من مراجعة لكتاب تدمير وطن.. مثالية الطرح مع نظام مجرم (ج 2)

2019.12.16 | 18:40 دمشق

maxresdefault.jpg
+A
حجم الخط
-A

في المقال السابق تناولت الفصلين الأول والثاني من كتاب " تدمير وطن" للمستشرق الهولندي نيكولاس فان دام، الذي يتناول جذور الصراع في سوريا، منذ استيلاء البعث على السلطة في سوريا، حتى اندلاع الثورة في آذار من عام 2011 وفي هذا المقال أتناول بقية الفصول.

الفصل الثالث

المواجهة ما بين جيش النظام والمعارضة

يشرح الكاتب في هذا الفصل حال الجيش بعد بدء مرحلة تسليح الثورة، حيث انشق الكثير من العسكريين الذين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين، في حين قُتل آخرون، نتيجة رفضهم إطلاق النار على المتظاهرين، أو نتيجة محاولتهم الفرار من الجيش، في ظل ندرة المنشقين من العلويين ويعزو الباحث ذلك إلى خوفهم من الانتقام من أسرهم، وهنا يذكر الكاتب اسم امرأة برتبة عقيد من علويي الجولان تدعى (زبيدة الميقي).

قيادة الحر بعيدة عن الميدان

الجيش السوري الحر الذي تم الاعتراف به من قبل الدول الغربية كتنظيم معتدل، وأبدت هذه الدول رغبتها بالتعاون معه، ضد النظام وضد تنظيم داعش في وقت واحد، لم تتمركز قيادته في سوريا، بل في جنوب تركيا، ما أفقده الفعالية والشرعية، وعندما كان الجيش الحر في بداياته لم يتلقَ من الدعم الغربي ما يكفي لمواجهة النظام الذي يحظى بدعم إيراني سخي، وتغطية سياسية روسية.

ضعف الدعم والتنسيق

إضافة إلى ضعف التنسيق بين الدول الغربية بخصوص دعم هذا الجيش، ما أسهم في تشرذمه، "لو عززت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى دعمها للجيش السوري الحر في مراحل تأسيسه الأولى، لكان اكتسب حظوظاً أفضل في الارتقاء كعنصر عسكري فاعل وأكثر أهمية. لقد اعتبرت معظم الدول المانحة كل ما يخدم سياساتها الإقليمية أولوية، مقدمة بذلك مصالحها الخاصة على إنهاء الصراع".

الكتائب الإسلامية وإضعاف الحر

كما أن ظهور الكتائب الإسلامية بأنواعها وتسمياتها المختلفة التي كانت تحظى بدعم عربي سخي ساهم بإضعاف الجيش الحر، الذي كان عليه أن يحارب على أكثر من جبهة، ضد داعش من جهة، وضد النظام من جهة أخرى، فضلاً عن اضطرار كتائب هذا الجيش نتيجة ضعف الدعم الغربي إلى القتال جنباً إلى جنب مع جبهة النصرة، المنبثقة عن تنظيم القاعدة، وبالتالي أفقد هذا الجيش الكثير من زخمه الذي بدأه في بداية الثورة، حيث بدأ الكثير من العناصر، بل حتى القيادات بترك هذا الجيش والالتحاق بالفصائل الإسلامية ذات التسليح والتدريب والدعم الجيد،" إن نقص الدعم الغربي للمعارضة السورية الأكثر اعتدالاً من المجموعات الأخرى أتاح للجهاديين العسكريين المجال، وإن بشكل غير مباشر لتصبح الجهة المهيمنة في سوريا".

كما أن ظهور الكتائب الإسلامية بأنواعها وتسمياتها المختلفة التي كانت تحظى بدعم عربي سخي ساهم بإضعاف الجيش الحر، الذي كان عليه أن يحارب على أكثر من جبهة

قتال داعش فقط!

حتى أن الولايات المتحدة عندما أطلقت مشروعاً لتدريب الجيش الحر، اشترطت على المقاتلين أن يكون قتالهم فقط ضد تنظيم الدولة الإسلامية، واشترطت كذلك عدم استخدامهم لهذا السلاح ضد النظام، ما أدى إلى فشل هذا المشروع، حتى أن النظام اتُهم غربياً بالتعاون مع تنظيم الدولة أو التغاضي عن انتصاراتها كما حدث في تدمر عام 2015، فضلاً عن عدم دفاعه عن بعض المدن في وجه هذا التنظيم كمدينة السلمية في ريف حماة الشرقي.

كما اتُهم النظام بالتعاون غير المباشر مع وحدات الحماية الكردية في مواجهة قوات المعارضة الأخرى، حسب الكاتب، الذي يقول إن تركيا لم تمانع في البداية من انخراط الوحدات في القتال ضد داعش، ولكن حين بدأ القتال يميل لصالحها نتيجة الدعم الغربي القوي، اعتبرت تركيا الوحدات خطراً أمنياً يهددها. يستغرب المستشرق من الدعم الذي تلقاه النظام من الميليشيات الشيعية، بحجة حماية المراقد الشيعية!.

الفصل الرابع

النهج الغربي المتناقض في التعامل مع الأزمة

يرى الباحث في هذا الفصل أن الرؤية الغربية للوضع في سوريا غلب عليه التفكير الرغبوي، حيث ساد اعتقاد أن الأسد سيسقط سريعاً" لقد استخفوا تماماً بقوة النظام، ونتج هذا الاستخفاف جزئياً عن الجهل بالنظام السوري وقلة المعرفة به، إضافة إلى تفاؤل في غير محله".

الغرب يتحمل المسؤولية

الكاتب يعتقد أن الإصرار الغربي في بداية الثورة على محاكمة الحرس القديم في جيش الأسد سيزيد من إصرار النظام على البقاء، وبالتالي اندلاع حرب طائفية لا تبقي ولا تذر، مع عدم ضمان انتقال سوريا إلى بلد ديمقراطي، "كان الأسهل بالنسبة للساسة الأجانب أن يزيدوا من العقوبات ويطالبوا بتحقيق العدالة كجزء من الممارسات السياسية اليومية، مع أن ذلك يزيد من شعبيتهم على المدى القصير، إلا أنهم يتحملون جزءاً من المسؤولية عن سفك الدماء ووقوع ضحايا، إذا لم يسعَوا إلى حل بناءٍ ومجدٍ. عندها فقط يمكننا طرح السؤال: كيف يمكن إنهاء النظام الديكتاتوري، ومساعدة سوريا للتوصل إلى مستقبل أفضل، كما تستحق، وفي الوقت نفسه للحفاظ على أرواح عدد أكبر من السوريين"، مشيراً إلى أنه "في ظل اجتماع هذين العاملين (عدم تلقي المعارضة دعماُ عسكرياً كافياً، وعدم إقدام الخارج على تدخل عسكري مباشر) حُكم على الثورة السورية بالفشل، خصوصاً وأن النظام يحصل على ما يكفي من المساعدات".

الفصل الخامس

محادثات سورية سورية لا مفاوضات

في هذا الفصل يشير الكاتب إلى الجهود الدولية المبذولة لحل الأزمة في سوريا، من كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي، وصولاً إلى ستيفان ديمستوار، وما نتج عن هذه الجهود من مباحثات جنيف ذات الأجزاء المتعددة، وينقل هنا الكاتب أنه خلال أحد اجتماعات جنيف 2016 بين الهيئة العليا للمفاوضات والمبعوثين الذين مثلوا الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، سأل محمد علوش هؤلاء المندوبين كيف ستساهم بلادهم في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي أيدته بلادهم تماماً ويطالب بوقف فوري للهجمات ضد المدنيين، ولا سيما الفقرتين 12و 13، فأجابوا بأنهم ملتزمون تماماً بالقرار، وسيمضون فيه، ولكنهم في الواقع لم يستطيعوا فرض تطبيق القرار لأنهم استبعدوا الخيار العسكري، ما حدا بالمعارضة إلى الشعور بالخيانة وأنه تم التخلي عنها، بسبب التوقعات الخاطئة التي أطلقها الداعمون الغربيون.

سأل محمد علوش هؤلاء المندوبين كيف ستساهم بلادهم في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي أيدته بلادهم تماماً ويطالب بوقف فوري للهجمات ضد المدنيين، ولا سيما الفقرتين 12و 13

بينما قدمت روسيا وإيران كل ما تستطيعانه لدعم النظام من خلال حضورهما العسكري المكثف لكي تحافظا على حليف استراتيجي في دمشق، إلا أن أصدقاء المعارضة عجزوا عن دعمها، أو لم يكونوا مستعدين أن يساعدوها كي تحصل على حقوقها الطبيعية وتتمتع بها.

وفي النهاية يرى الباحث أن الخيارات المطروحة حالياً لا تعدو كونها واحداً من خمسة خيارات.

أن تستمر الحرب لفترة غير محدودة، فتسبب المزيد من الخراب والموت والتدمير

ينتصر النظام ويستمر في الحكم القمعي الديكتاتوري، وذلك مرتبط بقبول الدول الغربية ودول الخليج

تنتصر المجموعات المعارضة، مع احتمال تأسيس المجموعات الإسلامية لدكتاتورية، وهذا مرتبط بحلفاء النظام

مزيج تقسم من خلاله البلاد بشكل مؤقت أو دائم

التوصل إلى تسوية سياسية، وهو الأمر الأفضل في كل الأحوال، على ما يرى المؤلِف.

في ظل التراجع الغربي عامة والأمريكي خاصة عن الملف السوري، واتفاقية خفض التصعيد التي الناتجة عن مباحثات أستانة التي رعتها روسيا وإيران وتركيا، لم يشر الكاتب إلى هذا الموضوع، كون الكتاب تم تأليفه قبل اشتداد عود اتفاقية آستانة وما نتج عنها ما بات يُعرف اليوم باللجنة الدستورية.