من جمعيات حقوق المرأة إلى تعدد الزوجات

2021.10.20 | 06:07 دمشق

h3irs.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تتجه غالبية دول العالم نحو مزيدٍ من الحقوق والحريات للناس جميعاً. أس تلك الحقوق المساواة والعدالة والحريات العامة والخاصة واحترام الآخر. وتتجه بالوقت ذاته من أجل تقييد كافة أشكال الفكر والسياسات والآراء التمييزية بين الأفراد، وتحديداً بين الجنسين.

مسألة مساواة المرأة بالرجل، تبدأ من حق المرأة بالعمل والمشاركة السياسية والتعليم والاختيار، ورفض كافة أشكال الوصاية عليها، ومهما كان مصدرها؛ في سوريا انشغلت النساء ولزمنٍ طويلٍ بالبحث عن حرياتٍ أفضل لهن، ونيل حقوقهن، ورغم الاختلاف بين التيارات الساعية من أجل ذلك، كان الميل العام نحو تمكين النساء عموماً من خلال ما ذكرنا.

أثارت "جمعية تعدد الزوجات" التي أُعلن عنها في اعزاز، موجة استياءٍ واسعةٍ لدى النساء والناس عامة، ويمكن قراءة ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر التقارير التي غطّت الخبر. معظم الآراء والتعليقات اهتمت بمناقشة الموضوع من زاوية اجتماعية، والسخرية من العقلية التي تقف خلف ذلك المكتب، والإصرار على أن موضوع مساعدة النساء عامة والأرامل خاصة لا يكون من خلال مكتب "للتزويج" بل من خلال تأمين فرص عمل ومشاريع صغيرة ودعم الشباب الراغب بالزواج "العازب"، وليس من خلال مكتب مخصص للمتزوجين، وللرجال المقتدرين، وجاءت التعليقات، أي آراء المجتمع متسائلة، ومن الذي يستطيع الزواج بثانية وثالثة ورابعة، والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام تعيش أسوأ أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ هنا سيكون الجواب بأن هؤلاء سيكونون من المستفيدين من المال والسلاح والفوضى وقادة الفصائل المسلحة، وطبعاً من أصحاب المشاريع الاقتصادية، وأغلبية المجموعة الأخيرة غادرت سوريا.

الاختباء خلف النصوص الدينية من أجل تبرير التعدّد ليس بكافٍ هنا، ولا نناقش هنا المسألة من زاوية دينية. القضية تكمن الآن في استغلال وتسييس مسألة التعددية

قبل أشهرٍ زار الشيخ أسامة الرفاعي اعزاز، وشن هجوماً "راسخاً" ضد النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني، أو الداعيات من أجل حقوق متساوية مع الرجل، والآن يُفتتح مكتب كهذا، والذي يختبئ خلف علم الثورة. يحق لنا هنا، وهل الثورة كانت تبتغي مساواة النساء بالرجال أم كانت تمييزية وضد المرأة؟

الاختباء خلف النصوص الدينية من أجل تبرير التعدّد ليس بكافٍ هنا، ولا نناقش هنا المسألة من زاوية دينية. القضية تكمن الآن في استغلال وتسييس مسألة التعددية، عبر فتح المكتب، وإرضاء شهوات الرجال "جامعي الثروات بطريقة مشبوهة" وتعزيز العقلية البسيطة تحت مسميات، تدعي التديّن بينما هي تتجاهل الأزمة الحقيقية لمعاناة المرأة ولكيفية حلها، وتستغل واقعها هذا بدفعها لتكون تحت وصاية الرجل، الذي سرعان ما سيمل من حاجات أسرة الأرملة الكثيرة، وستتعرض للطلاق من جديد، وستعيش أزمات جديدة هي وأطفالها، وربما أسوأ مما قبل!

إن تأمين فرص العمل والمشاريع الصغيرة، وتوعية النساء لحقوقهن، ودعمهن، وتأمين الرعاية النفسية وحثهن على المشاركة السياسية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هي بعض القضايا التي يجب العمل عليها، وليس استغلال حاجة المرأة، وإلحاقها برجل لن يأبه لها إلّا كفرجٍ للمتعة والأطفال، هذا في حال إبقائها زوجة له.

إن مسألة أن تختار المرأة أن تكون ضرّة أو زوجة ثانية أو ثالثة، ووفق ما يقتضي الشرع الإسلامي، أو أن ترفض كل ذلك، وتسعى من أجل زواج أحادي، أقول هذا حق للمرأة. عكس ذلك، إن العالم يتجه نحو الزواج الأحادي، ويتألف من رجل وامرأة وعددٍ صغير من الأطفال، وتربيتهم والاعتناء بتعلميهم ومستقبلهم ومتابعة المرأة والرجل تطوير قدراتهم. إن فتح مكتب لتعدد الزوجات هو أسوأ ما قد تواجهه قضية المرأة، حيث سيتم تعزيز دونيتها وهامشيتها، وأن وظيفتها بالوجود لا تتعدى الإنجاب وإرضاء الرجل "والطبخ والنفخ".

إن المناطق المحررة، كان يجب أن تكون حياة الأفراد فيها أرقى من مناطق النظام، ولكنها تحاكيه في التطييف والأسلمة السياسية والفوضى وسطوة أمراء المال والحرب وعدم التفكير بالنهوض بالمجتمع ورفض قيم العمل أو تأسيس أعمال إنتاجية في مختلف الميادين. إن أيّة نظرةٍ لواقع المرأة التي قُتل زوجها في مناطق النظام سنراها كارثية، فهي متروكة لمختلف أشكال الابتزاز والمظلومية، والإهمال والتهميش. العقلية التي تقف خلف ذلك المكتب المشؤوم من ذات الطراز، فهي تتجاهل النهوض بالأوضاع الاقتصادية والفقر وأوضاع الشباب الذي لم يتزوج من قبل، وتهميش دور المرأة السياسي ومهاجمة العاملات بالمنظمات المدنية والحقوقية والساعيات من أجل توعية النساء.

إن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لم تقدم أية أمثلة أو نماذج لمشاريع تجتذب بقية السوريين الواقعين تحت سيطرته. إن المناطق "المحررة" محكومة من أمراء حرب وصراعات عنيفة بين الفصائل ومن إسلاميين غير منشغلين أبداً بقضايا المجتمع، ويتم فيها بصورة متكرّرة ملاحقة الصحفيين والنساء العاملات بالمجتمع المدني، وتعد الخدمات الصحية بأسوأ أحوالها. ثم وبعد كل هذه المشكلات، يأتي من يفتتح مكتباً لتعدد الزوجات؟

بعد أن تتأمن الاحتياجات البسيطة، سيكون للمرأة الحق بالتفكير بالزواج ضمن مفهوم التعددية أو سواه

القضية مأساوية بامتياز، ومؤلمة للمجتمع، وفَعَلَ الأخير كل الصواب بالسخرية منها، و"الاشمئزاز" ممن يقف خلف ذلك المكتب، ومن العقلية التي ترى بها مشكلات النساء وتحديداً الأرامل.

إن النساء اللواتي تعرضن تحت سيطرة النظام لمختلف أشكال الانتهاكات، ولن نتحدث عن مآسي المعتقلات، واللواتي لحقت بهن أشكال كبرى من المظالم كالاغتصاب في الفروع الأمنية وسواه، وهنَّ متروكات أو مستباحات! وهناك المعزولات "أرامل وأسر فقيرة" في المخيمات؛ أقول جميع تلك النسوة والعائلات ينتظرن المساعدات البسيطة، وتأمين الاحتياجات الأولية من طعامٍ ومسكنٍ وعملٍ ورعاية من الجمعيات المعنية بالمساعدة الاجتماعية والنفسية.

إذاً، وبعد أن تتأمن الاحتياجات البسيطة، سيكون للمرأة الحق بالتفكير بالزواج ضمن مفهوم التعددية أو سواه؛ قبل ذلك، وقبل أن تتغّير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك المكتب يعدُّ عملاً تجارياً بحتاً، وللاستثمار في معاناة المرأة، ولإرضاء شهوات المتنفذين في اعزاز وسواها، والأسوأ أنه يستغل التشريع الديني ويشوّه شروط التعددية.