منولوج إضافي لرئيس مهزوم

2021.09.09 | 06:35 دمشق

assad-smiles_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

في عزاء حافظ الأسد، جاءت إلى مدينة القرداحة وفود أهلية وسياسية من مشرق الأرض إلى مغربها، لتقابل الرئيس الوريث.

كانت ثغور الوجهاء ورجال الأحزاب تهش بوجه رجال عائلة الأسد المكفهرة، لكن هذا لم يفسد في الأمر شيئاً؛ لقد مات الرئيس، وعلى الجميع أن يهتفوا: عاش الرئيس!

وحده حسن نصر الله، لم يأت بقيادة حزبه فقط، لتقدم الولاء ولتهتف بالشعار، بل جاء بها وبفصيل من جنوده، ليقدموا عرضاً عسكرياً أمام بشار الأسد.

طعم الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان ما يزال في فم الرجل، لكن موت الأسد الأب بعد أسبوعين من الحدث أفسد الفرحة، غير أنه لم يلغِ ضرورات المرحلة الجديدة، ومنها، أن يُظهر الحزب قواته من الآن فصاعداً، ليس بوصفها حركة مقاومة، بل على أنها قوة عسكرية لدولة نمت، وستنمو داخل الدولة الرسمية لبنان.

شيء كان يحدث أمام الأسد الصغير، كان يعاد إلى الماضي، ولعل هذا من أسوأ ما يمكن أن يواجه رئيساً شاباً يريد أن يصبغ مرحلته باسمه

نظرات الأسد وهو يشاهد المقاتلين يؤدون المسير الاستعراضي لأسلحتهم، كانت تشي بارتياحه لما يراه، فهذه بداية جيدة، تختلف تماماً عن كل ما مر خلال الأيام الماضية، لقد جاء قادة العالم كي يبلغوه أنهم لن يغيروا شيئاً من سياساتهم تجاه سوريا، طالما أنه سيلتزم بنهج أبيه! ولكن من قال لهؤلاء أنه يريد أن يكون مثله؟!

لقد أنجز والده صياغة وترتيب المشهد من أجل أن يرث مكانه، لكنه لم يشهد مثل هذا الحضور لرجال "هزموا" إسرائيل، صحيح أن ما يراه الآن هو خلاصة التعاطي مع اللبنانيين بعد دهر من المناورات والألاعيب، وبناء التحالفات ثم نقضها، والانقضاض على الحلفاء، ثم بناء علاقات جديدة، بناء على توافقات دولية، أتاحت له أن يفعل في البلد الشقيق ما يفعله، وما لا يفعله في سوريا.

لكنْ.. شيء كان يحدث أمام الأسد الصغير، كان يعاد إلى الماضي، ولعل هذا من أسوأ ما يمكن أن يواجه رئيساً شاباً يريد أن يصبغ مرحلته باسمه، لا باسم أحد آخر، فعلياً لم يستطع وحتى بعد عقدين أن يتخلص من تركة "الحركة التصحيحية"، وهي بالتأكيد ليست رجالات "الحرس القديم" كما أحب الإعلام أن يسمي قادة المرحلة السابقة، إذ كان من السهل التخلص من هؤلاء عبر آليات التقاعد، وإذا حدث وكانت هناك حاجة لأحد منهم، يمكن ببساطة ان يستعاد بوصفه مستشاراً أو متعاوناً، وقد حدث هذا مع كثيرين عادوا ليخدموا النظام بعد الثورة عام 2011، فجلسوا في مكاتبهم ليمارسوا مهنتهم التي لا يعرفون غيرها؛ التحقيق مع المعتقلين، وقيادة السرايا الأمنية، والتخطيط العميق لتخريب الحراك الشعبي، وتدمير الفصائل الثورية من خلال اختراقها من الداخل، وتخريب ما يمكن تخريبه، وقيادة الجهاديين من الخلف، ليصنعوا ما هو مفيد للنظام، ولحربه على الثائرين.

كان عليه أن يقدم وصفته الشخصية مقابل وصفات أبيه، الرجل الذي قيل وما زال يقال إنه يحكم سوريا من قبره، ولهذا كان يجب أن يتخلى عن أملاك السوريين فيقدمها إلى حلفائه، الذين سال لعابهم أمام عقود التأجير طويلة الأمد،

خطط الأسد الأب ورجالاته، وتحالفاته العميقة مع إيران، وفصائلها المتناثرة حول سوريا، واللجوء إلى الروس في اللحظات الحرجة، كل ذلك كان ممسوكاً على الطاولة التي يقف أمامها بشار الأسد، لكن الهزيمة المدوية للثورة لم تحدث، رغم كل ما صنعته تطبيقات المناهج التدميرية للحرس الثوري الإيراني في قتل المتظاهرين عبر قناصات مخفية، وقتل رجال أمن من جهة أخرى، وقتل الناس بالغازات السامة، واجتياح المدن والقرى والبلدات وتدميرها بالقصف وبالبراميل وفق منهج الجيش الروسي البوتيني في غروزني عاصمة الشيشان.

كان عليه أن يقدم وصفته الشخصية مقابل وصفات أبيه، الرجل الذي قيل وما زال يقال إنه يحكم سوريا من قبره، ولهذا كان يجب أن يتخلى عن أملاك السوريين فيقدمها إلى حلفائه، الذين سال لعابهم أمام عقود التأجير طويلة الأمد، فهنا رجل يريد أن يبيع نفسه لأخس الشياطين، مقابل أن يبقى على الكرسي، وأن ينتقم من السوريين، الذين أهانوه وعائلته، وكالوا له أقذع الشتائم.

لقد نجح في إطالة أمد المعركة، وفي تهجير ملايين السوريين، وعرّض جمهور مؤيديه لأشد الأوضاع المعيشية قسوة، حتى باتوا مهددين بالجوع، فصاروا يتوسلون للميت الحي بأن يعود، كي ينقذهم مما همُ فيه!

لكنه لم ينتصر، ولعل الفصول الأخيرة توضح أن نصره المزمع لم ولن يأتي بقدرات جيشه، أو حتى بقوة حلفائه، بل سيأتي عبر حاجة الآخرين لاستعمال سوريا كممر لمشروع حيوي لنقل الغاز المصري إلى لبنان، وعلى هذا الإيقاع سيقول ملك الأردن: إن الأسد سيبقى طويلاً! وسيأتي رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، على رأس وفد درزي كبير، ليقف بين يدي الأسد في قصر الشعب، مجدداً العهد له وللعائلة وللنظام، وسط دائرة بيضوية من الشخصيات المرافقة!

هنا، سيستعيد شخص ما، بذاكرة حادة، صورة لحافظ الأسد وهو يجلس باسترخاء على كرسيه، بينما تتبدل الشخصيات اللبنانية، التي يلتقيها، ويبقى هو على حاله، لا شيء يتغير سوى ربطات عنقه وقتامة ألوان بذلته، فيقارن بينها وبين صورة لقاء الأسد وأرسلان؛ لقد فرض الأب سلطته من قصر المهاجرين، من تلك القاعة الصغيرة، فلم يكن بحاجة لعرض عسكري غرائبي من حسن نصر الله، ولم يكن مُضطراً لاستقبال أكثر من تسعين شخصاً، ليتأكد من ولائهم، كما يفعل ابنه!

حتى في هذا التفصيل، يرفض شبح حافظ الأسد أن يغادر المشهد، إنه مصرٌ على البقاء، رغم أن كاتم أسراره محمد سليم دعبول قد لحق به منذ أيام، وفي المقابل بماذا، وبمن، سيفتك ساكن قصر الشعب؟ كي يقنع نفسه أنه مثل أبيه، وربما أفضل؟