ميقاتي يدخل بازار المزايدة على اللاجئين السوريين

2022.06.26 | 07:05 دمشق

0008.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن التهجمات العنصرية العديدة التي دأب على إطلاقها وزير الخارجية اللبناني السابق، جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، ضد اللاجئين السوريين في لبنان، مجرد زلات لسان، أو تهويمات شعبوي عنصري منفلت العقال، بل كانت تعبّر عن ممارسات وتوجهات ذات توظيفات سياسية واجتماعية محددة، وكانت تجد صداها لدى العديد من أترابه في نظام المحاصصة الطائفية اللبناني، حيث نشأ في سياق إعادة إنتاجها بازاراً للمزايدة العنصرية الرخيصة والمقيتة، التي تستهدف اللاجئين السوريين من طرف رموز وقادة هذا النظام، كي يجعلوهم كبش فداء للأزمات المستفحلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي أدخلوا لبنان فيها، ويريدون التنصل من المسؤولية الكاملة عنها عبر إلقائها على كاهل اللاجئين السوريين، بوصفهم الحلقة الأضعف التي لا تتمتع بأي حقوق، وليس هناك من يدافع عنها، إلا قلة من أصحاب الضمير الحيّ ومناصري حقوق الإنسان في العالم.

لجأ رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى أسلوب رخيص في المقايضة والابتزاز، وذلك عبر مطالبة الأمم المتحدة بدفع 3.2 مليار دولار لمعالجة تداعيات اللجوء السوري على لبنان

ويجذب بازار المزايدة على اللاجئين السوريين في لبنان ساسة من مختلف المراتب والأهواء والطوائف، ممن يسعون إلى تصدر المشهد السياسي، بمعنى أنه بات يشكل طريقاً لوصول وقبول المتسلقين بحبال السلطة، ويملك ركناً سياسياً، سواء على مستوى الممارسة أم السلوك، وتُهيأ له مقدمات وطقوس متعددة الاتجاهات مع تدني مراتب السياسة وانحطاطها في نظام المحاصصة الطائفية اللبناني، إلى درجة أصبح فيها بازار المزايدة على اللاجئين السوريين والفلسطينيين جزءاً من عالم تقديم الولاء والطاعة، وسائر أوراق الاعتماد، إلى قادة "حزب الله" القابض على رقاب الدولة اللبنانية وحليفه في الثنائي الشيعي، وذلك كي يرضوا عن أصحاب البضاعة الرخيصة فيه، ويدخلوهم في حسابات عملية توزيع المنافع والمناصب على أزلامهم، التي يحاولون تسويقها من خلال التلطي خلف مختلف شعارات المقاومة والمسميات التابعة لها ولغيرها، ويوظفونها لتبرير هيمنتهم على نظام طائفي، فاشل ومرتهن وفاسد.

ولجأ رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى أسلوب رخيص في المقايضة والابتزاز، وذلك عبر مطالبة الأمم المتحدة بدفع 3.2 مليار دولار لمعالجة تداعيات اللجوء السوري على لبنان، ولم ينتظر طويلاً الرد الأممي، بل ذهب فوراً إلى إطلاق تهديده لدول الغرب الأوروبي بأن لبنان سيتخذ "موقفاً ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية من خلال تطبيق القانون اللبناني بحزم"، الأمر الذي يشي بأن المطلوب منه هو أن يسجل هذا الموقف بحق اللاجئين السوريين، وبما يسهم في إلقاء تبعات الأزمات المستفحلة التي تعصف بلبنان على اللاجئين السوريين، وفي محاولة تبرئة النظام اللبناني والأوليغارشية المستحكمة فيه من أي تبعات أو مسؤولية عن الفساد المستفحل والمحمي من طرف أزلام السلطة، والخراب الذي يضرب كل القطاعات، والارتهان لأجندات نظامي الملالي الإيراني والأسد الإجرامي.

وجاء دخول ميقاتي بازار المزايدة على اللاجئين السوريين، الفاضح والمكشوف، قبل أيام قليلة على الاستشارات النيابية الملزمة، التي أجراها الرئيس عون في قصر بعبدا، من أجل تسمية رئيس وزراء جديد، لذا لم تكن مفاجأة إعادة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة من طرف نواب الثنائي الشيعي، كونها أتت كأنها تحصيل حاصل لما قدمه ميقاتي من أوراق إلى قيادات الثنائي الشيعي خلال مجمل مسيرته السياسية في رئاسة الحكومة اللبنانية السابقة، والتي أضاف إليها تأكيد دخوله بازار المزايدة الرخيصة، وذلك عبر إطلاق تهديداته للاجئين السوريين محمولة على تطبيق القانون اللبناني بحزم، بوصفهم الطرف الوحيد في لبنان الذي يمكن لميقاتي تطبيق القانون اللبناني عليه، في حين أنه يتمّ اختراق هذا القانون ليلاً ونهاراً من طرف زعماء واتباع كل القوى المهيمنة على الدولة اللبنانية، ولا يستطيع ميقاتي أو سواه تحريك أو تطبيق أي مادة من القانون اللبناني ضدهم.

واللافت هو أن حكومة ميقاتي، التي تشكلت في سبتمبر/ أيلول 2021، ورفعت شعار "معاً للإنقاذ"، قدمت قبل ساعات قليلة فقط من انتهاء صلاحياتها الدستورية، ما قيل إنها "خطة تعافٍ" مالي واقتصادي أو "خطة إنقاذ"، لكنها لم تحظ بقبول أو اهتمام أي من الأطراف والقوى السياسية اللبنانية، بل أثارت اللغط والعديد من إشارات الاستفهام حول معظم بنودها، وخاصة مصير أموال المودعين وحقوقهم، إضافة إلى أنها لم تقدم أي حل عملي لوقف تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، بوصفها أهم قضية في الأزمة الاقتصادية، ولم يتم التطرق فيها لا لقضايا الفساد، ولا لقضايا الأموال المنهوبة، ولا لأي من مشكلات الحياة اليومية للبنانيين الذين بات المريض فيهم لا يجد مجرد علبة دواء له في بلاده.

خلال عام 2020 والأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، "استبدلت البنوك الدولارات التي استلمتها من وكالات الأمم المتحدة بما يعادلها بالليرة اللبنانية على سعر صرف أقل بمعدل 40 بالمئة

ويبدو أن ميقاتي الذي فشل في "إنقاذ" أي شيء في فترة حكومته السابقة، يريد أن يبدأ تشكيل حكومة جديدة من بوابة إطلاق تهديداته "بإعادة اللاجئين السورين إلى بلادهم"، وابتزاز المجتمع الدولي عبر طلب مليارات الدولارات من المانحين، كي تضاف إلى المليارات التسعة التي سبق أن قدمتها الأمم المتحدة والدول المانحة للبنان، ودخلت في دهاليز ومتاهات النظام المصرفي للأوليغارشية اللبنانية، الذي ابتلع جهاراً مدخرات عامة الناس، وسطا على جزء هام من أموال المساعدات الأممية للاجئين السوريين، حيث أثبت تحقيق "طومسون رويترز" أن البنوك في لبنان "ابتلعت" ما لا يقل عن 250 مليون دولار من أموال المساعدات الإنسانية الأممية المخصصة للاجئين والمجتمعات الفقيرة في لبنان.

كما أكد مسؤولون من الدول المانحة للبنان، أن "ما بين ثلث ونصف المساعدات النقدية المباشرة التي قدمتها الأمم المتحدة في لبنان امتصتها البنوك منذ بداية الأزمة عام 2019"، وأنه خلال عام 2020 والأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، "استبدلت البنوك الدولارات التي استلمتها من وكالات الأمم المتحدة بما يعادلها بالليرة اللبنانية على سعر صرف أقل بمعدل 40 بالمئة في المتوسط من سعر السوق، وتلقى لبنان نحو 1.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية خلال العام 2020".، لذلك ترفض القوى المهيمنة في النظام اللبناني ما يطرح حول "دولرة المساعدات"، أي دفع المساعدات بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية المعرضة لتقلبات وانهيارات في سعر صرفها في كل يوم، وذلك كي تواصل إحكام سيطرتها على أحد المصادر القليلة للعملة الصعبة، والاستمرار في سرقة ونهب المساعدات المقدمة للاجئين السوريين، الذين يهددهم ميقاتي ومن يصطف معه بإعادتهم بالقوة إلى مناطق سيطرة نظام الإجرام الأسدي.