منتخب السلطة أم منتخب الوطن؟

2021.12.22 | 05:04 دمشق

166177image1-1180x677_d.jpg
+A
حجم الخط
-A

انتهت منذ أيام بطولة كأس العرب بنتائج رياضية وتنظيمية لم تشبها أية شائبة وكانت الرياضة والأخوة بين الشعوب عنواناً مميزاً على الرغم من الخلافات البينية الظاهرة أو المستترة بين الأنظمة وعلى الرغم من المصالحات البطيئة القائمة على قدم ونصف ساق عرجاء في كثير من بقاع المنطقة العربية. وقد حفلت معظم اللقاءات بتعبيرات واضحة وصريحة عن تضامن الشعوب العربية مع قضية فلسطين العادلة دون سواها من القضايا التي ما زالت تشكل موضوعاً للخلاف وللتشابك بين آراء متنافرة حولها كما القضية السورية العادلة. 

وكان واضحاً أنه من الصعب على لاعبي منتخب الجزائر الفائز بالبطولة رفع علم سوريا المسلوبة داخلياً إلى جانب علم فلسطين السليبة من قوى استعمارية واستيطانية غاصبة. فالرأي العام، والذي تعكسه تصرفات اللاعبين، يلتقي على التضامن مع قضية العرب الأولى فلسطين، ويختلف أو يحاول أن يبتعد عن قضية السوريين المتعرضين لقمع واستبداد بنيويين منذ عقود بتضامن من سلطات عربية مستبدة كما الجزائرية التي يُعارضها كثيرٌ من مواطنيها عبر المشاركة في حراك سلمي متميز. 

الملاحظ والمثير للتساؤل المشروع بعيداً عن أية تأويلات تحفل بها عقول مصابة بلوثة المؤامرات، أن مجمل الفرق العربية المشاركة كانت تحظى بتشجيع من جماهير بلدانها ممن التّفوا حول أنظمتها أو ممن عادوا أنظمتها لاستبدادها ولطغيانها. وقد تُرجم هذا التشجيع من خلال الجماهير التي احتشدت في الملاعب من جهة كما من خلال متابعة تعليقات وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بهذه المباريات ونتائجها. وربما يُستثنى من هذا التعميم "المنتخب السوري".

لماذا إذاً اختلف الأمر مع السوريين الذين اختاروا إدانة المشاركة بشكل حاد إلى درجة أن اختلطت عليهم أمورها حيث اعتبر البعض منهم أن رفع علم النظام السوري هو جزء من مؤامرة كونية لتعويمه عبر كأس العرب.

المصريون مثلاً، والغالب الأعم من جماهيرهم المقيمة في قطر تعارض النظام المصري وتعاني في بعضها من الحرمان من العودة لبلدها، لم يتوانوا عن الوقوف صفاً واحداً خلف منتخبهم الوطني، وهم يعرفون دون أية مواربة أن انتصاره إن حصل سيتم استغلاله من قبل السلطات السياسية.

كما الجزائريون الذين معظم جماهيرهم الكروية سبق أن شاركت نظرياً أو عملياً في الاحتجاجات السلمية ضد الديكتاتورية والفساد في بلدها من خلال الحراك الوطني، لم يختاروا الحياد في موقفهم، بل على العكس تماماً اختاروا تشجيع لاعبيهم بمعزلٍ عن أية مواضيع أخرى. وكما المغربيون الذين تعارض جماهيرهم سياسات المخزن الفاسدة والقمع الممنهج للحريات كما الاعتقالات التعسفية في صفوف قادة الرأي لديهم، وأخيراً، تُجمع هذه الجماهير على إدانة التطبيع المتسارع مع دولة إسرائيل، لم يُجاهروا إلا بالتشجيع والحماس لمنتخبهم الكروي.

لماذا إذاً اختلف الأمر مع السوريين الذين اختاروا إدانة المشاركة بشكل حاد إلى درجة أن اختلطت عليهم أمورها حيث اعتبر البعض منهم أن رفع علم النظام السوري هو جزء من مؤامرة كونية لتعويمه عبر كأس العرب. وقد وصل الأمر إلى أن تمّ تداول تعبير "منتخب البراميل" لوصفه، إضافة للاحتفال ـ ولو افتراضياً ـ بخساراته المتتالية وكأنها فوزٌ وطنيٌ كبير. 

الغريب عن الموضوع السوري سيُعبّر عن مفاجأته وصدمته بمثل هذا الـ "تشجيع" وبمثل هذه التعبيرات القاسية بحق منتخب رياضي من المفترض أنه يُمثّل وطناً وليس نظاماً. وحتى العارفون بالشأن السوري من المعارضة، انقسموا بين مؤيّد لهذه التصرفات ومعارضٍ لها على الرغم من تمايزهم في المطلق عن مؤيدي النظام الذين لم يبخلوا بتشجيع المنتخب "الوطني". من المهم إذاً محاولة فهم التناقض الشديد بين هذه المواقف.

أولى الإشارات تتوقف عند تماهٍ لم يتم تجاوزه بين النظام والدولة في سوريا. فكثيرٌ من الملتحقين ظرفياً بصفوف المعارضة، حاولوا في بداية الثورة أن يُميّزوا بين "النظام" و "الدولة" داعين إلى الحفاظ على "مؤسسات" الدولة السورية. وقد غاب عنهم ـ جهلاً أو رغبةً ـ أن هذا التمييز يستحيل في الحالة السورية. التماهي القائم بين النظام وكل ما يمكن له أن يرمز إلى الدولة بمعناها الحديث واضح لدرجة أن اسم رئيس النظام ارتبط باسم الدولة وصار توصيفاً لها لا ينفك عنها حتى في اللغات الأجنبية.

ومن باب الأولويات للأنظمة الشمولية أن تُخضَعَ الرياضة إلى مفهومها المنحرف عن "الوطن" الذي تعتبره ملكاً شخصياً، أو عائلياً، أو حزبياً، أو فئوياً ولا يتمخّض عنه في جُلّ تعبيراته إلا الانعكاس الحتمي لإرادة رأس البلاد المهيمن. كما شجع الفساد المؤسسي القائم منذ عقود والتقسيم الفئوي الذي رسّخته الإرادة السياسية على ربط النجاحات الرياضية بمخرجات النظام السياسي والأمني. 

في بدايات الحكم الشمولي أطلقت تسميات عقائدية على الفرق الرياضية التي كانت أكثر ارتباطا بالمجتمع المحلي، فتم القضاء على كل مؤشرات الاندماج في المحيط الشعبي والذي يُعتبر من أهم دعائم الانتماء الجماهيري. وهذا ما لم يقع في أية دولة عربية مهما استبدت سلطاتها الحاكمة. تحولت بالتالي الأندية الرياضية إلى جهات إدارية تابعة مباشرة لصاحب السطوة، ولعب الفساد كما المحسوبيات والانقسامات الفئوية المراد تعزيزها دوراً رئيساً في أدائها. 

يصبح من الصعوبة بمكان إذاً، وللأسف، أن يُميّز السوري المعاني من عسف الاستبداد وفساد السلطة، بين منتخب "السلطة" ومنتخب "الوطن".