من مصالحات الأسد إلى هيئة الانتخابات الائتلافية

2020.11.25 | 23:28 دمشق

astana-reunion-23-01-2017.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تكشف التصورات التي تطرحها إدارة روسيا لحل الأزمة السورية، ولاسيما على الصعيد المناطقي والمحلي، عن تبسيط غير بريء للإجراءات المطلوبة من أجل إبرام أي مصالحة، فمسألة التفاوض والتي تعني جلوس طرفين على طاولة، تعني بالنسبة لمركز المصالحات الروسي في قاعدة حميميم، سلسلة من المقايضات، تبدأ بإجبار الخصم (فصائل الجيش الحر غالباً) على القبول بخيار التفاوض مع النظام، بعد سلسلة مكثفة من الهجمات وفق أسلوب الأرض المحروقة.

ثم الخضوع لشروط الوساطة الروسية، والشروع بتفريغ المكان من العناصر الرافضة للمبدأ، ويعقب ذلك عودة لسلطة النظام، بالتوازي مع إطلاق سراح مقنن لعدد من معتقلي المنطقة، وبينما تمنح روسيا حمايتها نظرياً لكل من يقبل المضي في هذا الخيار، تشحذ أدوات النظام العلنية والسرية ولاسيما منها تلك المرتهنة لإيران سكاكينها، فتبدأ بتصفية كل من عارض النظام، حتى وإن منحته مواثيقها وعهودها.

استيعاب تفاصيل استعادة السيطرة، والتفكير بمؤدياتها، ولاسيما منها العودة إلى الخضوع الكامل، هو الجزء الذي يجب ألا يغيب ونحن نرقب التنسيق والتكامل بين دوري روسيا وإيران في إعادة تعويم النظام دولياً وقبل ذلك تمكينه داخلياً، فعلى عكس ما هو سائد ومتداول عن وجود صراع روسي إيراني في سوريا، تكشف الوقائع عن اتفاق وتعاضد بينهما، ولاسيما حيال استمرار الأسد في موقعه، وتدمير مقومات خصومه وإمكانياتهم، وحتى شروطهم للعودة إلى الحياة الطبيعية، إذا لم نقل مصالحته والقبول بوجود سلطته في مناطقهم.

عمليات القتل التي ترتبط بقصة المصالحات باتت أوضح من أن يتم تغطيتها بحجج الفوضى، وتوزع السيطرات وصراعاتها فيما بينها. حيث إن المطلوب راهناً ليس التخلص من الخصوم فقط، بل الانتهاء حتى من وجود الشهود الذي كانوا فعالين في صناعة القصة كلها، بمن فيهم رجالات النظام أنفسهم.

شطب مجلس الشعب التابع للنظام قبل شهر وعدة أيام الهيئة العامة للمصالحة الوطنية من الوجود، بعد عامين من إصدار بشار الأسد مرسوماً ألغى بموجبه الوزارة التي حملت الاسم نفسه

شطب مجلس الشعب التابع للنظام قبل شهر وعدة أيام الهيئة العامة للمصالحة الوطنية من الوجود، بعد عامين من إصدار بشار الأسد مرسوماً ألغى بموجبه الوزارة التي حملت الاسم نفسه، بعد أن بلغت ست سنوات من عمرها.

وفي مساء ذات اليوم الذي انتهى فيه وجود هذه المؤسسة، شهدت قدسيا في ريف دمشق مقتل مفتي دمشق وريفها محمد عدنان الأفيوني وعادل مستو رئيس "لجنة المصالحة" في المدينة، إثر تفجير عبودة ناسفة في سيارة كانا يستقلانها.

وكان الدم قد سال في طريق دمشق-درعا قرب بلدة موثبين بريف درعا الشمالي، قبل ذلك بأيام عندما وقعت عملية اغتيال لأدهم الكراد أحد القادة السابقين للجيش الحر في المحافظة قضى فيها مع قيادي سابق آخر هو أحمد فيصل المحاميد وثلاثة مرافقين.

علي حيدر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي استوزره النظام على رأس هذه المؤسسة، ثم خفض رتبته إلى رئيس للهيئة حتى آخر أيامها؛ كان قد فجع بمقتل ابنه إسماعيل مع أحد أصدقائه على طريق حمص مصياف، على يد شبيحة طائفيين، وظل طيلة فترة وجوده في منصبه مستهدفاً من قبل مؤيدي النظام الذين كانوا لا يرحبون بأي محاولة لإيجاد حل غير أمني أو عسكري مع كل من خرج على سلطة الأسد، فتعرض لمحاولة اغتيال، وتحولت كراهيته إلى جزء من مشاهد المؤيدين المفضلة، حيث نقلت لقطات مصورة أهالي المختطفين، الذين وُعِدوا بلا فائدة بأن يُطلق سراح أبنائهم حال خروج فصائل المعارضة المسلحة من الغوطة، قيامهم بتوجيه شتائم مقذعة بحق الوزير حيدر، الذي يجمع كل من تابع مسار عمله وعمل وزارته ثم هيئته أنه كان بلا عمل، سوى إطلاق التصريحات عن نيته العمل.

كان إعلان النظام عن أي حل، أو تلبية أحد مطالب السوريين، أو السعي لتحقيق أي مصالحة، يعني فيما يعنيه، الاقتراب من مجزرة جديدة، أو مقتلة، تقع هنا أو هناك.

فعلياً، ومن قبل أن يوضع هذا الرجل على خريطة الحدث السوري بعد عام 2011، كان إعلان النظام عن أي حل، أو تلبية أحد مطالب السوريين، أو السعي لتحقيق أي مصالحة، يعني فيما يعنيه، الاقتراب من مجزرة جديدة، أو مقتلة، تقع هنا أو هناك.

فبعد أن ألغيت حالة الطوارئ في 21 نيسان عام 2011، شهد يوم الجمعة العظيمة سقوط أعلى عدد من الثائرين المدنيين في تظاهراتهم الأسبوعية على يد قناصة النظام وجنوده وعناصره الأمنية، مروراً بمئات الأحداث المشابهة في كل بقاع الأرض السورية.

ولعل أبرز ما يدلل على الأمر هي حالة درعا، التي باتت كثافة الاغتيالات التي تشهدها مؤشراً على الوجه الحقيقي لفكرة المصالحة في العقل العميق للنظام وأركانه.

وإذا ابتعدنا وتوجهنا شمالاً، صوب شمال حماة، ومن بعده محافظ إدلب، فإننا سنعثر على ذات الأسلوب المتبع، في إنهاء أي اتفاق على هدنة أو تهدئة، إذ ثمة ميل للتغرير بالفصائل المسلحة من خلال الاتفاقات المعلنة مع الدول الحليفة لهم وأبرزها تركيا، والتعاطي مع الأرض التي يسيطرون عليها على أنها لقمة سائغة عاجلاً أم آجلاً، ويعقب ذلك دائماً شروع الطيران الروسي بصناعة المجازر، ما يؤدي إلى تفجير الأوضاع، بعد أن يستكمل النظام وميليشياته العدة للقيام بالهجوم على المناطق المستهدفة.

كان النظام ومازال يستقوي على الشعب بجيشه وعناصره الأمنية وشبيحته، ويواجه الفصائل المسلحة بميليشيات طائفية وبقوات ومستشارين وطائرات تتبع حليفيه الإيراني والروسي، ويستقوي على المعارضة السياسية بانغماسها الكامل في تلبية شروط التفاوض على تنفيذ المقررات الدولية التي تحلل منها هو فعلياً.

ولهذا فإن ذهاب الائتلاف –رغم ما يعتقده الكثيرون من خفته وعدم فعالية دوره- نحو إنشاء هيئة للانتخابات، لن يكون سوى خطوة نحو مذبحة سياسية، يُطاح فيها بآمال السوريين، ومطالبهم برحيل النظام، ولكن عبر أدوات خصومه هذه المرة.