من الذي يجب أن يكتب دستور سوريا؟

2021.10.17 | 07:26 دمشق

thumbs_b_c_0091a80203dea0af43d60b3b9055b0bf.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع الجولة السادسة من اللجنة الدستورية ودخولها في صلب المبادئ الأساسية برز سؤال لدى بعض السوريين من الأولى بأن يكتب دستور سوريا النخبة القانونية أم النخبة السياسية أم الشعب السوري؟..

بالمجمل يجب أن يشارك في صياغته من يعي أهميته مع ملاحظة ذهاب غالبية الفقهاء إلى أن سقوط الدستور بالثورة أو الانقلاب لا يمس من القواعد الدستورية إلا ما تعلق بنظام الحكم في الدولة، وهي القواعد التي تقوم الثورة عادة من أجل تغييرها حيث إن الثورة تكون موجهة إلى التنظيم السياسي للدولة بالإضافة إلى التنظيم الاجتماعي والاقتصادي، ويترتب على ذلك أن القواعد الدستورية التي لا تتعلق بنظام الحكم في الدولة تظل باقية رغم قيام الثورة، ومثال ذلك الأحكام والقواعد المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم والقواعد التي تعتبر دستورية شكلاً لا موضوعاً كما يقول بعض أساتذة القانون المعروفين..

إقرار مبادئ الدستور لا يحتاج إلى خبراء، بل يحتاج إلى مشاركة المطحونين والمعذبين من أبناء الشعب السوري في تحديد المبادئ التي تحكم علاقتهم بالدولة من حيث حقوقهم عليها وواجباتها تجاههم

ولكن تنقسم الآراء مع أنه "ليس هناك قواعد مسلم بها لنشأة الدساتير، وتختلف الطرق المتبعة باختلاف الدول من حيث ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام فيها" بحسب مرجعية القانون الدستوري والنظرية العامة للدكتور حسن البحري.

ويرى البعض أننا قد نحتاج إلى خبراء قانونيين وحقوقيين للصياغة القانونية الصحيحة للدستور.. إلا أن إقرار مبادئ الدستور لا يحتاج إلى خبراء، بل يحتاج إلى مشاركة المطحونين والمعذبين من أبناء الشعب السوري في تحديد المبادئ التي تحكم علاقتهم بالدولة من حيث حقوقهم عليها وواجباتها تجاههم..

فراس فحام الباحث في الشأن السوري يرى أنه في الدول المستقرة ترعى النخبة السياسية كتابة دستور جديد بعد الاستفتاء عليه، وتوكل المهمة التنفيذية لتقنيين ولكن في الحالة السورية هناك قضايا إشكالية يتم التفاوض عليها مثلا علاقة الدين بالدستور، أو مبادئ الحريات، وهذه بطبيعتها مرتبطة بالمبادئ السياسية والفكرية والإشكالية في غياب التقنيين بالكامل وليس بمشاركة سياسيين.

ويرى هادي البحرة الرئيس المشترك للجنة الدستورية أنه لضمان القبول الواسع للدستور الجديد، من المهم أن يشارك في تحديد مضامينه كل من الهيكل المكلف بصياغة مشروع الدستور والقوى السياسية والمجتمع المدني عامة. إلا أن الجهات المذكورة لا تتمتع بنفس المستوى من المسؤولية في هذا الخصوص. فبالرغم من أهمية الضغط الذي يمكن أن تمارسه القوى السياسية والمجتمع المدني للتأثير على القرارات المتعلّقة بتحديد محتوى مشروع الدستور، إلا أن دورها يبقى محدودا مقارنة بالدور الذي يلعبه الهيكل المكلف بصياغة مشروع الدستور؛ باعتباره الجهة الأولى المسؤولة عن تحديد مضامين مشروع الدستور.

ولتأمين نجاح مسار وضع الدستور، فإنه من المهم أن يكون مشروع الدستور نتاج مسار تفاوضي وتشاركي واسع، ينطلق منذ المراحل الأولى لإعداد مشروع الدستور ويستمر طيلة عملية الصياغة، وإلى حين المصادقة على الصيغة النهائية للنص الدستوري..

ويشدد في هذا الصدد أنه يتعين أن يشمل المسار التفاوضي كل أعضاء الهيكل المكلف بصياغة الدستور، والفاعلين السياسيين والمدنيين، وكل من قد يكون له تأثير على استقرار الدولة (كالقوى المسلّحة..).

ومن خلال التجارب الانتقالية يمكن أن نرى أن إعداد مشروع الدستور يتمّ إما من قبل جمعية تأسيسية أو من قبل البرلمان أو من قبل لجنة دستورية مثل الحالة السورية الآن. وقد يشارك في هذه العملية أكثر من جهة من الجهات السابقة مع ملاحظة أنه في دساتير سوريا ما قبل حزب البعث كانت تقوم على إعداده لجنة دستورية منتخبة.

وتشكل عملية تحديد مضامين الدستور عملية مستقلة عن العملية التقنية والقانونية المتمثلة في كتابة الوثيقة الدستورية.

ويتصدر موضوع مضامين الدستور الجديد الحوارات والنقاشات والمفاوضات التي تحصل خلال مرحلة كتابة مشروع الدستور، وتتواصل حتى مرحلة مناقشته أمام هيكل المصادقة. وتثير عادة النقاشات حول مضامين الدستور خلافات كبيرة، سواء بين مختلف التيارات السياسية أو بين هذه الأخيرة والمجتمع المدني بمختلف مكوناته. لذلك، تأخذ عملية تحديد مضامين الدستور حيزا زمنيا كبيرا من مرحلة كتابة مشروع الدستور. ويشكل الاتفاق على مضامين الدستور واحدا من أكبر التحديات التي تواجه مسار وضع الدستور برمته.

يعتبر أسلوب الاستفتاء التأسيسي من الأساليب الديمقراطية في نشأة الدساتير نظراً لمباشرة الشعب سيادته الدستورية بشكل مباشر

ويؤكد البحرة أنه كون هذه اللجنة الدستورية هي لجنة غير منتخبة من الشعب وتستمد شرعيتها من قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ ومن اتفاق الأطراف السورية على تشكيلها بتيسير من الأمم المتحدة، يجب عرض مشروع الدستور الجديد على الشعب عبر استفتاء عمومي ويعتبر ذلك الاستفتاء تأسيسي وهو الذي يمنح الدستور شرعيته.

ويعتبر أسلوب الاستفتاء التأسيسي من الأساليب الديمقراطية في نشأة الدساتير نظراً لمباشرة الشعب سيادته الدستورية بشكل مباشر. حيث إن موافقة الشعب على مشروع الدستور تضفي خصوصية معينة حول هذا الدستور لكونها تجعله القانون الذي تتمثل فيه الإرادة الشعبية فبهذا الأسلوب تتاح الفرصة للشعب ليعبر عن قبوله أو رفضه لمشروع الدستور.

وتطرح عدة أمثلة في هذا المجال فقد صدرت عدة دساتير عن طريق الاستفتاء التأسيسي ومن تلك الدساتير دستور 1851 الفرنسي حيث وضع مبادئه الأساسية نابليون. وكذلك دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة الصادر 1946 حيث وضعت مشروعه جمعية نيابية منتخبة ثم عرض هذا المشروع على الشعب فرفضه، ثم قامت جمعية نيابية جديدة بإجراء بعض التعديلات عليه ثم طرح في استفتاء ثانٍ فوافق عليه الشعب، كما أن دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الصادر عام 1958 النافذ حاليا هو آخر الدساتير الفرنسية التي صدرت بأسلوب الاستفتاء الدستوري بعد أن قامت لجان حكومية غير منتخبة بوضع مشروعه.

ويؤكد سوريون أنه لابد من توافقات دولية جدية للدفع بالعملية السياسية بما فيها اللجنة الدستورية وجدول زمني لكتابة الدستور وفق ما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ (٢٠١٥) في مادته الرابعة، وهذا ما يحاول ممثلو هيئة التفاوض في اللجنة الدستورية التوصل إليه وفق مصدر مطلع من داخل اللجنة، لما فيه مصلحة الشعب السوري الذي عانى ويعاني منذ أكثر من عشر سنوات من استبداد واعتقالات وقتل وتشرد وحرب وينشد التقدم في الحل السياسي إلى الأمام بشكل أسرع.