موازنات تريليونية سورية.. ودعوة للتعامل بالروبل!

2020.10.07 | 00:03 دمشق

2ced984a-088a-4c99-97c2-15085d7dc328.jpg
+A
حجم الخط
-A

يبدو أنه على السوريين من الآن فصاعداً أن يتعايشوا مع موازنات تريليونية، لم يكن يخطر في بال الاقتصاديين السوريين يوماً أنه سيأتي يوم تكون هنالك موازنة سورية أكبر من التي شهدها عام 2010 والتي بلغت حينها 754 مليار ليرة سورية أي ما يعادل 16.5 مليار دولار، وظلت الموازنات السورية ترتفع صورياً وتنخفض قيمتها الحقيقية منذ ذلك الحين بسبب سوء إدارة الاقتصاد والسياسة معاً مصحوباً بالفساد والإهمال والمحسوبية وزاد عليه تدويل القضية السورية والحرب بالوكالة على أرضه حتى وصلت موازنة عام 2020 إلى 4 تريليونات ليرة سورية ولكن هذه المرة قيمتها الحقيقية فقط 6.2 مليار دولار وهي الأخفض منذ عقود في تاريخ سوريا،  وجاءت موازنة 2021 غير مفاجئة من حيث ضخامتها حيث وصلت هذه المرة إلى 8500 مليار، بمعنى أكثر من ضعف الموازنة التريليونية للعام السابق صورياً ولكنها الأخفض في تاريخ سوريا على الإطلاق 3.7 مليار دولار (1دولار = 2300 ليرة سورية).

إن هذه الموازنة تقر أنه بالحد الأدنى أن النظام السوري يقر بتضخم 1100 بالمئة خلال عقد من الزمان، لكن الوضع أسوأ من ذلك، لأن موازنة 754 مليار ليرة كانت معنية بتنمية 14 محافظة سورية ومسؤولة عن 25 مليون سوري، بمعنى أن حصة الفرد من الموازنة عام 2010 كانت 29800 ليرة سورية أو 596 دولار سنوياً، بمعنى أن 15 مليون سوري يحتاجون 8.9 مليار دولار.

بمعنى آخر، إن على السوريين كي يحافظوا على نفس المستوى المعاشي البائس عام 2010 حيث كان نصف الشعب السوري تحت خط الفقر قبل الثورة، تحتاج حكومة النظام لموازنة عام 2021 قيمتها 20.5 تريليون ليرة سورية وليس 8.5 تريليونات ليرة حتى يعيش السوريون بمستوى 2010، دون إدخال عامل إعادة الإعمار الذي يحتاج إضافة تريليونات أخرى.

من أصل 3.7 مليارات دولار موازنة 2021 تم تخصيص نصفها تقريباً أو 1.5 مليار دولار (3.5 تريليون ليرة) من أجل اعتمادات الدعم الاجتماعي موزعة على دعم الدقيق التمويني والمشتقات النفطية و"الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية" وصندوق دعم الإنتاج الزراعي وتم استثناء المشاريع الكهربائية.

الجدير بالذكر أن دعم 811 مليار ليرة (1.6 مليار دولار) في موازنة 2018 لم يكن كافياً أصلاً وتعرضت ولاتزال مناطق نفوذ النظام لاختناقات اقتصادية ومعاناة للأهالي في الوقود والغاز والخبز، بمعنى أن الوضع للأسف غير مبشر بالنسبة لأهلنا في منطقة النفوذ الروسي.

السيد عرنوس يتجاهل الأثر المميت للمرسوم 3 لعام 2020 سيئ الذكر

لقد حرم النظام نفسه من نحو ملياري دولار كان يعيش عليها أهلنا في الداخل من تحويلات السوريين لأهلهم

الذي منع تداول العملة الأجنبية وأغلق محال الصرافة وجمد النشاط الاقتصادي بسبب شح العملة الصعبة في البنك المركزي، بحيث عالج المرض بقتل المريض.

لقد حرم النظام نفسه من نحو ملياري دولار كان يعيش عليها أهلنا في الداخل من تحويلات السوريين لأهلهم فخنق نفسه وخنق الاقتصاد وقرر الانتحار الاقتصادي بسبب مرسوم خاطئ وواضح أن عرنوس لا يقوى على مواجهات رأس النظام بالعودة عن الخطأ القاتل الذي تسبب بجمود الطلب الكلي، حيث لم يبق أمام الحكومة سوى بيع ما تبقى من ثروات سوريا على قلتها، وانتظار أن تتصدق عليها روسيا وإيران بالفتات.

إن امتناع النظام بدعم ايراني عن الدفع بأي حل سياسي سيزيد من العجوزات المالية والاقتصادية، وستكون طباعة العملة هو الحل المميت الوحيد الذي سيلجأ له النظام والعمل على بيع سندات خزينة لدولة فاشلة ومفلسة غير مجد لأنه لايوجد رجل أعمال فضلاً عن دولة تشتري سندات خزينة لاقتصاد خسائره تجاوزت الـ500 مليار دولار بمعنى أكثر من 100 ضعف موازنته الهزيلة في بلد فيها 39 قاعدة عسكرية لأكثر من عشر دول تقاسمها العالم مناطق نفوذ، وآخر ما كان يمكن أن يفعله النظام إجبار حيتان الفساد على إقراض الحكومة لتمويل الواردات وشراء سندات خزينة لدولة تقترب من الإفلاس، لكن هذا الخيار لم يعد ممكناً بعد التعرض لأموالهم واستثماراتهم "القذرة" وآخرها الحجز على أموال وأصول رامي مخلوف وصائب نحاس وغيرهم، والمعروف في أبجديات غسيل الأموال هو تهريبها خارج بلد المصدر وما تبقى هو للتمويه والبقاء إعلامياً كرجل أعمال "وطني" لأنه بساطة يعرف مصيره وقد تعلم من أقرانه في دول الفساد.

كعادة مشاريع الموازنات التي لايتحقق منها أحد آخر العام ورد في موازنة 2021 "وعد" بتأمين 70 ألف فرصة عمل! وهل تحقق أحد من تأمين 83416 فرصة عمل التي وعدت بها موازنة 2020؟ أو 69 ألف وظيفة في موازنة 2018؟

اللافت للنظر أن الموارد الضريبية لا يمكن الاعتماد عليها فمدير مالية حلب محمود الجمل قد صرّح في 26 سبتمبر 2019 بأن عدد المكلفين بضريبة للأرباح الحقيقية يبلغ 5779 مكلفا، منهم 979 قدموا بيانات عملهم للمالية، مقابل 4800 مكلّف لم يبادروا بإظهار البيانات، في حين تمت معالجة نحو 1616 ملف تراكم ضريبي عن العام 2017.

بعد عقد من المماطلة وتهميش مسارات جنيف السياسية واللجوء إلى مسارات الأمر الواقع من مسار أستانا وسوتشي واللجنة الدستورية وغيرها فإن منطقة النفوذ الروسية في سوريا تحتاج بالحد الأدنى 8.9 مليار دولار (20 تريليون ليرة سورية) أو 694 مليار روبل روسي وتحتاج لإعلان انتداب روسي حقيقي كي يكون الروس مسؤولين بشكل رسمي عن تأمين الغذاء والدواء والنفط والغاز ولديهم الكثير منه بحيث يبقون هم العنوان الوحيد لمنطقة نفوذهم دون أن تشاركهم بها إيران وفصائل طائفية عراقية أو قوات نظام سورية موالية لهما.

والخطوة الثانية لتطبيق الانتداب الرسمي هو التسعير بالعملتين الروبل الروسي والليرة السورية، بحيث يصبح كيلو اللحمة مثلاً بـ 3000 ليرة/379 روبل، و الجبنة 1500 ليرة/179 روبل روسي، والشاي 3500 ليرة/443 روبل، والبندورة 400 ليرة/50روبل، ليس لأن الروبل عملة مستقرة – لكنه أكثر استقرارا من الليرة السورية-  بل على العكس فقد خسر الروبل أكثر من ثلاثة أضعاف قيمته منذ عام 2008 حين كان الروبل يعادل 23 روبل للدولار الواحد واليوم عام 2020 وصل إلى 78 روبل للدولار الواحد!.

طالما أن سوريا ستكون "جمهورية الشيشان السورية"، وروسيا سيطرت على معظم مواردها ومرافئها لمدة 74 عاماً (49 عاما تمدد تلقائياً 25 عاماً ) – ما فوق سطح البحر وقاع البحر حسب عقد مرفأ طرطوس- وفوسفاتها، وقريبا مشغلاتها الخليوية، وتسعى جاهدة لأخذ مستحقاتها النفطية التي تنازعها عليها الولايات المتحدة في منطقة النفوذ الأميركية، وصور الرئيس الروسي في كل مكان في منطقة النفوذ الروسية في سوريا، والروس معنيون بإدارة  الأمن والعسكرة والسياسة والاقتصاد في سوريا، ووزير الخارجية الروسية يتصدر المشهد السوري، وبموجب قرار بوتين تم ترفيع السفير الروسي في سوريا ألكسندر يفيموف ليصبح مبعوثا شخصيا له كي يشرف على الشأن السوري فلماذا لا تعلن روسيا الانتداب الروسي الرسمي لعلها تخفف مؤقتاً من معاناة السوريين في منطقة نفوذها ويتم التعامل بالروبل الروسي كما هو في الشيشان؟