مهمة بيدرسن غير المكتملة

2022.05.20 | 07:16 دمشق

بيدرسن
+A
حجم الخط
-A

في كانون الثاني 2019، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش النرويجي غير بيدرسن مبعوثاً أممياً خاصاً إلى سوريا، عقب استقالة ستيفان ديمستورا، وأصبح بيدرسن المبعوث الأممي الرابع إلى سوريا، منذ بدء تدخّل الأمم المتحدة في القضية السورية.

وفق المهام الموكلة له أممياً، يجب أن يقود بيدرسن جهود الأمم المتحدة من أجل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، والذي يتضمن جميع عناصر الحل السياسي للقضية السورية، ففي شباط 2012 أصدرت الجمعية العامة القرار 66/253 والذي يطالب الأمم المتحدة أن تدعم التوصل إلى حل سلمي للنزاع من خلال عملية انتقالية سياسية، وبعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ اتخذ مجلس الأمن القرار 2254 كأساس لإنهاء الصراع.

القرار الذي كُلِّف بيدرسن بالسعي لتنفيذه وتطبيقه يتطلب امتثال جميع أطراف النزاع في سوريا للقانون الدولي، ويشدد على حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية دون قيود، ووقف الأعمال العدائية، والتعاون للتصدي للإرهاب، وتنفيذ تدابير بناء الثقة، وإطلاق سراح المحتجزين والمختطفين وتوضيح مصير المفقودين، وعودة اللاجئين بشكل آمن وطوعي، كما يجب أن يؤدي إلى إقامة حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، مع وضع جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تُدار تحت إشراف الأمم المتحدة وفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة".

وضع المبعوث الأممي ثمانية مسارات لعمله: المساعي الحميدة – اللجنة الدستورية - مجموعة العمل الإنسانية - مجموعة العمل لوقف إطلاق النار - ملف المعتقلين والمفقودين – الانتخابات - غرفة دعم المجتمع المدني – والمجلس الاستشاري للمرأة.

القرار المذكور حدّد لبيدرسن مهمته ورسم له خارطة الطريق التي يجب أن تمضي بها العملية السياسية بتسهيل من الأمم المتحدة، وبناء عليه وضع المبعوث الأممي ثمانية مسارات لعمله: المساعي الحميدة – اللجنة الدستورية - مجموعة العمل الإنسانية - مجموعة العمل لوقف إطلاق النار - ملف المعتقلين والمفقودين – الانتخابات - غرفة دعم المجتمع المدني – والمجلس الاستشاري للمرأة.

بمتابعة ما عمل عليه بيدرسن خلال ثلاث سنوات ونيّف، نجد أن أقل من نصف المهام الموكلة له قد حظيت باهتمامه، وركّز عليها، وبالتواصل مع الأطراف بشكل جدّي من أجلها، وربما بذل بعض الجهد كي لا تندثر، في حين أكثر من نصف مهامه الأخرى لم تُحقق أي تقدّم يُذكر، بل لم يلمس السوريون أي اهتمام لديه فيها، ناهيك عن عدم ممارسته أي ضغوط دولية أو مشاورات ذات قيمة بشأنها مع الأطراف الفاعلة في القضية السورية.

اهتم بيدرسن بـ"غرفة دعم المجتمع المدني" التي لا يعرف أحد جدواها أو قوتها أو مستوى مصداقية تمثيلها، والأهم أنها لا تمتلك أية آليات أو منهجية أو برنامج عمل، وليس لها مخالب لتطبيق ما تصل إليه، ولا حتى آلية لتقديم ما تصل إليه للأطراف المتناقضة في العملية السياسية السورية.

اهتم المبعوث الأممي بشدّة بـ"المجلس الاستشاري للمرأة" الذي سعى من خلاله للتأكيد على دور المرأة في صنع السلام، والمساواة بين الجنسين، ودعم حقوق المرأة ومناصرتها، وحالها كحال غرفة دعم المجتمع المدني، لا يُعرف ما هو جدواها، ولا صوابية تمثيل أعضائها، ولا أهمية ما يناقشونه، ولم يكن لها أثر أو تأثير، ولو مجهرياً على العملية السياسية السورية رغم مرور سنوات على تشكيلها.

وأخيراً، ركّز بيدرسن على ضمان المضي باجتماعات اللجنة الدستورية، التي يُعطّلها النظام السوري كل مرّة، وهو المسعى الحميد الملموس الذي يقوم به، رغم أنه ناقص، لأن الرجل يقف تقريباً موقف العاجز بعد كل دورة وهو لا يستطيع حتى القول صراحة إن هذا النظام محتال ويقوم بتعطيل كل شي يمكن أن يقود إلى حل سياسي أو لدولة ديمقراطية طبيعية، ولم تنجح كل اتصالاته مع الأطراف الفاعلة كي تُمارس ضغوطها على هذا النظام ليقبل بالعمل بجد ضمن هذه اللجنة.

عدا ذلك، لا نرى أثراً ملموساً لعمل بيدرسن، ففيما يخص "المساعي الحميدة" التي تهدف إلى بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة، وعقد وتسهيل المفاوضات من أجل تسوية سياسية للصراع السوري، لتنفيذ القرار 2254، والإشراف على مفاوضات شاملة ومستدامة بين المعارضة السورية والنظام، والتواصل مع أصحاب المصلحة الدوليين والتعاون لدعم العملية السياسية في جنيف، لم يعمل بيدرسن على ما له قيمة ملموسة، فلا الثقة بُنيت بين الأطراف السورية المتحاربة، ولم يبحث عن نقاط الضعف التي يمكن للمجتمع الدولي الضغط من خلالها على النظام السوري للقبول بالمضي قدماً بالحل السياسي، بل زادت حدة الهوة والخلاف والتصادم بين كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على أكثر من صعيد.

وفيما يخص "مجموعة العمل المعنية بالشؤون الإنسانية"، لم تُحقق مساعيه أي نتائج في رفع الحصار عن بعض المناطق، أو ضمان ديمومة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى مناطق المعارضة، أو في حماية المدنيين، وبقي حتى اليوم قسم من المساعدات الإنسانية يمر عبر مناطق النظام، ويخضع لمزاجيته وموافقاته، فضلاً عن توزيع المساعدات بشكل غير عادل في مختلف أرجاء سوريا.

الأمر نفسه ينطبق بشأن ملف "المعتقلين والمختطفين والمفقودين"، الذي لم يستطع ضمانه كأولوية من الأولويات الرئيسية، ولم يستطع تحريكه، ولا إحراز أي نقطة لصالح مئات آلاف البشر المُعذّبين، رغم أنه قضية إنسانية فوق تفاوضية يجب أن تخضع لأقسى وأقوى المعايير الدولية لإغلاقها.

وأخيراً ملف "الانتخابات الشاملة والحرة والنزيهة"، الذي يُعدُّ عنصراً أساسياً في العملية السياسية، وينوط رسمياً ببيدرسن العمل على الوصول لعمليات انتخابية تتم وفقاً لإطار دستوري جديد تحت إشراف الأمم المتحدة، ومن العبث والمضحك الحديث عن أي تقدّم في هذا الملف حتى اليوم.

يمكننا القول إن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن لم يستطع التقدم بالملفات السورية التي بين يديه، ويبدو عاجزاً عن فرض تغيير ينتظره السوريون، ولا يُمارس "دهاءه" السياسي الذي تحدثت عنه الأمم المتحدة عند تعيينه

خلاصة القول، يمكننا القول إن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن لم يستطع التقدم بالملفات السورية التي بين يديه، ويبدو عاجزاً عن فرض تغيير ينتظره السوريون، ولا يُمارس "دهاءه" السياسي الذي تحدثت عنه الأمم المتحدة عند تعيينه، ويميل مع اتجاه التيار، ويخشى أن يغضب منه طرف أو ينتقده طرف، بل وربما بات ملموسا ميله لطرف على حساب الآخر، وأنه يُفضّل السير إلى جانب الجدار دون إحداث الكثير من الضوضاء.

لا يمكن تحميل المبعوث الأممي مسؤولية أكبر من مسؤوليته، وأكبر من مهمته المفوض بها، لكن السياسة والدبلوماسية هي مواقف وخبرة وممارسة، والرجل يمكن أن يتحرك ضمن الهوامش الممنوحة لديه، ومن المفترض أن يكون أكثر قوة في التعاطي مع هذه الملفات، ويسعى بجد إلى تحفيز نقاط الضغط التي يجب على المجتمع الدولي والدول الفاعلة أن تمارسها لتحقيق التقدم في العملية السياسية نحو الحل السياسي الذي تسعى إليه الدول الداعمة لسوريا وترعاه الأمم المتحدة، ولعله  ليس حتى بالحل المرضي تماماً للسوريين الثوار.