من قتل القائد كمال غناجة؟

2020.11.27 | 23:02 دمشق

120628135922_kamal_ghanaja_hamas_304x171_nocredit.jpg
+A
حجم الخط
-A

اشترى "عبيدة" حصاناً عربياً، أسماه (هَمَّام)، وقرر أن يبني له غرفةً في بستانه الملاصق لبنائهم، حين أدخل عبيدة حصانه إلى البستان، فوجئ بقدوم أحد الجيران من البناء المجاور، وقال لعبيدة: لن أسمح لك ببناء غرفة لحصانك هنا..!

عبيدة الشجاع والهادئ في العادة، استشاط غضباً وصاح بالرجل: تأتي إلى أرضي دون إذني، وتهددني أيضاً؟!، أحسَّ الرجل بخطئه مع صديقي، وغيَّر طريقة كلامه، ورجاه أن يغير المكان الذي ينوي وضع حصانه فيه، وعرض أن يتكفل بالبناء على نفقته الخاصة، وبينما "عبيدة" يكلم الرجل، وصلت إلى المكان سيارةٌ، ونزل منها مساعدٌ في المخابرات، وبادر الجار بسؤالٍ سريعٍ، بعد تحيته: شو يا بو حسن.. انحلت المشكلة؟، أجابه الجار: أي.. أي انحلت، الشب طيب، وتفاهمنا..، وهنا التفت المساعد إلى صديقي، وقال له: شوف خيي عبيدة.. هودي ضيوف السيد الرئيس.. أفينا نزعلن..

نشأت بين "عبيدة" وأبي حسن" نوع من الصداقة بعد تلك الحادثة، فقد كان "أبو حسن" رجلاً محترماً بحقٍ.. لكن من كان "أبو حسن" ذاك؟، "أبو حسن" – اسمه الحركي – كان أحد الكوادر العسكرية السرية لحركة حماس، التي أقام العديد منهم في مدينة قدسيا، بشكلٍ سريٍ، ولا سيما في منطقة "جمعية الخياطين السكنية"، قبل خروجهم من سوريا نهائياً، وبالطبع فقد اختفى "أبو حسن" بعد وقتٍ غير معروفٍ من بداية الثورة.

بعد أذان الفجر من يوم الثلاثاء الواقع في 26/6/2012، بدأ القصف المدفعي على مدينة قدسيا وبلدة الهامة، حيث تحركت دبابات اللواء (105) - حرس جمهوري، لاقتحام المنطقة التي أعلنت تمردها المسلح مساء يوم الجمعة 15/6/2012، اللواء (105) حرس جمهوري، وبدأت محاولة اقتحام بلدة الهامة، ومدينة قدسيا من محورين، على طريق دمشق – بيروت القديم: المحور الأول من جهة الجنوب - الشرقي باتجاه المدخل الرئيس لمدينة قدسيا، والمحور الثاني من جهة الشمال – الغربي باتجاه المدخل الرئيس لبلدة الهامة، الواقع عند معمل "بيرة بردى"، وشاركت قوات الفرقة (14) – قوات الخاصة، بالاقتحام من قاعدتها الموجودة في منطقة "وادي العراد" التابع لمدينة قدسيا.

انطلق شباب الجيش الحر في قدسيا والهامة للتصدي للقوات المقتحمة، وكانت تلك أول معركةٍ عسكريةٍ يخوضونها، وسقط يومها الكثير من الشهداء بينهم، واستمرت المعركة حتى غروب شمس ذلك اليوم تقريباً، وتمكن الجيش من دخول بلدة الهامة، والوصول إلى ساحتها الرئيسة، بينما لم يتمكن من دخول مدينة قدسيا، أو لعله لم يكن يريد الدخول على ما أرجح.

ما كان مميزاً ومريباً في تلك المعركة عدة أمورٍ، أبرزها حضور سلاحٍ جديدٍ لدى قوات النظام، هذا السلاح الذي رأيناه للمرة الأولى، والتي لم نره لاحقاً في أي معركةٍ أو اقتحامٍ عسكريٍ لمنطقتنا أبداً، وأستطيع تأكيد ذلك، لأني كنت حاضراً في كل المعارك، وعمليات القصف والحصار للمنطقة، منذ بداية الثورة، وحتى ترحيلنا منها منتصف تشرين الأول 2016، إلى مدينة إدلب في الشمال السوري، والسلاح هو طائرة استطلاع غير مسلحة "درون"، كانت تحلق على ارتفاعاتٍ عاليةٍ جداً، والمعروف أنه لم يكن يمتلك هذا السلاح في تلك الفترة، حيث لم تكن روسيا قد تدخلت عسكرياً بعد، والأرجح أن تلك الطائرة كانت تديرها عناصر إيرانية، لأنه حتى لو تَسلمت قوات النظام هذا النوع من الطائرات، فهو بحاجة لكوادر بشرية مدربة لتشغيلها، وهذا ما كان غير متاح له في ذلك الوقت أيضاً.

ما الغرض من استخدامها في هذا اليوم، وهذه المعركة بالذات، التي لم يبدو أن النظام كان يسعى بجديةٍ لاستعادة السيطرة على المنطقة؟ ولماذا لم تحضر طائرة الاستطلاع نهائياً في المعارك اللاحقة، ولا سيما معركة يوم 3/10/2012، التي انتهت بسيطرة الجيش على مدينة قدسيا، وبلدة الهامة، وإحراق منازلهما، وتهجير سكانهما، وارتكاب مجازر بحق المدنيين، ولا معركة أيلول – تشرين الأول 2016؟

العاشرة مساء 26/6/2012، أذاعت قناة الجزيرة نبأ هجوم قوات النظام على مدينة قدسيا وبلدة الهامة، وعرضت مشاهد القصف، وفيديو تشييع الشهداء، وبعدها أذاعت نبأً غامضاً، لم يتوقف عنده الكثيرون، وكان النبأ هو اغتيال قائدٍ عسكريٍ سريٍ لحركة حماس، يدعى: "كمال حسني غناجة"، وقالت الجزيرة إن "غناجة" وُجد مقتولاً في منزله، في مدينة ضاحية قدسيا..!

للتوضيح توجد في ريف دمشق مدينتان باسم "قدسيا"، هما: مدينة قدسيا، ومدينة ضاحية قدسيا، وهما مدينتان منفصلتان إدارياً، رغم اتصالهما الجغرافي، فمدينة قدسيا هي المدينة التي تطورت إليها قرية قدسيا القديمة، أما مدينة ضاحية قدسيا فهي مدينةٌ حديثةٌ كبيرةٌ، وُضعت مخططاتها في الاتحاد السوفيتي، وبدأ بناؤها في ثمانينيات القرن العشرين، فوق عشرات آلاف الدونمات المستملكة لأهالي قدسيا.

أثار خبر اغتيال "غناجة" انتباهي، لأنه في لحظة إذاعته كنت موجوداً في مدينة ضاحية قدسيا، التي خرجت إليها مرتين في ذلك اليوم، الأولى عصراً لتأمين مكانٍ أمنٍ لعائلتي، والثانية مساءً، وكان الوضع في الضاحية طبيعياً، ومصادرنا لم تبلغنا بأي شيءٍ غير عاديٍ.

مَن هو "كمال غناجة"؟ وأين قُتل؟

في منزلٍ مستقلٍ يقع في إحدى شوارع مدينة قدسيا، في المنطقة الواقعة بعد ساحة الأمل (لن أحدد المكان بدقةٍ)، سَكَن "أبو نزار" الاسم الحركي للقيادي العسكري الحمساوي "كمال غناجة"، وغناجة واسمه الحركي "أبو نزارٍ" كان رجلاً غير معروفٍ في قدسيا، إلا أن مصدري، أكد أنه كان يقيم منفرداً دون عائلته غالب الوقت، وكان يأتيه أشخاصٌ دائماً بعد الساعة الثانية ليلاً، ويجتمعون في منزله، وكان ذلك قبل الثورة، وبقي مقيماً في ذات المنزل بعد اندلاع الثورة، وخروج مدينة قدسيا عن سيطرة قوات النظام، وكان "أبو نزار" يملك عدة سيارات، من بينها سيارة: مرسيدس – 500 سوداء، وسيارة: نيسان – باترول 2002، كان قد أودعها مع أشياء أخرى، لدى إحدى عائلات المدينة (أتحفظ على ذكره اسمها)، وقد تمت تصفية "أبو نزار" – كمال غناجة – في منزله في قدسيا وليس في الضاحية، في وقتٍ غير معروفٍ من يوم 26/6/2012، أي في ذات يوم المعركة، وفي منطقة بعيدة نسبياً عن مواقع الاشتباكات، وكان أول من اكتشف مقتله ثوار المدينة، من بينهم مصدري الذي أتى إليه عناصر أمنية من حركة حماس، وأدلى لهم بما يعرفه من معلومات، وفي كانون الأول 2015، وعقب اغتيال القائد "أبو زيد" رئيس المجلس العسكري لقدسيا والهامة، والذي اغتِيل في منطقة قريبة من مكان اغتيال "غناجة"، حضر عناصر من حماس مجدداً، والتقوا بمصدري، ليسألوه عن معلومات بخصوص قضية اغتيال "كمال غناجة".

مصدري يعتقد أن "أبو نزار" كان بديل القيادي العسكري لحماس في الخارج "محمود المبحوح"، بل ويذهب أبعد من ذلك، بأنه ربما كان أعلى رتبةً في الجهاز العسكري – الأمني لحماس، من القائد "محمود المبحوح"، وربما يكون فعلياً بديل القائد "عز الدين الشيخ خليل" الذي جرى اغتياله في دمشق عام 2004، وليس بديلاً للقائد "المبحوح".

من قدسيا إلى مَسقط:

قبل موجة التطبيع الحالية بين بعض الدول العربية وإسرائيل، تمتعت سلطنة عُمان بعلاقات معلنة مع إسرائيل، ويوجد في مسقط مكتب تمثيل تجاري لإسرائيل، وهو مكتب علني لجهاز الموساد الإسرائيلي.

استضافت سلطنة عمان المفاوضات السرية الأميركية – الإيرانية، التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي بين مجموعة الدول الستة وإيران العام 2015، ولم يكن اختيار عُمان من قبيل المصادفة بالنسبة للإدارتين الأميركية والإيرانية لإجراء المفاوضات، فقد كان من المهم للجانبين توصيل معلومات المفاوضات لإسرائيل، حتى لا تعرقل جهود الوصول للاتفاق، وبالتأكيد كان مكتب الموساد في عُمان على إطلاع كامل ومباشر عما يجري بين الأميركيين والإيرانيين، وربما يكون اغتيال "كمال غناجة" في العام 2012، كنوع من هدايا الترضية الإيرانية لإسرائيل.

ما يبرر هذا التوجه عدة مؤشراتٍ، أولها أن الجيش الحر لم يقتل "كمال غناجة" فعناصر الجيش الحر لا تعرفه، ولو عرفه بعضهم فليس للجيش الحر مصلحة في اغتياله، ولو ثبت لحماس ذلك لما لجأت للجيش الحر لمساعدتها في التحقيق بمقتله، وثانيها عدم اهتمام النظام، وعدم إعلانه عن مقتل (أحد أهم ضيوف السيد الرئيس)، بل وقيام بعض المواقع التابعة له، بإشاعة أخبار تتهم "غناجة" بالخيانة، وتعامله مع المقاتلين المعارضين للنظام، وثالثها تدهور العلاقات بين النظام وإيران من جهة، وحركة حماس من جهةٍ أخرى في تلك الفترة الحساسة، ورابعها أن إسرائيل لم تتبنَ عملية الاغتيال لا صراحةً، ولا ضمناً، وخامسها أن عناصر إيران كانت موجودةً ومشاركة ميدانياً في المنطقة يوم الاغتيال.

خلال الثورة السورية، ثَبت أن هناك تقاطعَ مصالح واضحاً بين النظام، وإيران، وإسرائيل، في أكثر من موقفٍ، ومناسبةٍ، و"غناجة" الذي كان حليفاً مفترضاً للطرفين الأولين، وعدواً بيناً للطرف الثالث، ربما كانت حياته قرباناً لتقريب تلك المصالح، وتوطيدها.

 

هامش: توجد معلومات مؤكدة أخرى، لكن لم يتم ذكرها الآن لأسباب تخص أمن وسلامة بعض الأشخاص.