من القوقاز إلى الشرق الأوسط.. عجز روسيا عن حماية الحلفاء

2020.10.01 | 00:54 دمشق

20200924_2_44513373_58385500.jpg
+A
حجم الخط
-A

يقود المشهد المشتعل في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان إلى مزيد من الضياع حول خريطة التحالفات الدولية التقليدية. كانت إيران تاريخياً تدعم أرمينيا كما روسيا. بينما اليوم تختار طهران الوقوف على الحياد. قبل يومين، تسربت أخبار من روسيا عن نقل أسلحة إيرانية إلى أرمينيا، سارعت إيران إلى نفي هذا الكلام وأكدت وقوفها على الحياد. هي لا تريد الدخول في مواجهة مع تركيا، وهذا بحد ذاته تطور كبير. كانت موسكو تريد توريط طهران إلى جانب أرمينيا بحيث تدفع من يقاتل ويدعم عوضاً عنها. تلك الخريطة المعقدة لا بد لها أن تنعكس على صورة العلاقات المعقدة بين الدول في الشرق الأوسط.

خلاصة الصورة، أن روسيا من أكبر الخاسرين بفعل التطورات الحاصلة في منطقة لطالما اعتبرتها عمقاً لأمنها القومي. تتلاقى موسكو مع باريس على دعم أرمينيا، وهذا سبب آخر وجديد للتقارب الروسي الفرنسي الذي يتعارض مع تركيا، في ظل تعارض المصالح الروسية التركية من ليبيا إلى البحر الأبيض المتوسط واكتشاف تركيا للغاز في البحر الأسود ما سيغنيها عن الغاز الروسي والذي سينعكس سلباً على روسيا. العلاقة التركية الروسية المنسوجة بحكم الأمر الواقع لأن الطرفين غير قادرين على كسر بعضهما بعضا. ولم تتمكن موسكو من حماية بشار الأسد إلا بالتفاهم مع الأتراك.

تحل روسيا في المرتبة الأولى من المتضررين بفعل ما يجري في القوقاز، ومن قبله خسارة معنوية منيت بها مع حليفتيها التاريخيتين اليونان وقبرص، اللتين لم تجدا حصناً ومناعة إلا بالتحالف مع الأميركيين الذين يحمونهم من الأتراك. الصورة اليونانية والقبرصية تجاه موسكو بأنها لا تتمكن من حماية حلفائها. حتى النظام السوري لم يتمكن الروسي من حمايته غير بصورة بقاء الأسد، وقد اضطرت موسكو الى عقد الاتفاقات المتعددة مع الأتراك لتوفير حد أدنى من مقومات حماية النظام. ولم تتمكن روسيا من توفير أي مقومات لصمود النظام اقتصادياً ومالياً، ولم يعد لديها من خيار إلى دفعه في اتجاه إسرائيل وبالتالي أميركا.

 تحتل إيران المرتبة الثانية من المتضررين فهي تجد نفسها محرجة، لذلك دعت إلى وقف إطلاق النار والتهدئة بين أرمينيا وأذربيجان، لأنها لو اتخذت أي قرار غير حيادي، ستكون في مواجهة مشكلة حقيقية ولا بد من الانتباه إلى موقف الإيرانيين الأذريين من أي موقف قد تتخذه طهران إلى جانب أرمينيا لأنه سيكون مصحوباً بردود فعل كبيرة في الداخل الإيراني.

سارعت إيران إلى نفي نقل أسلحة إلى أرمينيا، لأنها لو تورطت لكانت أصبحت في واجهة الأزمة. في هذا المجال، تقود إيران لعبة مصلحية بحتة على نفس الطريقة الأميركية، تنكفئ عندما تكون مصالحها معرضة للخطر. وتتراجع منحنية أمام العاصفة. وهي تنظر إلى تحالف الولايات المتحدة الأميركية مع دول الخليج وتركيا بقلق، لأنها تستحضر تجربتها مع باراك أوباما، التحالف الشيعي الأميركي في ولاية أوباما، يقابله هذه الأيام تحالف استراتيجي سني أميركي في ظل العلاقة الجيدة الأميركية مع كل من دول الخليج وتركيا وقطر.

 تحتل إيران المرتبة الثانية من المتضررين فهي تجد نفسها محرجة، لذلك دعت إلى وقف إطلاق النار والتهدئة بين أرمينيا وأذربيجان

في المقابل، تسجل أنقرة مكاسب بفعل هذا الصراع المتطور، هي الدولة الأولى والوحيدة التي أعلنت وقوفها إلى جانب طرف ضد طرف آخر، ما تريده أولاً هو ضمان حقول الغاز وأنابيبه، وإثبات تحالفها مع طرف شيعي وإظهاره بقوة، عبر القول إنها لا تتخلى عن حلفائها.

تتمدد أنقرة في القوقاز، كما تمددت من قبل في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وصحيح أنها انكفأت عن عمليات التنقيب بالبحر المتوسط لكنها استدرجت عروضاً تفاوضية كبيرة. سيستخدمها أردوغان مستقبلاً عند أي استحقاق، كما سيستخدم "خسارة" الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لبنان، إثر الفشل بتشكيل حكومة لبنانية وفق المبادرة الفرنسية.

تلك الخطوات التركية، ستعزز نزعة الأتراك للعب دور أكبر على الساحة اللبنانية مستقبلا، فإلى جانب استعراض قدراتها العسكرية من ليبيا إلى أذربيجان وأرمينيا، تستعرض جانباً معنوياً هاماً في السياسة التي تتبعها، وهي عدم التخلي عن الحلفاء، من قطر إلى ليبيا وأذربيجان. وتقدم صورة مشابهة لصورتها في سوريا عبر تدخلها إلى بعض المناطق والحفاظ على نفوذها ووجودها، تلك الصورة سيكون لها بعد معنوي لدى الباحثين عن دور أو عن حليف وداعم.

في الوقت الذي تبحث فيه تركيا عن فرصة للدخول إلى لبنان، تسارع موسكو أيضاً، التي تكاد تفقد تأثيرها، على الساحة اللبنانية خصوصاً أن لبنان هو ساحة نفوذ إيراني أميركي صرف، تبحث كل من روسيا وفرنسا عن أدوار لهما ما بين الطرفين المتصارعين. ويعرف الطرفان أنه لن يكون بإمكانهما الإضطلاع بدور لبناني بمعزل عن موافقة طرفين، إيران وأميركا ومن خلفها إسرائيل. موقف لافروف خلال زيارته إلى لبنان آخر الشهر المقبل، سيكون مشابهاً لموقفه في سوريا إذ دعا الأسد إلى الدخول في مفاوضات مع إسرائيل، وطالبه بتخفيف الوجود الإيراني في سوريا. موقف فرنسا لن يكون بعيداً في المرحلة المقبلة، بعد كلام ماكرون الإنقلابي على إيران وحزب الله الذي خيره بين أن يكون حزباً سياسياً أو ميليشيا إرهابية تقاتل إسرائيل وتقاتل في سوريا. الأيام المقبلة حافلة، بتطورات حامية.