من رمال النزوح المتحركة إلى مدرجات جامعة كلّس.. ستُّ زهرات سوريات

2021.08.25 | 06:18 دمشق

photo_2019-10-12_21-49-47.jpg
+A
حجم الخط
-A

هناك على شريط الحدود السورية -التركية الذي يمتد على مساحة قلق السوريين والذي يضيق بقدر ما تضيق بهم سبل العيش المختلفة، تقع منطقة "الراعي" والتي أصبحت ملاذاً لكثير من السوريين الذين هُجروا بشكل قسري من ديارهم ولاذوا بالفرار ينشدون الأمان فتجمعوا في تلك المنطقة منهم من أسعفه الحظ وسكن في غرفة وغالبيتهم استوطنوا الخيام، وأصبح الوجه العام لهذه المنطقة هو التنوع الاجتماعي والجغرافي السوري من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق، مما شكل فرصة سانحة ليتعرف السوريون على بعضهم من جديد، وبرغم كل الظروف المعقدة والصعبة حيث غياب فرص العمل، وانعدام الشروط الصحية والصحيحة للإقامة والعيش، والفجوة الكبيرة بين الإمكانات والاحتياجات وظروف النزوح غير المستقرة فقد استعادت "المدرسة" دورها الاجتماعي والتربوي والتعليمي بعد انقطاع طويل وخروج أعداد كبيرة من الأطفال من مسارات التعليم والدراسة، وذلك بجهود مخلصة من تربويين متخصصين ذوي خبرة ومسؤولية وبمساعدة ودعم كل من يؤمن بأهمية العلم ودور التعليم.

نزحت "فاطمة الجاسم" من بلدتها في ريف حلب الشرقي النزوح الثالث، وفي كل نزوح تنفق من عمرها ومن سنوات تعليمها الافتراضية الكثير، وانتهت بها رحلة الرعب لتقطن منطقة الراعي بحثاً عن الأمان فقط، وبعد فترة من الزمن بدأت تحدث نفسها بأحلامها وطموحاتها على خجل ووجل، كيف ستطلب من والدها إكمال مشروعها الدراسي وهو الذي يكدّ ويكدح من أجلها وأخواتها في سبيل لقمة العيش الكريمة، لكن رصيد الحلم والأمل لا ينتهي، فاطمة اليوم حصلت على مقعدها في جامعة كلّس الحكومية التركية، في كلية علم الاجتماع.

ولم تكن ظروف "إسراء الحمد" بأحسن حال حينما غادرت دير الزور في مسارات التهجير والبحث عن الأمان، وعايشت حلمها وحولته إلى حقيقة فقد حصلت على مقعدها في كلية علم النفس والإرشاد، وأصرت على اصطحاب رفيقة دربها "اليمامة العكلة" من دير الزور إلى رمال الراعي المتحركة ثم إلى كلية الإرشاد وعلم النفس في الجامعة ذاتها، أما "قمر الباشا" ابنة مدينة حلب الشهباء فقد حملت طموحها في وجدانها وتفكيرها حتى أثمر في حصولها على مقعد في كلية الآداب، قسم الأدب التركي في جامعة كلّس، وآثرت "رويدا المحمد" متابعة طلبها للعلوم الشرعية وحصلت على مقعدها برفقة زميلاتها في الجامعة نفسها، وسادس زهرات بلادي "فاطمة العبيدة" ابنة دير الزور الأبية والغنية بمواردها، فقد فازت بمقعدها في كلية الاقتصاد مع زميلاتها في جامعة كلّس الحكومية.

بطلُ هذه القصة هي الفتاة السورية التي ما تزال تقاتل من أجل حلمها ومستقبلها برغم ظروف النزوح والتهجير القلقة وبالرغم من كل القيود المجتمعية

قصة نجاح سورية بامتياز وبالرغم من كثير التحديات والمصاعب والمتاعب، فإن قصة زهرات بلادي تُخبرنا بالكثير، بطلُ هذه القصة هي الفتاة السورية التي ما تزال تقاتل من أجل حلمها ومستقبلها برغم ظروف النزوح والتهجير القلقة وبالرغم من كل القيود المجتمعية وما رافقها من حملات التشويش والتشويه لصورة المرأة السورية. 

لم تكن البطولة هنا صناعة فردية فحسب، فخلفَها أمٌّ سورية من زمن الأصالة وأبٌ يكدح ويناضل بعيداً عن منصات الإعلام والسياسة؛ إنه لم يحضر مؤتمراً يدعو فيه لوحدة الصف العربي ولم يرفع شعاراً لتحرير القدس، ولا يعرف أسماء أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ولا غيرهم ممن يدّعون تمثيل السوريين ومصالحهم، فقد بقيت قضيته هي سوريته وبالتالي أولاده وبناته، ومن هنا أحسن الإعداد والبناء وزرع البذرة الأولى والخلية الأساس، ويدعم هذه البطولة فريق متميز من المدرسين المتخصصين والعاملين في القطاع التربوي عموماً وهم من زمن ضمير السوريين ومن ذاكرتهم القيمية المتجددة، وقد أدركوا في وسط هذا الخراب المتراكم في مسار القضية السورية بأن التعليم هو الأولوية القصوى لبداية أي بناء، وساهم المجتمع المحلي بمجالسه وجهوده بتحقيق هذا الإنجاز.

هل يخطر ببال أحدهم المساهمة برعاية هذا الانتصار أم أن هذه الإنجازات ليست من استثماراتهم الرابحة؟

نفتخر بكُن ونعتز بكل الجهود التي أثمرت ونثمن عالياً كل من بذل مجهوداً ودفع بالفكرة فأزهرت هذه الورود الست، ولينظر ويقرأ جمهور المنظرين الذين يسترزقون من دروب القضية السورية وآلام شعبها المنثور في جغرافيا هذا العالم الآثم بحقهم، ولا أستثني منظمات العمل الإغاثي والإنساني العاملة في الشمال السوري، فهل يخطر ببال أحدهم المساهمة برعاية هذا الانتصار أم أن هذه الإنجازات ليست من استثماراتهم الرابحة؟ بناتي وأخواتي وزهرات بلادي بأمثالكن ستزهر سوريا من جديد، وفقكن الله وسدد خطاكن، وأجزل للأهل العطاء والقوة والتوفيق.