من الدنمارك إلى بريطانيا: اللجوء مكسر العصا المتوحشة

2021.07.01 | 06:30 دمشق

1601567480.jpg
+A
حجم الخط
-A

الشيء الذي يدعو للحنق والغيظ، ليس فقط أن يحتوي تقرير الاتجاهات العالمية الذي تصدره المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، على تشريح مهم لأوضاع هؤلاء حول العالم، ولا سيما منهم السوريين، يوضح أن مآسيهم لن تنتهي قريباً، وأن عليهم وعلى الدول المستضيفة لهم، أن يعدوا العدة لاستمرار واقع الحال على ما هو عليه، لفترة طويلة.

بل هو أيضاً أن تنقل الأخبار عن تمدد "التأثير الدنماركي" في هذه المسألة والذي يبنى على نقل طالبي اللجوء إلى بلد ثالث، هو راوندا، وتسربه إلى دول أخرى، مثل بريطانيا، التي توقعت صحيفة التايمز قبل يومين أن تسن وزيرة الداخلية في حكومة بوريس جونسون، بريتي باتيل، قوانين جديدة، يتم بموجبها إرسال طالبي اللجوء إلى مراكز خارج الدولة، أثناء النظر في طلباتهم، الأسبوع المقبل، وذلك بحسب ما نقل موقع المهاجر نيوز.

التناقض بين سياسات الدول المستضيفة للاجئين، وبين القوانين والمواثيق الدولية، ليس بجديد على المتضررين والضحايا الأساسيين للحروب والأزمات. ومن دون الحاجة إلى أدلة كبيرة لإثبات الأمر، يكفي أن نسأل أي نازح أو لاجئ عن  توقعاته، عما ينتظره في رحلة البحث عن المكان الآمن الذي يضمن له العيش الكريم، لنجد جوابه محفوفاً بالخوف وتوقع الخذلان، الذي يبدأ من التشكيك بالرواية الشخصية، التي تشرح أسباب طلب اللجوء، ولا ينتهي بتقييم حالة اللاجئ عبر دراسة سطحية، تتناول شكله، وهيئته، وطبيعة ألبسته، مروراً بما يمتلك من نقود ومعادن ثمينة، وصولاً إلى الحكم عليه من معرفة نوع جهاز الهاتف الجوال الذي يستخدمه، فإذا كان ينتمي للأجهزة مرتفعة الثمن، فإن ذلك سيعتبر مدعاة لعدم الاقتناع بصحة الطلب!

التعامل الفظّ من قبل موظفي بعض الدول في تعاطيهم مع اللاجئين السوريين، لم يعد في أعراف هؤلاء مجرد مسألة حظ سيئ، بل إنه سياسة مقررة، وهذا أمر لم تخفه الدول التي تعلن تبرمها من وجود اللاجئين على أرضها، فالدنمارك ذاتها، سنت قانوناً يمكنها من الاستيلاء على ممتلكات طالبي اللجوء، من المال وغيره!

التعامل الفظ من قبل موظفي بعض الدول في تعاطيهم مع اللاجئين السوريين، لم يعد في أعراف هؤلاء مجرد مسألة حظ سيئ، بل إنه سياسة مقررة

وفي قراءة مستجدة لبعض المختصين بهذه القضية، فإنهم يرجعون رغبة الدنمارك، والدول التي ستتبع أسلوبها في الحل، بترحيل طالبي اللجوء إلى دول أفريقية، إلى عدم قدرتها على تجاوز المبادئ الحقوقية المنصوص عليها دستورياً وقانونياً في شكل التعاطي مع اللاجئين، فمن أجل حزم أكثر، سيحتاج الموظفون إلى تغطية قانونية، لن يستطيعوا الحصول عليها في بلدانهم، ولهذا سيستفيدون من القوانين المختلفة في راوندا وغيرها، من أجل حسم سريع لملايين طلبات اللجوء المعلقة على مستوى القارة كلها!

وفي مقابل الوجه الأسود للدنمارك، ثمة وجوه بيضاء لدول أخرى، ترفض مثل هذه السياسات وتميل أكثر نحو جعل اللاجئين أدواتٍ في مسار الحياة اليومية لمجتمعاتها، وتؤكد على عدم وجود تغيير في سياساتها إزاء هذه القضية، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وهولندا.

لكن، ورغم وجود الحيز الإيجابي الكبير في القارة الأوروبية في التعاطي مع القضية الملحة، فإن ثمة مشاكل كبرى يبدو أن التقاعس في مواجهتها، هو العنوان العريض الذي يحكمها.

إذ ثمة تنميط مريح لدى موظفي وكالات قبول اللاجئين، ينطلق من خلال بحث أوضاع الجميع على أنهم بلا مؤهلات مادية، وبالتالي فإن المسألة الأعلى تركيزاً بالنسبة لهم، هي قراءة كلفتهم الاقتصادية على الدول المستضيفة!

رغم ذلك، يرفض غالبية اللاجئين هذا الأسلوب في التعاطي معهم، ولا سيما أولئك الذين يحملون شهادات جامعية وخبرات طويلة، تؤهلهم لدخول سوق العمل، في حال خففت هذه الدول من قوانينها الصارمة لجهة المعايير المتبعة في تقييم شروط الإدماج المهني، بينما يعلن كثيرون أنهم لاجئون سياسيون، وليسوا ضحايا للفقر والعوز، وأنهم بالتالي يستطيعون تدبر تكاليف إقامتهم بأنفسهم.

وهنا أتذكر تجربة مر بها زملاء من العاملين في الشأن الثقافي والفني، حيث لم يتمكنوا من إقناع موظفي بلدية المدينة التي يعيشون فيها بسهولة، من أنهم ليسوا بحاجة لمساعدة الدولة الفرنسية مادياً، وإن وجودهم على الأرض الفرنسية يستند إلى حق اللجوء السياسي، وبالتالي فإنه يمكن التعاطي مع معاملاتهم بشكل مستقل، دون تلقيهم المساعدة المادية، والقبول بهم بوصفهم منتجين يستطيعون أن يؤدوا الضرائب على مداخيلهم، المتوجب دفعها للدولة الفرنسية.

في المقابل، لا يمكن تجاهل وجود شريحة كبيرة من اللاجئين الذين لا يمكن لهم أن يعملوا، بالشكل المطلوب وفق قوانين الدولة الفرنسية وغيرها، لكن الصورة العامة لوضع اللاجئين السوريين ليست قاتمة، بالقياس والمقارنة مع أفراد من قوميات أخرى، شاءت بهم الظروف أن يستقروا في هذا البلد أو ذاك.

قد تنتهي كل هذه المصيبة بحدث استثنائي، يتيح للسوريين العودة إلى وطنهم، ولكن إلى أن تحدث المعجزة، سيتوجب عليهم ألا يركنوا إلى صفة اللاجئ، بل عليهم أن يمضوا سريعاً صوب الاندماج، واكتساب حقوق المواطنة، بالتوازي مع الخبرات التي أتاحها واقع الحال لهم.