من ثائر إلى ديكتاتور

2021.11.11 | 05:01 دمشق

danielortega-hugo-chavez-fidel-castro.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يَحتو السيناريو الذي فرضه رئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا على مسار الانتخابات الرئاسية المنتهية قبل بضعة أيام، بفوزه على منافسيه، على أيِّ تفصيلٍ مختلف، أو مَلمح تجديدي، عمّا فعله سابقوه ومُجايلوه من سلالة محتكري السلطة، شرقاً وغرباً!

لقد قام بكل ما هو مطلوب من أجل ضمان ألا تذهب أصوات المقترعين إلى خصومه، فاعتقل غالبية المرشحين المنافسين، وهدد البقية، فلم يكن هناك فعلياً أيُّ خطر يُهدّده هو وزوجته روزاريو موريلو التي تحظى بمنصب نائبة الرئيس.

لا بل إنه زاد مشهداً في الفصل الجديد من تاريخ هذه البلاد، حينما صرّح للصحافة، بعد انتهاء التصويت، متهماً خصومه المعتقلين بأنهم "شياطين (…) يختارون العنف والتشهير والافتراء والحملات حتى تقع نيكاراغوا مجددا فريسة للمواجهات العنيفة والحرب".

فهؤلاء بحسب قوله: "تآمروا ولم يرغبوا في إجراء هذه الانتخابات لأنهم باعوا أرواحهم منذ فترة طويلة للإمبراطورية (الولايات المتحدة) ويعيشون جاثين على ركبهم داعين لشن هجمات ضد نيكاراغوا".

 

rtxjmf89.jpeg

 

لقد سمع المتابعون نغمات مشابهة لهذا الموشح في أمكنة أخرى من العالم، ففي كل مكان يحكمه ديكتاتور، يستبيح البلاد والعباد، ثمة من يهمس في أذنه بأن عليه أن يصفَ معارضيه بأقذع الصفات، على أرضية اتهامهم بأنهم خوَنة وعملاء!

صدّقوا أن هذه الكوميديا السوداء ليست خاصة بالدول العربية، بل إنها تتوفر أيضاً في دول أخرى متناثرة حول المعمورة، الأمر الذي يعني بشكل واضح أن نشوء الديكتاتوريات المحلية، ليس خطة مؤامراتية من قبل دولة أجنبية للسيطرة على موارد هذا البلد أو ذاك، بل هو مسار أيديولوجي سياسي قمعي، يفضي إلى حصول كارثة محلية، قوامها استفراد فئة ما بالسلطة، ستجد أن عليها كي تستمر أن تبني علاقات مافيويّة مع كل القوى المهتمة بمصالحها، بما فيها الأعداء!

صدّقوا أن هذه الكوميديا السوداء ليست خاصة بالدول العربية، بل إنها تتوفر أيضاً في دول أخرى متناثرة حول المعمورة

نعرف في سوريا هذا السيناريو جيداً، لقد حصل في تاريخنا الأمر ذاته منذ نصف قرن، حينما قفز حافظ الأسد كأي ديكتاتور مهووس إلى سدّة الحكم، حاملاً شعارات ثورجية، ضد "الرجعية العميلة"، فأباد الحياة السياسية، بعد أن افتتح عهده بسجن رفاقه في معتقل المزة الشهير، وقضى على الفضاء العام، بذريعة الحرب مع إسرائيل، وبقية القصة يعرفها القاصي والداني!

حالة حكام نيكاراغوا، الذين وقفوا على عتبة الثورة ضد دكتاتورية عائلة سوموزا الاستبدادية المؤيدة لسياسات الولايات المتحدة، والتي استمرت ثلاثة وأربعين عامًا في الحكم، (من عام 1936 إلى عام 1979)، وتحوّلهم إلى عتبة ديكتاتورية معادية للإمبريالية، لا تبدو مختلفة، عما جرى في مناطق مشابهة، حول العالم.

إذ إنها ولدت ضمن فضاء حركات ثورية يسارية في أميركا الوسطى والجنوبية، تحلق فوقها روح سيمون بوليفار الثائر الذي حرر بلدان القارة من الاستعمار الإسباني.

ومؤطّرة كصورة زاهية، بحكايات مخصَّصة عن النضال من أجل الحرية، يغلب عليها الاسترشاد بتعاليم حرب العصابات التي قادها ذات يوم الثائر الأشهر أرنستو تشي غيفارا.

وعلى مقربة من حدودها، تلوح ديكتاتورية فيدل كاسترو، التي ما تزال تحكم كوبا، رغم رحيله عن الدنيا، وتغيّر وجوه حكام هافانا.

وبالقرب أيضاً، تربض فنزويلا، المحكومة من مجموعة "ثورجية" أخرى، تكرر ليل نهار شعارات العداء لأميركا، ولكنها أحالت حياة سكان هذا البلد جحيماً، فصار واحداً من أكبر البلدان المصدّرة للاجئين، بعد أن كان من أهم الدول المصدّرة للنفط!

وطبعاً ثمة بلدان أميركية جنوبية أخرى، حُكمت من قبل أحزاب وقوى يسارية، وصلت إلى السلطة من خلال الديمقراطية، وليس عبر القوة العسكرية والحركات الانقلابية، لكنها خسرت الانتخابات لأنها لم تنجح في إدارة الحكم، وتوفير الحاجات الأساسية لشعوبها، والتي تطمح ككل الأمم إلى الرفاه، وتخوض صراعات سياسية، مع تيارات يمينية، يغلب عليها حالياً الطابع الشعبوي، وفي هذا السياق يمكن لهؤلاء الذين يحملون راية اليسار أن يعودوا إلى مواقع السلطة، وقد يعود إليها غيرهم، وهذا هو مبدأ تداول السلطة، أي "انتقال السلطة من شخص لآخر، أو من جماعة سياسية لأخرى وفقاً للطرق المحددة في الدستور"!

لكن لدانييل أورتيغا الذي كان ثائراً بهيَّ الطلعة ذات يوم، وجهة نظر أخرى، فهو وعبر الممارسة السياسية المبنية على أجندة قمعية لا يرى أنّ ثمّة داعياً لمثل هذه الصراعات إذا كان بالإمكان سجن وقتل وطرد الخصوم، والانتصار على جميع القوى السياسية المعارضة باسم الدفاع عن الشعب؟!

إذا كان بالإمكان سجن وقتل وطرد الخصوم، والانتصار على جميع القوى السياسية المعارضة باسم الدفاع عن الشعب

لم يؤيّد أورتيغا وأشباهه من اليساريين السلطويين في كوبا وفنزويلا ثورات الربيع العربي، لا بل إنهم قاموا بمعاداتها، إذ صنعت لهم حساسيتهم من مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، تروساً إضافية، فصلتهم عن صورتهم السابقة كطلاب للحرية، وفككت أساطيرهم الشخصية، وكشفت أن تعلقهم بشعارات قامت على أحلام التحرر في زمن الاستعمار، لا يمنحهم صكوك البراءة من القمع والإرهاب، وارتكاب الجرائم السياسية، والتوجهات الدولية المشبوهة، كالعلاقة مع نظام الملالي الإيراني، والأنظمة المتوحشة وفي مقدمتها نظام بشار الأسد، حيث لا يخفي هؤلاء علاقاتهم المزدهرة معه، ودعمهم له، عبر إرسال شحنات النفط الفنزويلي في وقت سابق، وعبر الدعم في المحافل الدولية بشكل دائم!