس دولة الاستبداد الأسدية إن "يده كانت على الدوام في جيب الاتحاد السوفييتي، وقلبه مع أميركا". كان قادة السوفييت يعرفون ذلك، ولكن فسادهم ودكتاتوريتهم تعايشت مع هكذا حال. وأميركا من جانبها، تريد خادماً لأهدافها في المنطقة، وعلى رأسها "أمن إسرائيل"، وخاصة حدودها الشمالية؛ فتوفّر لديها مَن قام بالمهمة، فقتل الفلسطينيين وبعثر قضيتهم، وعَبَثَ بكل حركة تحرر عربية، وكتم أنفاس سوريا وشعبها. رغم  "العداء الإعلامي" وشعارات "المقاومة والممانعة" و"المؤامرة الأمرو-صهيونية"؛ لم تتغيّر السياسة الأميركية تجاه منظومة الاستبداد الأسدية؛ حيث كانت تلك المزاودات أداة لازمة ومطلوبة لقتل أي حياة سياسية سورية أو عربية.

مع انتفاضة سوريا الشعبية عام 2011، لا بد أن أميركا - وحتى إسرائيل- استشعرت خطراً حقيقياً على ذلك العقد المقدس بينها وبين الأسدية. فهي لم تقلق، حتى عندما رحل الشريك المؤسس لهذا العقد السافل، فباركت دعس الدستور السوري، وباركت التوريث؛ ولم يكن غريباً أن تكون  محطة CNN الأميركية أول من يعلن خبر وفاة الأسد.

لم يظهر للسوريين أن هناك استشعارا للخطر، وأن أميركا لا بد وأن تفعل شيئاً تجاه حدث كهذا. لم يدركوا أنه في ثنايا  الخطة لا بد من تشويه الثورة السورية بتكريس وصمها "بالمؤامرة الخارجية". وهنا نستذكر نشاط السفير الأميركي"روبرت فورد"، وكأنه من الثوار، ونستذكر زيارته لمسيرة حماه الأشهر في الأيام الأولى للانتفاضة، حيث انتشر إعلامياً على أوسع نطاق بأن "أميركا مع الثورة السورية". (وبالمناسبة، تطورت مهمة "فورد"، بعد خروجه من وظيفته ومن خلال كتاباته وأحاديثه، إلى بوق للتشويه والتيئيس والإحباط تجاه الثورة السورية)

لم يظهر للسوريين أن هناك استشعاراً للخطر، وأن أميركا لا بد أن تفعل شيئاً تجاه حدث كهذا. لم يدركوا أنه في ثنايا  الخطة لا بد من تشويه الثورة السورية بتكريس وصمها "بالمؤامرة الخارجية"

جرى الانتقال إلى الوضع الميداني، وكان منع من قام على الأسدية من تحقيق أي حسم أو دفاع في وجه طائرات الأسد وبراميله. ورغم أن أميركا تظهر عداءً تجاه "حزب الله" الذي ثبتت مسؤوليته عن قتل 250 جندي أميركي في عام 1982ومسؤوليته عن خطف أميركيين؛ إلا أنها لم تحرك ساكناً تجاه دخول ميليشياته الإجرامية إلى سوريا لإنقاذ منظومة الاستبداد الأسدية. وكذلك كان موقفها تجاه الحرس الثوري الإيراني الذي احتل سفارتها في طهران، واحتجز أكثر من 400 من مواطنيها  عام  1979والأخطر والأكثر فضائحية مباركتها للتدخل العسكري الروسي لإنقاذ نظام الأسد. وكل ذلك تحت ذريعة "مقاومة الإرهاب" الذي وُصمَت به ثورة الشعب السوري. وصلت الأمور بالبعض للقول إنه لو لم تقم روسيا باستخدام "الفيتو" في مجلس الأمن، لحماية نظام الأسد، لاستخدمته أميركا ذاتها.

لقد سمّينا السياسة الأميركية تجاه القضية السورية بعهد "أوباما" /السياقة من الخلف/، والتي تمثّلت بسحب الخصوم إلى مستنقع وساحة حرب يصفّون فيها بعضهم البعض؛ وسميناها "التلاعب" بمصير قضية هي الأشرف عندما ذهبت "فرق حساب" وورقة مساومة في صفقة النووي الإيراني- الأميركي. وضحك "أوباما" علينا وعلى العالم "بخطّه الأحمر"، وسَحَبَ بالتنسيق مع روسيا وإسرائيل ترسانة الأسد الكيماوية. وكل ذلك من أجل الحفاظ على منظومة  الاستبداد.

أتى "ترامب"، وكان الحالة الفاضحة للخبث والزيف الحاصل، فكان شخصياً- بالإضافة إلى بعض أفراد طاقمه - أكثر وضوحاً تجاه الاستبداد. أقلقت سياسته تجاه القضية السورية كل نصير للاستبداد؛ وردعت قليلاً جهات أرادت الانفتاح  الوقح تجاه هذه هذه المنظومة؛ ومرّر "قانون قيصر"  لخنق منظومة الاستبداد وحماتها اقتصادياً، وفضحت منظومة "الملالي" بشكل غير مسبوق.

يأتي "بايدن"، ويجد أمامه تراكماً عالمياً من قضايا تتشابك مع القضية السورية، وتحول دون مقاربة جادة لمأساة تهز ضمير الحجر، ولا تهز ضمير هذا العالم الدّعي بحقوق الإنسان وأمنه وكرامته. والآن، كي يلتفت إليها، لا بد لبايدن من إرضاء "ملالي" طهران، الذين يأخذون منها ورقة مساومة في ملفهم النووي. عليه أيضاً أن يمرّ عبر الحاجز الروسي، الذي يريد تصفير ملفات مستعصية ترزح على كاهل بوتين، كي يدخل للملف السوري. وللمفارقة، تجده يخلق إشكاليات لا مبرر لها مع تركيا؛ وهي قوة حاسمة في المسألة السورية؛ ولا بد من تصفير تلك التوترات، كي يُصار للولوج بالقضية السورية. وتبقى إسرائيل المدللة، التي عليه أن يتجاوب مع قائمة طلباتها في سوريا، كي يلتفت للموضوع السوري.

في ضوء كل ذلك، ومع تدويل القضية السورية، ومع وضوح أعداء الشعب السوري المتمثل بكل قوى الاحتلال الجاثمة على الأرض السورية؛ ماذا تبقى للسوريين؟ ما هو مصيرهم ومصير بلدهم؟ وماذا عليهم أن يفعلوا تجاه حال كهذا؟ هل هو الرضا بالتقسيم؟ أهو الاستكانة وترك الوحوش تفترسهم وبلدهم؟ أهو الاستمرار بمناكفات بعضهم البعض؟ أهو بتصغير أو تشويه كل من وما يمكن أن يكون بصيص أمل في الخلاص؟ 

مع اليقينية أنه ليس للغرباء مصلحة في إنهاء المأساة السورية؛ فهم - حتى ولو أبدوا رغبة- فإنهم يريدونها مفصّلةً على قياس مصالحهم. لنستفد من أن جميع هؤلاء تحركهم مصالحهم؛ وأن الجهة التي كانت توفر لهم هذه المصالح تحوّلت بفعل إجرامها وفسادها ولا أخلاقها إلى عبء يصعب حملُه. ومع اليقينية أنه ليس للسوري إلا السوري للبقاء، ومع وضوح الجهات التي يمكن أن تشكل أملا إذا تمَّ التعاضد والتحالف معها لاستعادة البلد، وبحكم إيماننا بأن قضيتنا قضية حق وقانون وشرف؛ لا بد من مشروع تحرير يعيد وضع سوريا وأهلها على سكة الحياة؛ ولا بد من الاستناد إلى حكماء سوريا وثوارها الصادقين العاقلين من نساء ورجال وشباب شجعان متحمسين للتوافق ورسم مشروع للخلاص.