من سيرة آل الأسد: شبكة القرابات المتداخلة

2020.09.14 | 00:02 دمشق

00.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يكن سليمان الوحش يعلم أنه يصوغ سوريا الحديثة فيما هو يتزوج وينجب ويرتبط بمصاهرات عديدة في القرداحة والقرى المجاورة، عبر ابنيه الذكرين وبناته السبع. فحفيده حافظ، الذي سيصبح رئيس الجمهورية، سيولد عام 1930، بعد وفاة جده بست سنوات، وبعد أن تحولت كنية العائلة إلى «الأسد» بثلاثة أعوام.

في الوثائق الشخصية النادرة، لا سيما في تلك الجبال الساحلية القصية حينها؛ ستحمل العائلة في البداية اسم مؤسسها سليمان ككنية ورقية، طالما أنه هاجر من مكان مجهول ودون اسم عائلة معروف. وهي الكنية التي ستحملها رَحلة، ابنة سليمان الوحيدة من زوجته الثانية فضة، والمولودة عام 1892، حين ستقترن بإسماعيل ناصيف من قرية دباش شمال القرداحة، ذات سنة عجفاء أثناء الحرب العالمية الأولى المعروفة شعبياً بالسفربرلك. أما أختها سعدة، ابنة سليمان من زوجته لطيفة، والمولودة عام 1895؛ فستظل مشتهرة بسعدة الوحش في قرية بستان الباشا التي انتقلت إليها عندما تزوجت أحمد مخلوف أوائل عشرينيات القرن الماضي.

ستنجب رَحلة علي ناصيف عام 1922، وأختها سعدة محمد مخلوف بعد عشرة أعوام في 1932. غير أن ولَدي الخالة سيكونان على موعد واحد مع الموت، يوم السبت 12 أيلول 2020، عندما سيطغى خبر رحيل أبو رامي على وفاة أبو جهاد.

لم يكن هذا ظالماً، في الحقيقة، بالنظر إلى الشراكة الفعلية في الحكم التي حظي بها محمد مخلوف في عهد حافظ، صهره وابن خاله. وهي القرابة التي يغفل عنها الكثيرون عندما يتحدثون عن زواج النقيب الطيار الذي سيصبح رئيساً بأنيسة مخلوف. فهي ابنة عمته سعدة التي تكفّلت بمصاريف ابني أخيها اليافعين، حافظ ورفعت، عندما سكنا في اللاذقية بقصد الدراسة.

عندما استولى حزب البعث على السلطة، في آذار 1963؛ بدأت مسيرة الأخوين بالصعود فعلياً. ومثل غيرهما من العسكريين من أصول ريفية، المتنفذين وقتها في أجهزة الحكم، اعتمدا القرابات وسيلة مضمونة لبناء شبكة متنامية من الموالين، في ظل صراع لا يرحم خاضه الرفاق الأعداء وأنهاه حافظ الأسد بوصفة سحرية: «الحركة التصحيحية» عام 1970، مستأثراً بالسلطة حتى توريثها عقب وفاته لابنه بشار.

 

01_1.jpg
محمد مخلوف في صورة نشرها ابنه رامي

 

تحت قمة جبل السلطة الأسدية، المتشكّلة أصلاً من قرابات لا يمكن التستر عليها، تكمن شبكة واسعة من صلات عائلية تخفيها كنى غير مرتبطة ظاهرياً والشهرة باسم الأب ككنية أحياناً، ويحميها سور من التكتم.

بصعود الأسد ترقى نسيبه محمد مخلوف، مثبتاً أنه مؤتمن وكُفؤ. ليصبح الرجل، الذي بدأ حياته رتيباً (صف ضابط) في الدرك، مديراً عاماً لإدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، أكثر جهات القطاع العام إدراراً للعملة الصعبة عبر تصدير التبغ الخام للغرب وقتها. ثم ليغادر هذه الإدارة دون أن يتركها، بتعيين أحد محاسيبه، وينتقل إلى موقع صار حساساً أكثر في إدارة المصرف العقاري في مرحلة تغيير أوصاف الأراضي وترقيتها، كما ليساهم في استثمار النفط عبر أهل زوجته من آل مهنا ووكيلهم نزار الأسعد.

شاخ أبو رامي ولم يتعب. غير أن الأزمنة الجديدة تحتاج إلى استثمارات عصرية مثلها في زمن الأبناء. وهكذا برز ولده البكر الشهير في قطاع الأعمال، مستعيناً بأخيه إيهاب، فيما اشتهر حافظ كعميد لا يرحم في المخابرات العامة، وإياد كعقيد في الجيش. حتى بدأت الشقوق بين عائلتي الأسد ومخلوف تضرب عميقاً وتظهر إلى العلن، كما هو معروف. ووصلت إلى درجة طلاق كندا بنت محمد من أيهم بن كمال الأسد رئيس غرفة تجارة وصناعة اللاذقية. لم يكن الخبر مفاجئاً لمن يعرفون الطبيعة المتمردة للزوجة الجميلة والمتعالية، غير أنه ليس بعيداً عن صراعات البلاط بالنظر إلى العلاقة الطيبة التي تربط أيهم بابن عمه اللواء ماهر، قائد الفرقة الرابعة.

الابنة الثانية لأحمد مخلوف وسعدة الأسد هي فاطمة، والدة عاطف نجيب ضابط الأمن السياسي الشهير الذي أهان وجهاء درعا مما أدى إلى تفجر الثورة.

وعبر السنوات ارتبطت العائلتان بزيجات عديدة قامت، في الغالب، على رجل من آل الأسد وامرأة من آل مخلوف. كما هو حال سلمى مخلوف، الزوجة الثانية لرفعت، وجميلة مخلوف، زوجة توفيق، وحالات أخرى أقل شهرة وأهمية.

على الضفة المقابلة لم يكن علي ناصيف، ابن عمة حافظ الآخر، يُقارَن بابن خالته ورفيقه في يوم انتهاء الأجل محمد مخلوف. بل إن علياً لا يقارَن بشقيقة له عمّت شهرتها الأجواء. هي نسيمة في الوثائق الرسمية، ياسمين في البيت وداخل العائلة، وأم أنور في «الحياة العامة». ولدت نسيمة عام 1918، وتزوجت أحمد بن علي الأسد، الأخ الأكبر لحافظ، وأنجبت عدداً من الأولاد والبنات والأحفاد ذوي النفوذ الذين اشتهر منهم مؤخراً هلال وهارون ابنا أنور، ويسار وبشار ابنا طلال، متزعّما القرداحة حالياً.

أما من أبناء علي فيتذكر كثير من السوريين اسم ثانيهم معين ناصيف. الضابط الذي وثق به رفعت، قائد سرايا الدفاع، للقيام بمجزرة تدمر الشهيرة، عندما قاد الرائد معين قواته في اللواء 40، وسواها، لقتل قرابة 1000 من السجناء الإسلاميين. ولم تكن مكانة ناصيف في السرايا وعند قائدها بعيدة عن القرابة التي وصلت إلى زواجه من تماضر ابنة رفعت الأثيرة. في حين تزوج محمد منير الأسد، مدير فرع مؤسسة التجارة الخارجية باللاذقية، من هالة شقيقة معين. وحين كبُر أبناء المصاهرات تزوج رفعت (دون شك)، ابن معين وتماضر، من ابنة عمته فيء، بنت محمد وهالة. وتزوج علي، بن معين ناصيف وتماضر الأسد، من تالا كامل مخلوف.

تحت قمة جبل السلطة الأسدية، المتشكّلة أصلاً من قرابات لا يمكن التستر عليها، تكمن شبكة واسعة من صلات عائلية تخفيها كنى غير مرتبطة ظاهرياً والشهرة باسم الأب ككنية أحياناً، ويحميها سور من التكتم. والحال أنه في بنية قرابية شرقية تقليدية بالأساس، ومع مجموعة محلية عصبوية جغرافياً وطائفياً بالخصوص، يرتفع تأثير روابط الدم والنسب والجوار حتى فوق الدرجة العالية المعروفة.