منظومة النظام القانونية... الطلاق مثالاً

2018.12.22 | 23:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

جلست صباحاً في غرفتها تفكر بخوف لكن بثقة بأنه ولأول مرة ستنفذ ما فكرت به سابقاً. نظرت إلى زوجها النائم بعمق، تشعر بأنه غريب عنها تماماً، تعاين تفاصيل وجهه. إنها على يقين بأنها لم تحبه يوماً.

يستدعي عقلها كل الفروقات والاختلافات والخلافات التي جمعتهما، لاتجد أي شيء مشترك بينهما سوى طفلين

وصلت هذه المرة بسرعة إلى القرار الذي تجاهلته طويلاً.. الطلاق.

اعتقدت أن الوضع سيكون صعباً في بلاد غريبة عنها.. لكن الطلاق كان كأي معاملة عادية على العكس تماماً استطاعت السير في الإجراءات والحصول على الطلاق وكأنها تتم أية ورقة روتينية مع الحصول على كل الدعم اللازم المقبول سواء المادي أم النفسي.

وكانت أن مرت بتجربة الطلاق بدون تشكيل أي ضغط نفسي أو عائلي من أحد.

فإجراءات الطلاق في أوربا تعتمد المساواة وليس الوقوف إلى طرف ضد آخر. لكن القضاء الأوربي يدعم المرأة والطفل

فإجراءات الطلاق في أوربا تعتمد المساواة وليس الوقوف إلى طرف ضد آخر. لكن القضاء الأوربي يدعم المرأة والطفل وخاصة عندما تتكفل المرأة باحتضان أطفالها.

تجربة صغيرة عاينتها عن كثب..

قرأت الكثير عن المقالات التي تعاين إحصائيات الطلاق للمرأة السورية في أوربا ودول اللجوء الأخرى لكن لم يتطرق أحد بشكل جدي لماذا تطلب المرأة السورية الطلاق الآن؟ مالسبب وراء قدرتها على الانفصال مع أن بعضهم وصلت إلى خريف العمر.

 للرد على التساؤل يكفي أن أعود بقوانينا البالية السورية فيما يخص الأحوال الشخصية والطلاق ومستتبعاته

تذكرت حملة الأحوال الشخصية والتي لم تلق بالاً للنظام.

وأتذكر لقاء ناشطات سوريا عام 2009 إبان الحملة على مشروع القانون حينها مع المدعوة أسماء الأخرس وقد شرحن لها الظلم والاضطهاد الذي تتعرض له المرأة جراء قانون الأحوال الشخصية المطبق، لكنهن تناسين أنهن يتكلمن مع امرأة تكني نفسها بعائلة زوجها مع أن قانون الأحوال المدنية لم يفرض كنية الزوج. فأي إصغاء كان حينها سيخطر ببالهن أن يتلقوه.

رغم كل حملات المطالبة بتعديل وإلغاء الكثير من المواد القانونية المسيئة للأسرة السورية، وبرغم وجود خطوات مهمة في الوطن العربي على صعيد الأسرة منها تونس، وفي بعض أجزائها مصر، لكن النظام حينها كان يضرب بعرض الحائط كل النداءات والحملات والاستطلاعات، دون أن نعي ماهية هذا التشبث الغريب!!

الآن فقط نستطيع فهم منظومة عدم رغبة النظام بإعطاء المرأة أي قوة أو دعم أو دفع للأمام. هو بقوانينه المهترئة يقوم بقمع المرأة وكسرها، أي يقوم بقمع نصف المجتمع

الآن فقط نستطيع فهم منظومة عدم رغبة النظام بإعطاء المرأة أي قوة أو دعم أو دفع للأمام. هو بقوانينه المهترئة يقوم بقمع المرأة وكسرها، أي يقوم بقمع نصف المجتمع، بدون أن يتدخل أو يعمل على ذلك، فهو يسلم هذا القمع لشريكها الرجل ليكون المراقب العام للنظام على كل تصرفاتها دون أن يدري أو يشعر بأنه شريك قمعي.

لذلك نجد المرأة غير قادرة على التصرف أو التحكم بأمورها وقراراتها حتى لو كانت تحمل أعلى الشهادات، فهي بحاجة إلى الاستقلال المادي أولاً وإلى الاستقلال النفسي والعائلي، وطبعاً رواتب العمل التافهة لا تعتبر استقلالاً مادياً لأنها غير قادرة على سد أتفه الحاجات الشخصية.

لذلك تجد نفسها عند كل منعطف أو محاولتها لأخذ قرار تقف أمام جدران عالية الأهل.. الاخ.. الأب.. المأوى.. خسارتها للحضانة.. الناس.. المجتمع.

من جهة أخرى عندما يقوم الرجل بفرض سلطته وسيطرته على المرأة، فهو يشعر بأنه يستطيع التحكم بمصير عائلته، ويشعر بالقوة والانتصار بأنه يحكم السيطرة على عدة أفراد يخصون حياته، وبالتالي ذلك سيعطيه الشعور بالرضا الداخلي ويلهيه أو ينسيه التفكير بقضيته الأكبر، وهو عدم قدرته على التعبير عن أي شيء أو التذمر من وضعه المعيشي السيء فتراه يتشبث بكل ما أتيح له من قدرة للتعبير عن الذات.

فتراه يجد في هذه المساحة الصغيرة التي أتيحت له أن يفرض لها كل سطوته الصغيرة بعيداً عن الدائرة الكبيرة التي يعيش بها والتي يكون بها غير قادر حتى على الإيماء بالرفض في تعابير وجهه وبالتالي هو ليس إلا ضحية منظم لها أن تأخذ دور الجلاد حسب ما رسم لها.

هكذا بكل بساطة تكون معادلة النظام المجرم الذي لم تتوقف جرائمه على إبادة شعبه وتهجيرهم بل امتدت حتى إلى التدمير النفسي والأذية للأسرة القابعة تحت ظله، بدون أن يشغل باله إلا بثبيت كل القوانين المهينة للمرأة من جهة وإطلاق يد السلطة الدينية من جهة ثانية من فتاوى عائلية والتلويح بالعقاب الإلهي الشديد لمن تعارض زوجها أو أخيها أو والدها.

هي منظومة متكاملة من القمع، تخرج منها المرأة غير قادرة حتى على التعبير برغبتها الشخصية في حياتها الخاصة

هي منظومة متكاملة من القمع، تخرج منها المرأة غير قادرة حتى على التعبير برغبتها الشخصية في حياتها الخاصة فكيف لها حينها أن تعبر عن قضايا أعم وأشمل.

هنا فقط نفهم سبب خوف النظام من امرأة تعاني كل ما تعانيه من ضغط نفسي لكنها رغم ذلك قادرة على تجاوز الحاجز والانطلاق أبعد من ظرفها للتفكير بمحيط أكبر ومناقشة ظرف أكبر.. فيبادر النظام حينها إلى فرض ضغط جديد وهو ضغط الاستدعاءات الأمنية والتلويح بالاعتقال أو حتى الاعتقال لخنق أي روح للحرية في داخلها. لتعود مجدداً إلى ظرفها الأسري مثقلة بالذنب لأنها تجرأت ونظرت أو فكرت إلى أبعد ما هو مسموح لها فكرياً.

أما عن المرأة التي رغم ذلك تعاود الكرّة فيتم اعتقالها وتغييبها قسرياً لأنها خطر على المجتمع المنغلق وربما تحرض أخرى على الحذو حذوها.

لذلك نجد ما إن تتحرر المرأة من همجية القوانين وتتنفس قليلاً مع دعم بسيط جداً من القانون الأوربي بإعانة مادية تكفيها ونكفي أولادها. مع إيجاد مأوى تجدها تتخذ القرار بعيداً عن ملوثات النظام العقلية بالانفصال ليس لرغبة منها الانفصال بقدر ما هو رغبة مغيبة بفعل العادات والتقاليد والقوانين ولكون الطلاق هو بمثابة صك تسليم من المرأة بأن تتنازل عن منزلها ومطبخها والسقف الذي يغطي رأسها وربما أطفالها ومصروفها الشخصي وتنتقل بالمقابل من سلطة رجل إلى سلطة عدة رجال كأخوتها ووالدها وأحياناً كل رجل في العائلة يدس أنفه في شؤونها الشخصية.

الطلاق هو شكل من أشكال الحرية للمرأة فكيف للنظام أن يمنح مجتمعه قوة القرار.