نجاتي طيارة: في ذكرى شهداء الرستن أيار 2011

2020.05.04 | 00:01 دمشق

maxresdefault.jpg
+A
حجم الخط
-A

كان شباب الرستن قد شاركوا في الاحتجاجات والمظاهرات السورية منذ أوائل شهر آذار 2011، سواء في مدينة حمص أو مع جارتهم القريبة تلبيسة، التي أهدوها قطعا من تمثال الرئيس الأب، عندما أحرقوه وحطموه ردا على اقتحامها وسقوط شهدائها الأوائل في أواسط نيسان، وتتابعت مظاهراتهم مطالبة بالإفراج عن محطم التمثال، الذي كان قد تم اعتقاله، ثم احتجاجا على فض اعتصام حمص وسقوط شهدائه، وتضامنا مع أهالي درعا، برز في إحدى مظاهراتهم هتاف: مكتوب على دراعنا، نحمي درعا برواحنا. أما أكبر احتجاجات الرستن فقد حدثت في أوائل شهر أيار، حين أقيم مهرجان خطابي في ساحة كبيرة على جانب الطريق العام الذي يفصل بين قسمي الرستن الشهيرين باسم الفوقاني والتحتاني. وهناك توالى إلقاء كلمات المنسحبين من عضوية حزب البعث الحاكم، لكن عندما تتابع المعلنون وزادوا عن المائة والثمانين منسحبا، أطلقت عليهم النيران من بناية للأمن العسكري تعلو تلة مشرفة على الساحة عن بعد، فسقط على الفور ثمانية عشر شهيدا، وما كان من أهالي الرستن إلا أن سارعوا إلى بيوتهم ومزارعهم، وجميعهم فلاحون وصيادون يملكون كثيراً من بنادق الصيد (الكسرية والبومبكشن) وربما غيرها، وقاموا باحتلال وتدمير جميع مراكز الأمن في المدينة، فيما عدا مقارّ الشرطة التي حيّدوها لعدم تدخلها سابقا. فصارت الرستن بكاملها حرة مؤقتا، لكن على وقع الحزن ودماء الشهداء. ثم أقاموا سرادقا كبيرا للعزاء بشهدائهم، الذين أضافوا إلى تعدادهم شهيدا سابقا، وهو ملازم من آل طلاس كان قد رفض الأمر بإطلاق النار على متظاهري درعا، فتم قتله من قبل رؤسائه.

وحدث في اليوم الثاني لذلك العزاء الكبير في الرابع من أيار، وقبيل اعتقالي بأسبوع، أن ذهبت إلى الرستن لتقديم واجب العزاء، وعندما طلب مني بعض الحاضرين الكلام، ارتجلت الكلمات، وفوجئت بعد أشهر طويلة من اعتقالي والإفراج عني، بأنها مسجلة ومتوفرة على اليوتيوب، وفق فيديوالرابط التالي:

ونظرا لأن جمهور العزاء قد تقبّلها كما هو واضح في الفيديو، وبدليل تردادهم لبعض الشعارات المتميزة التي ذكرتها. ولأنني أراها اختصارا موجزا لرؤية الثورة السلمية وبرنامجها، الذي لم يُسمح لنا بمتابعته، وقد تم اختطافها لاحقا، ثم ضاعت بين غياهب الأحداث، فأنا أنشرها تحية للرستن وشهدائها، وكوثيقة للتاريخ والذكرى على الأقل. وهي كما يلي:

السلام عليكم أيها الأخوة

المجد للشهداء، أسكنهم الله فسيح جنانه وغمرهم بواسع رحمته.

أيها الإخوة:

أرجوكم مزيداً من العقل، مزيداً من الهدوء.

دعونا نفكر ماذا سنفعل في الأيام القادمة، معركتنا ما زالت طويلة، علينا أن نصبر وننظم أنفسنا.

 لقد أمضيت حتى اليوم 68 عاماً لم أسعد بها حتى تحررت في ساحة التحرير (ساعة حمص) في يوم الاعتصام، لقد حررنا أنفسنا من جرائم الديكتاتورية، من جرائم 48 عاما لم يعرف العالم مثلها صمتا وتغطية على الاستبداد والفساد. لقد أخرسونا طوال تلك الأعوام وكانوا يقولون دوما: العدو على الأبواب، علينا أن نبعد المظهر المسلح عن ثورتنا، السلاح بين أيديكم لكن عند الحاجة للحماية فقط، أرجوكم أن تؤكدوا المظهر السلمي، يريدون لكم أن تُظهروا السلاح وينزعوا عنكم ذلك المظهر السلمي النبيل..

أرجوكم أن تفكروا بمستقبل سوريا، نريد سوريا الجديدة لجميع أبنائها، سوريا دولة حقوق الإنسان، سوريا للجميع، رددوا معي: الدين لله والوطن للجميع (رددوها معي مرتين).

حيّاكم الله، وأعاهدكم أنا الذي ولدت من أبوين عربيين مسلمين سنيين، وكان ممكنا لي أن أولد من أبوين مسيحيين، أو علويين أو كرديين، لكنني اخترت ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة انتمائي، اخترت هويتي وهي المواطنة السورية، بهذه المواطنة أرفع رأسي عالياً فأنا أبن سوريا، سوريا الجديدة.     (أصوات غامضة......)                                                                                           

هم أفسدوا في الأرض (...... )  . لوّثوا روحنا، فلم نكن نجرؤ أن نتكلم مع أنفسنا، كان كل واحد منا منقسما على نفسه!.

 تتذكرون النكتة الشهيرة، التي تحكي قصة ولد، سأل والده وهما يصعدان إلى الباص، عما إذا كانت الصورة البارزة لمن كان يشتمه ليلة البارحة، فأنكره والده وصاح: لمن هذا الولد يا شباب!.

كان ذلك، ضمن مسيرة سنوات طويلة من الصمت كما تتذكرون. اليوم نهضتم أيها الشباب، أنتم مستقبلنا، نحن ذاهبون وأنتم ماضون في طريق سوريا الجديدة، وقد تعلمنا الدرس، الدرس العظيم: نسامح لكن لا ننسى، نسامح كي لا نغرق في ثارات وانقسامات، ولا ننسى كي نتعلم من أخطاء الماضي.

هذا هو الدرس العظيم لثورة جنوب أفريقيا: سامحوا الماضي وتعلموا منه.

سامحوا الماضي وتعلموا من أخطائه، لا تقعوا بها ثانية، لا تقعوا في أي حقد أو كره، تعلموا التضامن مع بعضكم، فنحن أبناء سوريا جميعاً، من جميع الطوائف والأديان والقوميات والجماعات، لم تحصل بيننا سابقا أية فتنة، ماعدا التي سببّها لنا الخارج وتجاوزناها والحمد لله عام 1860.

أيها الإخوة: يريدون تحويل طريقنا الى معارك فئوية، ونحن سنقول لهم لا، صدورنا عارية أمام أسلحتكم، لكن انتبهوا..انتبهوا مرة أخرى سنقف لكم بالمرصاد، كيفما هجمتم علينا، نحن ماضون في طريقنا سلميون، إن شاء الله، سلميون إن شاء الله ودوماً مع الشعب، مع الناس، مع المواطنة، وسلامي لكم.